ما الذي يحمله هذه المرَّة وفد الوساطة العُماني لكسر حالة الجمود في الوضع السياسي، وبعد التصعيد  الأخير الذي حملته خطابات وتصريحات قادة حوثيين بارزين، هددوا فيها باستئناف العمليات العسكرية ضد أهداف اقتصادية وعسكرية سعودية؟!

منذ انتهت الهدنة الثالثة، مطلع أكتوبر الماضي، راوحت الحالة مكانها، فلا عمليات عسكرية، ولا حلحلة للوضع السياسي، وحل مرحَّلات الملف الإنساني؛ مثل: فتح الطرقات، وإطلاق المحتجزين، ورفع الحصار على المدن، وصرف المرتبات.

التصعيد في الشمال قابله تصعيد في الجنوب، بمحاصرة مكتب رئيس الحكومة في معاشيق من قِبل عناصر تتبع ألوية العمالقة، التي يقودها عضو مجلس القيادة الرئاسي أبو زرعة المحرمي، الذي يشغل في الوقت ذاته، موقع نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب بالانفصال؛ بين التصعيدين تتكشف أكثر حالة الشرعية، التي تتنازعها أطراف وقوى متناقضة، عمل على استنباتها في جسمها الرخو دولتا التحالف (الإمارات والسعودية)، اللتان صارتا تديران البلاد المفككة عبر أدواتهما، التي تستنفع من هذه الحالة، وتحاول إعادة إنتاج دورات الصراع الطويل في تاريخ اليمن، التي خلقت هذه الحالة المشوّهة، التي لا يمكن معالجتها بالترقيعات والتطمينات.

الحالة العامة اليوم تقول "لا انفراج قريب على الصعيدين (السياسي والإنساني) يدفع الجميع إلى إنجاز استحقاق وطني كبير يخرج اليمنيين من هذا الوضع البائس الذي أنتجته أطراف الصراع، وبرغبة من الفاعلين الإقليميين والدوليين".

وفد الوساطة العُماني أشبه بمطفئ حرائق مؤقت للاحتقانات الحوثية (الإيرانية) - السعودية، التي قد تقود إلى إنتاج واقع جديد لا ترغب به السلطنة، وسيشير صراحة إلى فشلها في تسيير ملف المفاوضات بين الطرفين منذ سنوات طويلة.

تريد إيران انتزاع مكاسب سياسية واقتصادية جديدة من السعودية، التي ترغب هي الأخرى في استدامة هذا الوضع الضبابي، الذي يعفيها من استحقاقات كبيرة لمرحلة ما بعد الحرب، لكنها لا تستطيع طرحها عبر قنوات الدبلوماسية، وعبر مسارات التفاوض التي ترعاها الصين، فتستخدم بدلاً عن ذلك الحوثيين في طرحها بطُرق ابتزازية واضحة، فيُسارع الوسيط إلى حمل حقائبه وملفاته إلى صنعاء.

التطمينات، التي تحملها التسريبات مع كل زيارة، لم يعد يثق بها اليمنيون؛ لأنها لا تمسُّ وضعهم، ولا تسعى لإخراجهم من هذه الحالة المضنية، التي تشترك جميع الأطراف في صنعها.

ينتظر اليمنيون مع كل زيارة انفراجة في الوضع الإنساني، فيتفاجأون أن حصار المدن وقطع الطرقات صار ضمن الملف العسكري المرحَّل إلى جولات لاحقة، وإن صرف المرتبات المنقطعة، منذ سنوات، استحقاق ليست معنية به سلطة الأمر الواقع، التي تحكم وتجتبي الأموال من البر والبحر بشتى الطرق، بل ترمي به على غيرها، وإن المعتقلين والمخفيين قسراً من المدنيين والناشطين، الذين اعتقلوا في النقاط والمداهمات، يصيرون -حسب مفاهيمها- عسكريين وأكلاف مبادلاتهم لن تكون هيّنة.

إغلاق الفضاء العام لليمنيين، وفرض تعليم طائفي موازٍ موفّر له كل الإمكانيات، وتدمير التعليم النِّظامي، والمحاولات المستميتة لتطبيع المجتمع بخطاب ديني طائفي، وإدارة الحياة اليومية للمجتمع بقبضة أمنية قاسية (سلطة المشرفين)، والتنكيل بالنساء والفئات الضعيفة (الأقليات)، كل هذ خارج أجندة وفد الوساطة بكل تأكيد؛ لأن مهمته واضحة (التهدئة).

تشترك إيران والسعودية والإمارات وأدواتهما في تدمير حياة اليمنيين وإفقارهم، وتبديد سلمهم الأهلي وتعايشهم، وتفكيك ترابهم لصالح مشاريع انعزالية خُطط لها بعناية، تنفذها اليوم وبكل اقتدار سلطات الأمر الواقع شمالاً وجنوباً.