سرقة غذاء جوعى اليمن... الفساد الحكومي يلتهم مساعدات القمح

يستمر الجدل الدائر حول شحنة القمح المقدمة كمساعدة لليمن من الحكومة البولندية وسط اتهامات متبادلة بين مسؤولين ووزراء بسبب شبهات الفساد والاستغلال والتكسب غير المشروع التي رافقت عملية شحنها ونقلها من أحد الموانئ البولندية إلى ميناء عدن، جنوب اليمن.

وعجزت الحكومة اليمنية عن توفير مليوني دولار تكاليف شحن كمية القمح البولندية المقدرة بنحو 40 ألف طن وقيمتها تصل إلى حوالي 14 مليون دولار، الأمر الذي أدى إلى قيام جهات حكومية بالتعاقد مع تجار لنقلها إلى اليمن مقابل الحصول على نصف الكمية التي تصل إلى 20 ألف طن بكلفة 7 ملايين دولار.

يأتي ذلك، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تفاقما واسعا للأزمة الإنسانية التي تصنف بالأكبر على مستوى العالم، حيث يحتاج حوالي 24.3 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي السكان، إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية، منهم 12.9 مليون شخص بحاجة ماسة للمساعدة.

وحصلت الصحيفة على وثائق رسمية تؤكد توقيع عقد لنقل شحنة القمح البولندية وفق تفويض من قبل وزارة الصناعة والتجارة للسفارة اليمنية في بولندا مع إحدى الشركات التجارية، وذلك بعد إبلاغ وزارة التخطيط والتعاون الدولي برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بعدم توفر الإمكانيات المالية لنقل الشحنة.

وتدافعت وزارات يمنية للنأي بنفسها عن شبهات الفساد والاستغلال التي رافقت نقل شحنة المساعدات البولندية من القمح بعد ارتفاع حدة السخط في اليمن على كافة المستويات من الاستهتار الحكومي الذي وصل إلى المساعدات الإنسانية المقدمة من دول العالم والأمم المتحدة لتخفيف حدة الأزمة الإنسانية والغذائية التي يعاني منها معظم سكان البلاد.

يرى المحلل الاقتصادي صادق علي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه لا مبرر على الإطلاق لما حصل من تقاعس واستغلال لشحنة مساعدات من القمح للمساهمة في تخفيف جزء من معاناة اليمنيين من قبل مسؤولين تخلوا عن مهامهم وتحولوا إلى سماسرة يتاجرون بمعاناة ومأساة اليمنيين، إذ ينطبق ذلك على جميع الأطراف الذين لا عمل لهم سوى التربح من كل شيء ولو على حساب تجويع الناس في مختلف المناطق التي يتقاسمون إدارتها وحكمها، ويشير إلى أنّ هناك توغلاً للهدر والفساد والتطاول على القوانين والتشريعات النافذة التي تلزم باتباع مبادئ الشفافية في الموارد العامة والعقود والمعاملات التجارية.

وحمل برلمانيون يمنيون الحكومة ممثلة بوزارات التخطيط والتعاون الدولي، والمالية، والتجارة والصناعة، مسؤولية هذه الأزمة وتبعاتها في شبهات الهدر التي رافقت التعامل مع هذه المساعدة الغذائية المهمة من القمح، الأمر الذي يقتضي تنفيذ اختصاصاتهم والتواصل مع الجانب البولندي للحصول على المساعدة وتوفير الاعتماد المالي لضمان نقلها وفق إجراءات شفافة وواضحة.

ويتهم الباحث الاقتصادي عصام مقبل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أطراف الصراع في اليمن، الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين مسؤولية تجويع اليمنيين وتفجير أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم.

إذ يعتبر الجدل الدائر حول شبهات شحنة القمح المقدمة كمساعدة من الحكومة البولندية، وحادث صنعاء في إبريل/ نيسان الماضي الذي شهد مقتل عشرات الأشخاص وإصابة مئات بجروح أثناء توزيع مساعدات مالية في عاصمة البلد الغارق بالحرب، مجرد نماذج بسيطة لما يحدث في اليمن من صراع وسباق يتركز على انتزاع لقمة العيش من أفواه ملايين الجوعى بسبب أفعالهم وسياساتهم على مدى أكثر من ثماني سنوات من عمر الحرب والصراع في البلاد.

في السياق، نفت وزارة التخطيط والتعاون الدولي أن تكون إحدى الجهات المتسببة في هذه الأزمة، بالنظر إلى تخصصها وفق بروتكولات واتفاقيات مع المانحين من دول ومنظمات وصناديق وحشد الأموال وتقديم مختلف المساعدات في كل الإطار الجغرافي كوزارة إشرافيه.

وقالت الوزارة، في بيان اطلعت عليه "العربي الجديد"، إنه تم إبلاغها والتوجيه لها من قبل رئيس الوزراء في يوم 11 سبتمبر/ أيلول الماضي 2023، بعد رفضه اعتماد العقد المبرم بين وزارة الصناعة والتجارة وشركة خاصة تسمى "شركة الغداء الماسي" والتي كانت ستأخذ ما نسبته 50% من إجمالي كمية الشحنة، حيث كانت وزارة التجارة والصناعة قد فوضت سفيرة اليمن لدى وارسو بتوقيع الاتفاق مع المستفيد وشحن الشحنة من صوامع غلال ميناء غدانسك البولندي.

وأكدت وزارة التخطيط أنها علمت بالأمر حينها من المعنيين، حيث ظل الأمر في قنوات وزارتي التجارة والصناعة، والخارجية، عبر سفارة اليمن في بولندا، مشيرةً إلى قيامها بمخاطبة برنامج الغذاء العالمي والذي اعتذر عن عدم قدرته على تحمل نفقات نقل وتغليف وتوزيع الشحنة إلى المستفيدين بكل محافظات اليمن، وهو مبلغ كبير لم يستطع البرنامج توفيره نظراً لانخفاض التمويلات بشكل عام.

وتؤكد الأمم المتحدة أن اليمن لا يزال من أكثر الدول انعداماً للأمن الغذائي على المستوى العالمي والسبب الرئيسي في ذلك يعود لتأثير الصراع الدائر في البلاد والتدهور الاقتصادي.

يذكر الباحث الاقتصادي رشيد الحداد لـ"العربي الجديد"، ما تمت الإشارة إليه سابقاً بخصوص الفوضى التي تجتاح ملف المساعدات الإنسانية في اليمن وتحولها إلى نافذة للتربح والتكسب من خلالها، لافتاً إلى ما يجري من ربط اليمنيين بالمساعدات الإنسانية وتقديم مبالغ ضخمة دون أن يكون لها أثر ملموس بالنظر إلى استمرار المعاناة وتوسع رقعة الجوع في البلاد.

ويتلقى حالياً نحو 13.1 مليون شخص في جميع أنحاء اليمن حصصاً غذائية عبر برنامج المساعدات الغذائية العامة لبرنامج الأغذية العالمي، وتُعادل هذه الحصة حوالي 40% من مكونات السلة الغذائية القياسية.

ويقول البنك الدولي إن المساعدات الدولية تلعب دوراً متزايد الأهمية في الاقتصاد السياسي لليمن الذي يشهد منذ عام 2015 واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، ووضع بجانب البلدان الهشة والمتأثرة بالصراعات كأفغانستان والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان وسورية.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية