حرب السفن.. الغلاء يجتاح اليمن على وقع طبول الحرب


بدأ الاضطراب الشديد في حركة ملاحة البحر الأحمر بالانعكاس الواضح على الأسواق اليمنية، التي يجتاحها تسونامي الغلاء واضعاً غالبية العائلات في أوضاع معيشية حرجة، لا سيما في شهر رمضان الذي يتطلب من الصائمين تحضيرات استثنائية ليفرحوا بإفطارهم.

يتبع المواطن نجيب صالح نظاماً معيشياً مختلفاً لتوفير الاحتياجات الغذائية لأسرته، بخلاف ما كان متبعاً سابقاً على الأقل قبل نحو 3 أو 4 سنوات، وبتغيير جذري عن أسلوب حياته الذي كان قائماً قبل عام 2015.

يقول صالح، وهو من سكان صنعاء، لـ"العربي الجديد": "اعتدنا على تأمين احتياجاتنا المعيشية والغذائية لمدة تتراوح بين 15 و30 يوماً، حيث كنت أشتري أهم احتياجاتنا من دقيق وزيوت وسكر وأرز وتوابل بكميات تكفي لهذه الفترة، كشراء كيس أو نصف كيس "قطمة" دقيق زنة 50 كيلوغراماً، ومثلها بقية المكونات"، علماً أن أسرته المكونة من 8 أفراد كانت تحرص على إنتاج الخبز في المنزل مرة واحدة كل يومين تقريباً.

كان الهامش بسيطاً ومحدوداً لبعض الأسر في الاستدانة من متاجر بيع الغذاء لتوفير بعض الاحتياجات، بحسب صالح، في حين أن الخضراوات كان يشتريها كل أسبوع مرة، وكذلك الأمر بالنسبة للحوم والدواجن بالنسبة للأسر محدودة الدخل، بينما الأسر متوسطة وميسورة الدخل فقد كانت توفر على الأقل الدواجن بشكل يومي أو شبه يومي.

صالح وكثير من المواطنين يعمدون إلى شراء السلع الغذائية الضرورية بالتجزئة. فقد لجأ اليمنيون الذين يكابدون ظروفاً صعبة منذ نحو 10 سنوات إلى استراتيجيات تكيّف مبتكرة نتيجة تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية والإنسانية، فيما يجسّد رمضان ما تنتهجه نسبة كبيرة من العائلات التي تشتري حاجتها لوجبة الإفطار يومياً، وعلى رأسها الخبز والتمور.

في هذا الصدد، يقول المواطن بشير عبيد لـ"العربي الجديد" إن الشراء أصبح بالكيلوغرام لتوفير الأرز والسكر، وكميات محدودة للاستهلاك اليومي، أو كل يومين إلى ثلاثة، من التوابل والبهارات، بينما يشتري المواطن سالم الشرجبي الخبز من الأفران التي تبيعه بالكيلو.

وتكالبت العديد من الأزمات على اليمنيين، وأحدثها ما يجري في البحر الأحمر والممرات المائية، في تطورات تؤثر سلباً على معظم الأسر اليمنية التي أصبحت نسبة كبيرة منها تعيش في وضع انعدام الأمن الغذائي، وتتبع استراتيجيات التكيف مع الأزمات يوماً بيوم.

وقد أظهر استطلاع ميداني أجراه "العربي الجديد" في عدة مدن ومحافظات، مثل صنعاء وعمران (شمالاً) والمحويت وحجة والحديدة (شمال غرب) والبيضاء ومأرب وتعز (جنوب غرب) وعدن وشبوة (جنوباً)، أن معظم الأسر تشتري ما تحتاج إليه يومياً بالتجزئة أو بالكيلوغرام.

تكالبت العديد من الأزمات على اليمنيين، وأحدثها ما يجري في البحر الأحمر والممرات المائية

وغالباً ما يتركز ذلك في بعض أصناف الخضراوات كالبطاطس وغيرها من الأصناف التي تدخل ضمن مكونات وجبة "السلتة"، أو مكونات وجبة "العصيد"، أو شراء الزبادي "الحقين" بحجم صغير، والذي يعد في رمضان من أهم مكونات وجبة "الشفوت"، في حين تشتري بعض الأسر في بعض المحافظات، خصوصاً الشمالية الغربية، حتى "الزيوت" و"السكر" بحسب احتياجاتها اليومية.

