ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

تفكيك اليمن عبر مؤتمر الحوار
الحلف الشيطاني الذي دمر اليمن حتى الآن لازال اليمنيون بمن فيهم النخب، غير ملمين بكيف تدمرت الدولة اليمنية، ومن كان المتسبب في ذلك. وحين نقول المتسبب فأننا نقصد به من خطط بشكل واعي لتفكيك الدولة، ومن نفذ الخطوات الرئيسية وأهمها تسليم العاصمة صنعاء للحوثيين. فالخطاب العام السائد ليس إلا سرديات مصاغة بإحكام من قبل القوى السياسية التي شاركت بالتدمير، وهي سرديات متحركة، حيث أن هذا الطرف أو ذاك يقوم بتعديلها حسب ما تقتضيه مصلحته. فعلى سبيل المثال حزب الإصلاح وعلى إثر تسليم هادي صنعاء للحوثيين، نشر بشكل غير مباشر حقائق عن خيانة هادي ووزير دفاعة محمد ناصر، وتحالفه مع الحوثيين. وقد تولى الصحفي محمد جميح والدكتور مروان الغفوري نشر المعلومات التي سلمها لهم الإصلاح، والتي أوضحت بتفاصيل كثيرة طبيعة تآمر هادي ووزير دفاعه قبل وأثناء إدخال الحوثيين إلى صنعاء.
ولكن، حزب الإصلاح غير من سرديته، فقام بتبرئة هادي من جريمته والصاقها بعفاش، وقد تم ذلك في سياق السلوك الانتهازي النمطي لحزب الإصلاح، والذي لا يستطيع العيش إلا في حضن سلطة، ناهيك عن الخروج إلى صف المعارضة.
من جهته؛ لم يكن بمقدور عفاش إنكار تهمة التحالف مع الحوثيين، لأنه كان يدرك بأنه الهدف التالي المتفق عليه بين هادي والحوثيين بعد أن ضربوا حزب الإصلاح وحلفائه. ولهذا صمت عفاش عن رد تلك التهمة، وحاول استثمارها لدى أنصاره والعالم الخارجي للظهور بمظهر الشخص الذي أدخل الحوثيين صنعاء، والذي هو قادر على إخراجهم.
وبحكم أن هذا الموضوع معقد ويحتاج إلى تفاصيل كثيرة، وهو ما أنا بصدد عمله في كتاب بعنوان (كيف تفككت الدولة اليمنية؟) فساشير في عجالة إلى عناصر حلف تفكيك اليمن في ذلك الوقت والذي كان يتشكل من: الرئيس هادي، والحوثيين، والقوى اليسارية، وتحديدا الحزب الاشتراكي، والانفصاليين، والمناطقيين، وسيئ الذكر جمال بن عمر. وفي هذه المقالة ساكتفي بإعادة نشر لمقالة بعنوان "تفكيك اليمن عبر مؤتمر الحوار" نشرتها في نوفمبر 2013، في صحيفة المصدر على هذا الرابط.https://almasdaronline.com/articles/106739 أشرت فيها لارهاصات تشكل ذلك الحلف قبل ما يقرب العام من تسليم صنعاء للحوثيين. وللأمانة فإن خيالي لم يصل إلى حد تصور ما حدث لليمن من تفكيك ودمار، حيث أني لم أكن في حينها أعتقد بأن النخبة السياسية والفكرية في اليمن بهذه الدرجة من السوء والردائة لتدمر بلدها وتسلمها للأجانب وتجار الحروب وتجار السلام ليعبثوا بها.
تفكيك اليمن عبر مؤتمر الحوار
عبدالناصر المودع
١٣ نوفمبر ٢٠١٣
على عكس ما كان يؤمل اليمنيون من مؤتمر الحوار، فقد تحول هذا المؤتمر إلى وسيلة لتفكيك الدولة اليمنية بحجة صياغة عقد اجتماعي جديد، وتفكيك بنية السلطة المتخلفة، وإنهاء احتكار "المركز المقدس" للسلطة والثروة في اليمن. ويتم هذا التفكيك على يد فريق غير متجانس سياسيا وفكريا، إلا أنه متحالف مرحليا وضمنيا، ضد ما يمكن تسميته بنظام ما قبل 2011. وهو النظام الذي شكل، ولا يزال يشكل، خصما موضوعيا وذاتيا لمكونات هذا الفريق.
ويشمل فريق التفكيك قوى من أقصى اليمين المتخلف المتمثل بالحركة الحوثية، وقوى من أقصى اليسار من ذوي الخلفيات الماركسية، وبين هؤلاء وأولئك، لفيف ممن يعتبرون أنفسهم ليبراليين وعلمانيين. غير أن رأس الحربة لهذا الفريق هو الحزب الاشتراكي بأجندته الجنوبية؛ وهو الحزب الذي يمنح خطة التفكيك غطاءها الفكري ومبرراتها الأخلاقية والشرعية. ويستند هذا الفريق على الجنوبيين في سلطة ما بعد 2011، فيما يتولي جمال بن عمر ترجمة رغباته بخطوات وبرامج عبر مؤتمر الحوار.
