بعد ظهوره في جبهتي لحج والضالع.. ما هي الرسالة التي أرادت مليشيا الحوثي إيصالها من جولة "المشاط"؟
ظهر القيادي في ميليشيا الحوثي ورئيس ما يعرف بالمجلس السياسي التابع لها مهدي المشاط، مؤخراً في جبهات محافظتي لحج والضالع (جنوب البلاد)، في رسالة تهديد تأتي في ظل انقسام داخل مجلس القيادة الرئاسي والذي غادر جميع أعضائه عدن بفعل التدهور الأمني، وانشغال المجلس الانتقالي بالتحشيد للسيطرة على محافظة حضرموت.
وتأتي زيارة المشاط تلك كرسالة تهديد من قبل المليشيا عقب إفشالها الجهود الأممية والدولية الرامية لتجديد الهدنة في البلاد. وبالتزامن مع تصعيد في خطابها وتهديدات بإعادة الحرب، أطلقها قيادات في الميليشيا من بينهم محمد علي الحوثي، الذي قال إنه "لا يمكن أن نعيش حالة اللاسلم واللاحرب"، وذلك بعد إعلان المشاط، جاهزية قواتهم في حال تجدّد القتال، واصفاً التهدئة القائمة بعد انقضاء الهدنة بالـ"هشة".
وحشدت المليشيا قبل يومين أنصارها في تظاهرات بصنعاء ومدن أخرى أطلقوا عليها "مسيرات الحصار حرب"، ودعا بيان التظاهرات إلى "التعبئة الشاملة والاستنفار نحو الجبهات وإسنادها بالرجال والمال حتى يتحقق النصر".
لماذا قد نشهد حرباً؟
ترى الميليشيا في فترة التهدئة "الهدنة غير المعلنة" والتي تلت هدنة الستة أشهر المنتهية مطلع أكتوبر، أمراً مقلقاً تسعى للخلاص منه هروباً من الاحتقان الشعبي المتصاعد وارتفاع أصوات المواطنين في مناطق سيطرتها للمطالبة بتوفير الخدمات والرواتب وتحسين الأوضاع الاقتصادية، وهي التي كانت الميليشيا تتنصل منها بحجة "الحرب والحصار". ومع عجزها عن خفض منسوب الاحتقان، يكون خيار الحرب مناسباً لها، قد تهرب نحوه لاستعادة مبرراتها القديمة لإسكات الشارع والذي ارتفع صوته للمرة الأولى متحدياً سطوة الميليشيا وعنفها اللامحدود.
إضافة إلى ذلك، فإن الانقسام الحاد داخل مجلس القيادة الرئاسي، المكون من أطراف مختلفة يجمعها الموقف المناوئ للميليشيا، وانعدام رغبته في خوض أي حرب في الوضع الحالي، وفشله في تحقيق أي خطوة في اتفاق الرياض أو إعلان نقل السلطة من شأنها رأب الصدوع الداخلية وتوحيد الجيش والأمن وتأمين العاصمة المؤقتة عدن. وأيضا عدم رغبة التحالف الذي تقوده السعودية في الدخول بدورة عنف جديدة، قد يكونا مغريين للميليشيا لتحرك عسكري وإن بشكل محدود للضغط من أجل تحقيق الاشتراطات التي تضعها في طاولة الوسطاء الدوليين.
لماذا جنوباً؟
إذا ما قررت الميليشيا إنعاش الحرب فإن احتمال أن تتوجه جنوباً هو الأرجح، فهي تسعى لتحقيق ضربة سريعة وقوية ومؤلمة تجبر الطرف الآخر على استجداء التهدئة من جديد بأي ثمن، ولن تكون هناك ضربة أقوى من أن يكون التحرك نحو عاصمة مجلس القيادة الرئاسي، ولعل هذه الرسالة هي ما أراد الحوثيون إيصاله من خلال الصورة التي نشرت لزيارة المشاط الأخيرة من على ظهر جبل يشرف من بعيد على قاعدة العند الجوية في لحج، وهي ثاني أكبر قاعدة عسكرية في البلاد، وحائط الصد الأهم لعدن.
كما أن الميليشيا لن تفضل بالطبع تكرار سيناريو مارب، حيث حاولت على مدى عامين اختراق الجبهة الصلبة وفشلت، وتكبدت خسائر فادحة في الأفراد والعتاد، كما أنها تعرف حساسية مارب بالنسبة للجانب السعودي وقد كانت مقاتلاته أبرز موانع تقدمهم نحو المدينة سابقاً، والأرجح أنها لن تخاطر بإغضاب المملكة حالياً فيما تجري بين الجانبين مفاوضات في مسقط.
وبالتوجه غرباً فإن وضع جبهات الساحل أيضاً لا يقل حساسية نظراً لقربها من ممرات التجارة الدولية والطاقة على وجه الخصوص، وتلك مسألة حساسة للمجتمع الدولي لاسيما في هذا التوقيت، ما يجعل إشعال حرب في تلك المنطقة أمراً مستبعداً على الأقل في هذه الفترة.
في المقابل يبدو المجلس الانتقالي الجنوبي المعني بدرجة رئيسية بتلك الجبهات غير مكترث لتلك التحركات، وجهوده منصبة حالياً نحو تعزيز تحركاته في وادي وصحراء محافظة حضرموت، والتي يسعى للسيطرة عليها ومواصلة التقدم شرقاً لتحقيق مشروعه الداعي لانفصال جنوب البلاد.
كل تلك المعطيات تجعل من جبهات ومناطق محافظتي الضالع ولحج الشاسعة وضعيفة الدفاعات هدفاً مثالياً لعملية عسكرية للحوثيين، ولعل المتابع لما شهدته أخيراً محافظتا لحج وأبين من عمليات استهداف للقوات هناك أوقعت قتلى وجرحى، وآخرها ما حدث قبل يومين، لا يستبعد أن تكون تلك عمليات حوثية نفذتها الميليشيا تمهيداً لعمل عسكري كبير، خصوصاً وأن تلك العمليات تنسب لمتطرفين ظهر التخادم بينهم وبين الميليشيا في السنوات الأخيرة.
التعليقات