 

تغيير جذري في النظام الغذائي

في هذا الإطار، المختص في مجال التغذية خالد إسماعيل يشير، لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأوضاع الراهنة وتفاقم الأزمات أجبرت معظم الأسر إلى إجراء تغييرات جذرية في نظامها الغذائي بعدما اضطرت إلى خفض كمية ونوعية الغذاء والاعتماد على سلة غذاء أقل تنوعاً، حيث أصبحت كثير من الموائد شحيحة وتخلو في معظم الأيام من اللحوم والدواجن.

ويمثل العجز عن تحمّل التكاليف بسبب تضخم الأسعار عائقاً رئيسياً أمام الاستهلاك اليومي للغذاء في اليمن، حيث شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً تصاعدياً خلال الفترة الماضية بمستويات تتجاوز ما يستطيع اليمنيون تحمله تبعاً لدخلهم، حتى عند التوفيق بين أعمال متعددة، إذ لا تستطيع، رغم ذلك، الأسر التي يعمل فيها أكثر من شخص أن تتحمل تكلفة سلة الغذاء.

في المقابل، يتوقع خبراء اقتصاد ومتعاملون في الأسواق أن تكون هناك آثار لما يحدث في البحر الأحمر وباب المندب على أسعار الغذاء، حيث تشهد الأسواق المحلية ارتفاعات متصاعدة في أسعار الغذاء خلال شهر رمضان، وفقاً لما قال الباحث الاقتصادي رشيد الحداد لـ"العربي الجديد".

ومع ذلك، يقول الحداد: "حتى الآن، لم نلمس تقلبات سعرية كبيرة في الأسواق الواقعة تحت سيطرة سلطة صنعاء التي تشهد استقراراً في أسعار صرف العملة الوطنية، مقابل اضطراب سعر الصرف المتداول في أسواق المحافظات الجنوبية والتي تعد أحد عوامل عدم الاستقرار المعيشي".

وفي الوقت الذي يواصل الحوثيون استهداف سفن إسرائيل أو المتجهة إلى موانئها، وتكثيف الاستهداف خلال الفترة القليلة الماضية للسفن الأميركية والبريطانية، تؤكد وزارة الصناعة والتجارة في صنعاء أن الوضع التمويني مستقر، وأنها تنفذ حملات ميدانية لضبط الأسواق بالتنسيق مع الغرف التجارية، فضلاً عن وضع آليات جديدة تنظم الرقابة، بما يضمن تحقيق أثر ملموس لدى المواطن.

 

كفاح لكسب لقمة العيش

وفي السياق، أظهر تقرير صادر عن البنك الدولي نهاية العام الماضي 2023 أن كثيراً من الأسر، منذ ما قبل أزمة البحر الأحمر، تكافح لكسب لقمة العيش وتوفير تكاليف الغذاء والخدمات الأساسية، مبيّناً أن درجة استهلاك الغذاء لـ25% من الأسر اليمنية أصبحت في مستوى ضعيف، وأن درجة استهلاك الغذاء لدى 25% من الأسر في مستوى أضعف بكثير، ما يجعلها على حافة الحد الأدنى للأمن الغذائي.

كما تظهر بيانات البنك تبايناً كبيراً بين مناطق السيطرة في اليمن، حيث تعاني 28% من الأسر في مناطق الحوثيين من ضعف الأمن الغذائي، مقابل 18% فقط في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً.

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي محمد الحميري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن اليمن يعاني مشكلة مزمنة في الأمن الغذائي انعكست على نمط الحياة المعيشية للمواطنين، وسط فشل ذريع للخطط الحكومية طوال السنوات الماضية، خصوصاً قبل عام 2015، في تقليص الفجوة الغذائية، حيث استمر الفقر بالتمدد بالتزامن مع توسع البطالة وضعف مستوى الدخل المعتمد على الوظائف الحكومية، في حين ساهمت الأزمات الناتجة عن الصراع، بالذات الانقسام المالي والنقدي، وأزمات النقل والشحن التجاري وقطع الطرقات، في ارتفاع الأسعار والتضخم إلى مستويات قياسية.

كما يبيّن أن ما يجري في البحر الأحمر له بالتأكيد تبعات على البلد الذي يستورد جميع احتياجاته، بما يجعل اليمن من أكثر الدول تأثراً باضطراب الأسواق الدولية وارتفاع تكاليف التأمين والشحن التجاري، نتيجة للأحداث المتصاعدة في المنطقة بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، وليس فقط بما يجري في البحر الأحمر وباب المندب.

 

 

أقراء أيضاً

التعليقات

أخبار مميزة

مساحة اعلانية