استثمر فريق التفكيك اللحظة التاريخية التي أفرزتها ثورة، أو انتفاضة، أو أزمة 2011، التي أدت إلى انهيار وتصارع الطبقة الحاكمة التي كانت تحكم اليمن قبل هذا التاريخ، ووصول أشخاص وجماعات للحكم من خارج هذه الطبقة وبنياتها الاجتماعية والجغرافية. وكان المدخل الشرعي لتنفيذ خطة التفكيك هو مؤتمر الحوار الوطني، الذي تم هندسته ليتولى تنفيذ خطة التفكيك تحت حجة الإصلاح والتغيير. وهي الهندسة التي تمت من قبل السلطة الحالية، والحزب الاشتراكي، والقوى الراغبة في الإصلاح والتحديث والتي شاركت في الهندسة، بحسن نية في الغالب. وقد استخدم مهندسو مؤتمر الحوار قوى التمرد الحوثي، والحركة الانفصالية، كأدوات للضغط والتخويف، لتمرير خطة التفكيك. وتم ذلك، عبر منح هذه القوى أدوارا مهمة داخل مؤتمر الحوار؛ بما في ذلك حق النقض والتعطيل لكل أعمال المؤتمر ومخرجاته. وبالتوازي مع ذلك؛ مُنح الحوثيون والانفصاليون المزيد من حرية الحركة داخل مناطقهم التقليدية، وفي بقية أنحاء اليمن، من أجل تضخيم حجمهم، ومن ثم ابتزاز الطبقة السياسية، والمجتمع اليمني بشكل عام للقبول بمشاريع التفكيك تحت عناوين الإصلاح والتغيير.
وعناوين التفكيك تشتمل قضايا عدة من أهمها: الفيدرالية، وتحديدا الفيدرالية من إقليمين، والمناصفة الشمالية الجنوبية، والمرحلة التأسيسية، وتقاسم الثروة، وهيكلة المؤسسات العسكرية والأمنية. وجميع تلك القضايا تؤدي مجتمعة أو منفردة إلى تفكيك الدولة اليمنية.
ويتم الترويج لهذه القضايا بكونها تصب في اتجاه تفكيك نظام ما قبل 2011، وهي الحجة التي يتم استخدامها لإقناع القوى الراغبة في الإصلاح وإنهاء هذا النظام. وفي هذا الصدد، يتم الحديث عن أن الإصلاح لن يتم إلا بإنهاء الدولة المركزية، وتصعيد أشخاص وقوى من خارج منطقة "المركز المقدس"، لمفاصل الدولة الحيوية، وتمديد المرحلة الحالية دون انتخابات، أو غطاء دستوري.
وإن كان من المسلم به لدى الكثيرين بضرورة تفكيك وإضعاف سلطة ما قبل 2011، لتخلفها، وعنصريتها، ومنهجها الاقصائي/ الاستحواذي، إلا أن هناك فرقا بين تفكيك تلك السلطة، وتفكيك الدولة اليمنية الذي يتم عبر مؤتمر الحوار. فخطر بقاء تلك السلطة، أو التصالح معها، هو أقل بكثير من خطر تفكيك الدولة. فتفكيك الدولة لن يستفيد منه أحد بما في ذلك القوى الانفصالية والمتمردة، وسيكون المستفيد الوحيد من ذلك: القاعدة وأمراء الحرب، وتجارها والعصابات الإجرامية.
كان من الممكن أن يحمل مشروع تفكيك سلطة ما قبل 2011، قيمة أخلاقية، وشرعية سياسية؛ لو أنه تم لصالح مشروع الدولة اليمنية بما تعنيه، من ديمقراطية، وحداثة، والتي تقوم على المساواة، وسيادة القانون، غير أن مشروع التفكيك الجاري في مؤتمر الحوار، يتم -بشكل واعٍ أو غير واعٍ- لصالح مشروع عائلي جديد، وسلطة مشخصنة، ومشاريع صغيرة انفصالية وطائفية. فالمتأمل لما يتم التخطيط له عبر مؤتمر الحوار يجد أن المستفيدين من مخرجاته هم: الانفصاليون والحوثيون، والممسكون بالسلطة الحالية، الذين يرغبون بأن يؤبدوا فيها، عبر ما يسمى بالمرحلة التأسيسية. وهي المرحلة التي يراد لها أن تتم بمعزل عن أي تفويض شعبي، أو شرعية دستورية حقيقية. وأخطر ما يُخطط لسلطة هذه المرحلة؛ ضم انفصاليون، وحوثيون إليها، لتصبح هذه السلطة الصيغة المثلى لتدمير ما تبقى من الدولة اليمنية.
هناك من يشارك ضمن فريق التفكيك بحسن نية، ولأهداف نبيلة تنشد الإصلاح والتحديث، ومن بين هؤلاء من ينتمي للحزب الاشتراكي، غير أن المشكلة أنهم يُستخدمون من قبل قوى أكثر خبثا، وبلادة من نظام صالح.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.