خرافة الولاية وادعاءات الحوثيين
الإنسان أولا[1]

لو رجعنا إلى نصوص  الوحيين الكتاب والسنة لوجدنا أنها تحفل وتعج بالأدلة الكثيرة التي تدل على مكانة الإنسان وعظم تكريم الله له وأن إرادة الله النافذة شاءت أن يكون عليه مدار مركزية الكون وأنه مخلوق مكرم كل ما في الكون من حيوان ونبات وجماد يصب في صالحه ومسخر لخدمته.

 وقد دلت آيات كثيرة على تكريم وتعظيم الخالق سبحانه وتعالى  لهذا الإنسان حيث قال الحق تبارك وتعالى في محكم تنزيله- ((ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطبيات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيلا)) وقال في موضع آخر من كتابه الكريم  ((لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم)) وقال أيضا في موضع ثالث من كتابه العزيز ((وسخر لكم مافي السماوات وما في الارض جمعيا منه إن في ذلك  لآيات لقوم يتفكرون))  وقال أيضا جل ثناؤه وعز جاره  وتقدست اسماؤه في موضع آخر من كتابه الكريم(( يأيها الانسان ماغرك بربك الكريم- الذي خلقك فسواك فعدلك - في أي صورة ما شاء ركبك )).

 ولذا نجد أن إهتمام الرسل عليهم الصلاة والسلام كان منصبا على الإنسان  تزكية وتربية وتهذيبا وتقويما وقد وردت آيات  كثيرة في خضم هذا السياق  تدل على أهمية التزكية وعظم أثرها في بناء الإنسان حيث جاءت التزكية  في التعبير القرآني مقدمة على العلم و سابقة له , قال سبحانه وتعالى  في كتابه الكريم((كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم  ويعلمكم  الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)) فكانت التزكية حاضرة قبل العلم ومقدمة عليه و ماذلك إلا لأهمية  التزكية والتربية والتهذيب في ميزان الدين الإسلامي الحنيف والشريعة الغراء.

ومن وجه آخر فإن صلاح الانسان يترتب عليه صلاح في تعامله مع بقية المخلوقات وإن فساد الإنسان يعقبه فساد في تعامله مع بقية  المخلوقات أيضا وقد عبر الله عن هذا المعنى في كتابه الكريم بقوله((ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون)). 

 وكذلك فإن الانسان المصلح يترك أثرا جليا في جميع نواحي  الحياة ويجعلها متلاءمة ومتكيفة في وحدة ضمن الإلتزام بالتعاليم  الربانية  والتوجيهات النبوية والحكمة التي من أجلها خلق الله الخلق وبراهم.

 ومن ثم فإن السمة العظمى للحضارة الإسلامية لم تكن كثافة  
الانتاج المادي -على كثرته- وإنما كانت التجسيد والتبني الكامل  لعقيدة التوحيد والقيم والمبادئ والثوابت والأخلاق التي دعت إليها الشريعه الغراء والإنسجام والتجاوب مع النزعة  الإنسانية  الأصيلة نحو محبة  المخلوق والرفق به والإحسان إليه وحب الهداية له.

 وإذا كان بناء الإنسان هو قائم النهوض الحضاري كذلك فالخلل في بناء الإنسان  أدى الى النكوص الحضاري الذي نعاني منه _ في وقتنا الراهن- وعندما بدأ الناس يشعرون بالتقهقر  في مختلف جوانب الحياة كانت الحضارة الإسلامية تعطي  عطاء حسنا ونتاجا زاهيا نتيجه لقوة الإندفاع الأولى. 

وللأسف فإن مؤرخو الإسلام لم يقوموا إلى الآن بعمل تاريخ مفصل يهتم بدراسة الأسباب والحيثيات التي أصابت الإنسان المسلم بالعطل والنقص والتغيرات البطيئة التي  تعاقبت عليه مما جعل جذوة التلاءم مع التعاليم الإلهية تخبو شئيا فشيئا وبدأ الإنسان المسلم يفقد إنتفاعه بالدين وسيطرته بذلك على شئون الحياة.
 
 لا ريب أنه قد بذلت جهود كثيرة  لمعرفة  طبيعة الإنسان ودوافعه وتطلعاته والعوامل التي أدت إلى  تكوين اللاوعي لديه -خصوصا في القرنين الأخيرين- وقد خرجت هذه المحاولات بنتائج جيدة ,لكن  المشكلة الأساسية تكمن في أن كل  عالم وكل صاحب تخصص ينظر إلى طبيعة  الإنسان من وجهة  نظر تخصصه فمثلا الأطباء والمهندسون والمحاسبون وعلماء الإجتماع  وخبراء الإقتصاد يستغرقون في تخصصاتهم إستغراقا رأسيا وهذا التعمق يحجب عليهم رؤية بقية  الجوانب الأخرى والباحث الذي يقوم بدراسة  جميع جوانب الإنسان  يظل غير قادر على تجاوز السطح والقشرة الخارجية  لجميع ما يدرسه حيث يكون الكم على حساب الكيف.

 ولو فرضنا قيام جماعات من الباحثين بذلك لأدى الإختلاف في وجهات النظر لديهم إلى تمييع كثير من النتائج التي يصلون إليها وتضادها وتناقضها في بعض الأحيان. 

وهذا من ناحيته أدى إلى صعوبة تكوين إطار لرؤية شاملة تتضمن جميع حاجات الإنسان وطبيعته ودوافعه ومعرفة تفاصيل علاقاته.

وإذا كان وزن أي رأي مستمدا من أهمية العمليات التي أدت إليه والواقع الذي صنعه, وصحة ومصداقية المعلومات التي استند عليها فعلم النفس وطبيعة الإنسان مصابا بعاهة لا شفاء منها حيث أن مجموع المعلومات والأسس والدعائم التي بنى الإنسان تصوره عن نفسه عليها لا ترقى لدرجة الموثوقية وإنما يغلب عليها الحدس والتخمين , ويستوي في ذلك علم النفس والطب والإجتماع والإقتصاد , والملاحظ في هذه العلوم يجد كما هائلا و وفرة في النظريات والفرضيات المتناسخة والمتعارضة والمتناقضة مما يجعل الإنسان دائما يقف على أرضية  هشة و مضطربة.

إن شخص الإنسان شبكة معقدة من الموروثات النفسية والعقدية والإجتماعية والخطوط الغائرة التي حفرت في نفسيته خلال سنوات العمر الأولى , والتعليم الذي تلقاه من الأبوين والمدرسة والأصدقاء والثقافة العامة المنتشرة في بيئته,  والظروف التي تكتنفه ,ومتغيرات أخرى.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.