المسلمون والتراث [1]
يعرف البعض التراث بأنه: مجموعة عطاءات الآباء والأجداد على المستوى الروحي والمادي عبر تفاعلهم مع الدين وضمن خضوعهم لقيود الزمان والمكان اللذين تم الإنجاز فيهما.
ويقول الباحثون أن الوحيين الكتاب والسنة لا يعدان من التراث لأنهما ليسا من منتجات الآباء والأجداد وليسا أيضا من معطيات التاريخ, ونتعامل مع الكتاب والسنة تعاملا يختلف عن تعاملنا مع التراث, إذ واجب علينا أن نمتثل ما فيهما من أوامر, ونجتنب ما فيهما من منهيات, ونجتهد فيما إستجد من المشكلات لم ينصا عليها وفق أصول وضوابط معروفة.
و عندما نحكم على التراث نحكم عليه من خلال المعايير والمقاييس التي نحكم بها على الواقع وتتمحور هذه المعايير في السلطة التقويمية الربانية المحفوظة عن التغيير والتبديل وهما الكتاب والسنة إضافة إلى ذلك ما تراكم لدينا من خبرات حضارية سابقة.
و ما عاشه الصحابة والتابعون على أنه واقع عشناه على أنه تراث وما نعيشه الآن على أنه واقع سيعيشه الأجيال القادمة على أنه تراث وكما أننا في حكمنا على تراث الصحابة والتابعين لا ننظر إليه نظرة تقديس فينبغي على الأجيال القادمة ألا تنظر إلى تراثنا نظرة تصويب مطلق أيضا.
ومن النعم الجليلة التي من الله بها على الإسلام وأهله أن جعل المسلمون يحكمون على تراثهم من خلال منطلقات ثابتة ومبادئ لا تتغير ولا تتبدل فنحن إذ نحرم الزنا والسرقة والبغي لا نحرمه من منطلق تراكم الخبرات ولا من تطور النظم بل من واقع مبادئ ثابتة ومنطلقات صلبة وليست تشريعاتنا ناجمة عن ظروف مؤقتة بل ما حرمه ديننا يظل محرما وما أحله الله يظل حلالا وهذا يعني أن هناك إنفصالا بين الوحي والتراث وهذا يجعلنا نحكم على التراث من واقع وحينا الذي يتمثل في الكتاب والسنة, وهذا يجعلنا قادرين على إستشراف المستقبل ويؤمننا من تكرار الأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة ويجعلنا نعيش في وضعية حضارية رائدة وهي إلزامية الوحي والتخير من التراث وهذا ينتج حضارة تجمع بين ضلوعها تنوعا لا حدود له.
وهذا يعني ثراء حضاريا دون أن نتجه بالبشرية نحو الهاوية كما تفعل الحضارة المادية اليوم, وهذا لا يعني أن هويتنا الثقافية مستمدة من التراث وحده كما أن الإعتزاز بالشعور بتلك الهوية لا تأتي من خلال العودة إلى التراث بل إن هويتنا الثقافية والعقدية مستمدة من المنهج الرباني و التشريع الإلهي والمتمثل في الوحيين الكتاب والسنة, والتراث يمدنا بإثراء المنظومات العقلية والشعورية بالأخلاق الحميدة والصفات الحسنة.
وهكذا نعتمد في حياتنا الركون إلى المنهج الرباني ونتخير ما استسغناه من التراث وهذا هو السر في قدرة هذه الأمة على التجديد.
فكلما تراكمت التقاليد والأعراف المخالفة للشرع مؤدية إلى دفن جذوة التوحيد تجلى ألق وبريق المنهج الرباني الذي من الله به علينا.
وتشهد الأمة المحمدية اليوم عودة صادقة إلى التراث تمثلا وإقتداء وإستنباطا وتلك إحدى ثمرات اليقظة الإسلامية وتمثل رغبة أكيدة في التعرف على الذات الإسلامية والهوية الحقيقية للمسلم الكامل و معرفة ما كان عليه سلف الأمة من الكمال الإنساني والألق الحضاري وتمثل هذا التراث العريق لسلف الأمة وإستقرائه والاستلهام منه للتحصن ضد الهجمة الشرسة التي منيت بها ثقافتنا الإسلامية وهويتنا العقدية والفكرية من قبل رجال التحرر وقادة ومناصري حركة التغريب.
و تمثل العودة إلى التراث إحتجاجا على تفكك منظومات القيم وإنهيار الثقافات المجتمعية فعندما لاحظ المسلم في القرن العشرين إنهيار ثقافته والمحاولات الحثيثة والجاهدة لسلخ الأمة عن تراثها وماضيها خيره وشره تمسك بالعودة إلى التراث وتوظيفه لمعالجة القضايا المستجدة وأخذ العبرة والعظة منه وإستلهام المعاني الراقية والسامية من بعض المحطات التاريخية التي يتضمنها التراث.
و عندما يحاول الغرب و رجال حركة التغريب و دعاة التحرر إبعاد الأمة عن تراثها ليس بغرض الحداثةوالتنوير والمواكبة
وإنما محاولة منهم لجعل المسلم ضيفا على فتات موائدهم في حين أنهم لا يرون فيه أية أهلية للإقتداء بهم او الإستقاء من معارفهم.
التعليقات