نحو مجتمع متحضر (3)
ومتابعة للموضوع السابق الذي يتحدث حول البناء الاجتماعي فإن حديثنا في هذا الجزء سيتمحور حول الترابط الإجتماعي حيث يطلب المجتمع من أفراده التمسك بقيود معينة ومقابل ذلك يقوم بإشباع حاجات عديدة لأفراده لا يمكن لهم إشباعها من غيره وبقدر الفروض والقيود التي يمارسها المجتمع على أفراده فإنه يقوم بإشباع حاجاتهم وإسترضاءهم وتلبية متطلباتهم وهذا شيء متحتم كونه-أي المجتمع- يمثل الجماعة التي يفتخرون ويعتزون بالإنتساب إليها.
وحين نطالع التعليمات الإسلامية حول هذا الشأن نجد توسطا دقيقا جدا حيث أمر الحق تبارك وتعالى عبر تعاليم الاسلام بالإمتثال والإنسجام مع أعراف وتقاليد المجتمع التي لا تمثل خروجا عن المعتقدات الإسلامية التي على المجتمع كله الرضوخ لها , وحث المجتمع على التعاطف مع أبنائه وتلبيه إحتياجاتهم وإشباع رغباتهم.
ونجد من التشريعات والنظم والقوانين والمعايير في جانب حنو الجماعة على الفرد إيجابيات كثيرة وميزات عديدة منها أن الشرع الاسلامي حث المجتمع على إفساح المجال لكل فرد فيه للريادة والصدارة والأفضلية بقدر ما يتمتع به من صلاح وأهلية وثقة وأمانة ونزاهة بغض النظر عن نسبه أو شكله أو جنسه أو لونه أو مكانته أو قبيلته وتأتي الآية الشريفة كدلالة حقيقية وظاهرة على ذلك حيث قال المنان سبحانه وتعالى -إن اكرمكم عند الله أتقاكم-فالصديق أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه تولى الخلافة بعد النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بالرغم من أن تيم أذل وأدنى فخذ في قريش حتى أن عثمان أبو قحافه رضي الله عنه عندما سمع خبر تولية الصديق رضي الله عنه وأرضاه بالخلافه تعجب واجما ثم قال : لله في خلقه شئون كما أن النبي عليه الصلاة والسلام ولى أسامه بن زيد إمارة جيش فيه أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كما هو معلوم في التواريخ والسير.
ومن الميزات أيضا أن المجتمع الاسلامي يؤمن للمسلم الشعور بالإنتماء ويبعد عنه الشعور بالغربة حيث فرض وشرع إلقاء السلام فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يلقي السلام على الاطفال وشرع أيضا عيادة المريض وتعزية المصاب ونصرة المظلوم وكف الظالم وإغاثة الملهوف وإكرام الضيف وإسداء النصيحة وتوجيه المخطئ وتشجيع الأفراد على عمل الخير وغير ذلك مما يشعر معه الفرد بقيمته وأهميته في المجتمع ويحس أنه عضو فاعل فيه وأنه أعطاه مايستحقه من الرعاية والعناية والاهتمام.
كما أن المجتمع الإسلامي لا يغفل الحالة المادية التي عليها أفراده فقد تضمن التشريع الاسلامي بشقيه الكتاب والسنة ما يقر ويعطي فرصة للفرد بأن يعيش في رفاهية وثراء حيث أتاح له حلية الصدقات والكفارات والنذور والقرض الحسن وساعده من خلال جواز الاقتطاع من بيت مال المسلمين بقدر يستطيع المسلم أن يؤمن به الكفاية من السكن والمعيشة على نحو يراه الحاكم المسلم مناسبا ويجب على المجتمع المسلم أن يلتزم وينضبط بهذه التعليمات والتوجيهات والأوامر حتى يعيش أفراده في ظلها في رفاهية وعيش كريم ويشعر ويحس معها الفرد بالطمأنينة والتكافل الاجتماعي والامان الذاتي والتضامن الأخوي.
أما حقوق الفرد على المجتمع فتتمثل في محاولة الفرد التناغم والتلاءم مع مبادئه العليا وأعرافه وتقاليده وآدابه ليس ذلك فحسب وإنما دعوة الآخرين إلى تمثلها والالتزام بها والانضباط بمحتواها واعتماد أوامرها وحمايتها وصيانتها والذود والذب عنها ومن حقوق الفرد على المجتمع أيضاً المبادرة والمبادأة الكريمة والخيرة في بناء لبنات عزه وعلوه والتطوع النبيل لمساعدة ابنائه في حل مشكلاتهم المعنوية والمادية على حد سواء ومن تلك الحقوق أيضاً تأدية الحقوق التي يفرضها العيش في مجتمع ما من بذل المعروف ومساعدة المحتاج وكفالة اليتيم والإحسان الى الجار وإكرام الضيف والدفاع عن الوطن الذي يعيش فيه ودرء العدوان عنه والحفاظ على سمعته بين الامم ومن ذلك المحافظه على حيوية المجتمع وجعله يسير في الاتجاه الصحيح من خلال مبدأ الدعوة إلى الله والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحسبة والاقتصاد في النفقات والحفاظ على مكتسباته ومقدراته وثرواته واستغلالها في تنميتها وصيانتها.
وهناك مقوله شهيرة تجسد الترابط الاجتماعي فتقول بلسان حال الفرد ﴿أنا لمجتمعي ومجتمعي لي ﴾ ومالم يحصل ذلك فسيتحول المجتمع إلى حشد أو سرب من الأجساد التي لايربط بينها الا روابط بسيطة و تافهة وهشة سهلة الحصول ,حينئذ لا يكون هناك أحد من أفراده رابح ولا ناجَ.
التعليقات