تعز والإصلاح بين الحرب  والسياسة

في كتاباتهم عن  الإصلاح والحرب   ينطلق البعض من أرضية يفترضون أنها صالحة للحكم على الاصلاح ومسائلته كحزب  ضمن بيئةومناخات سياسية  طبيعية    

 لا نرى الإصلاح كحزب في  كثير    مما يطرح   بل مجرد  جماعة دينية  ومليشيا مسلحة  مايعني اسقاط تاريخ طويل من الممارسة الحزبية  كان فيها الإصلاح  شريكا  حقيقيا لقوى اليسار واليمين وغيرهما ولم تكن  "شراكته صورية" مطلقا كما اشار  العزيز  المياحي  ولم يكن يوما ممن يتوجس  من شراكة الأقوياء والأنداد  "اذ لا اقوياء ولا أنداد  هنالك ،فَلَو وجدوا لما استدعى الأمر كل  هذه الجلبة المثارة والتى  تتهم الاصلاح بتهميش هذا الحزب  واستبعاد ذاك     . فالقوي  والند  يفرض نفسه بدون إستجداء او صراخ  .

وأود هنا الاشارة الى بعض الأمور المتعلقة بجوهر الاشكال المطروح، منها القفز فوق هذا  الواقع المريع  الذي خلقته الحرب والذي فرض على الاصلاح وغيره القتال والمقاومة وهو ماجعل هذه القوى المنخرطة في الحرب تعمل وفق مقتضيات المعركة ومنطق المواجهة المستعرة .

لقد فرضت الحرب شروطا اخرى للحياة والبقاء  واثرت عميقا  على المجتمع كله وخلقت منظومات قيم وافكار وسلوكيات مغايرة في الغالب  بل وأحدثت  تشوهات  وخلقت  ثأرات كثيرة ودفعت بمجموعات هامشية  وأفراد عاديين الى الواجهة وهمشت كيانات وأطراف أخرى  

وقسمت النخب والمواطنين والجيش بعد تقوض الدولة وضرب الحالة المدنية الناشئة  وقلبت الموازين وأفسحت المجال لتسيد اطراف وجهات داخلية وخارجية وهيأت لنشوء واقع بالغ الهشاشة والسيولة وقابل للإختراق والسيطرة والتأثير والتوجيه والإستقطاب والخيانة     

الحرب غيرت الجميع بما في ذلك الأحزاب  .   

 بدلت موازين القوى وأوجدت واقعا جديدا بأحمال و اثقال  واعباء ومشكلات وويلات  جديدة، ويبدو النظر الى الاصلاح وغيره من الاحزاب والقوى  بمعزل عن واقع الحرب  امر لايرشح للوصول الى رؤى منصفة وأحكام مقاربة للصواب

ان تجد شخصية متشددة هي من مخرجات الحرب ومن اعداء السياسة لم تؤمن يوما بالديمقراطية ولا بالتعددية ولا بالمجتمع  المدني والعيش المشترك والإيمان بالآخر

الحرب بالنسبة لها كانت فرصة كبرى للإتجار ولفرض الخيارات العنفية المنغلقة والاستعداد لبيع الولاء والعمل لصالح اطراف خارجية   اذ لا مشروع وطني   ولا شيء من ذلك ضمن قناعاتها وتوجهاتها  

وكون المجال بالضرورة مهي   لتسيد الجنوح والجموح مع توفر بواعثه وأدواته اللازمة من مال وسلاح وتصدر وسيطرة وفراغ هائل  

انتعشت مخلوقات الحرب هذه والتى برزت  نتاج اسباب متشابكة قد لا تكون مرتبطة تماما  بجوهر الصراع ضد الحوثي  .   

لم تأت مثل هذه الشخصيات  من السياسة بل من الحرب ومن سوقها الحرام  . ظهروا  كباعة  خدمات لهم  منطقهم   ورايتهم   ورؤيتهم  ميولهم و  وتمويلهم  وضغائنهم وطموحاتهم  وأفكارهم  المغلقة ومخازن اسلحة متطورة وخزائن أموال لا تعد .         

وضمن انفلات ولهاث محموم  لفرض الذات وتبجح اخرق  بالسطوة والسطو  والسبق الى الغنائم والخيانات   

سمحت الحرب بوضع  افراد من هؤلاء  الهامشيين  الصغار في مواجهة الكبار  في حين لم تكن السياسة لتسمح بذلك أبدا.  

 في تعز كان هناك اعداد لسيناريو مماثل  لما حدث  في   عدن   حيث هزمت  الحرب السياسة .  وكان الإصلاح اول الضحايا المبعدين  وذلك   مثال  لما يمكن أن تفعله حرب هازلة من اختلالات في توزيع القوة وجنايات بحق حزب سياسي وطني كبيرمقاوم كالإصلاح  . انتصر في الحرب ودفع    برعب  لتسليم مكاسب التحرير ونفسه للخسران متوهما أن اللحظة كانت مواتية لإثبات تجرده كحزب من الملشنة ونزوعاتها المغوية وتأكيده على   انه حزب سياسي مدني  قاوم وقام بما عليه دونما اية اشتراطات .    

مازال الإصلاح الأكثر انكشافا في هذه الحرب  هو الأكثر تضحية والأكثر خسارة .     يواجه الموت ملاحقا بالريب  والاتهامات  محاربا من الداخل والخارج .  

ربما كانت الأحزاب جميعها بحاجة الى إعادة تأهيل لكي تبرأ من ادواء الحرب  ولكي تستعيد السياسة زخمها و عافيتها وفعاليتها وقدراتها وحضورها لمواجهة مخلفات الصراع ومعالجة التصدعات  والشروخ المجتمعية والوطنية المتعاظمة.    

والإصلاح مطالب كونه الحزب الكبير بالشروع في عملية انعاش كبرى للسياسة داخله وفي محيطه الوطني العام ، وهذا يتطلب منه البدء بكل  تأكيد في  اتخاذ تدابير وسياسات جادة وعملية  

وتبني خيارات تنتصر للسياسة وروح المدنية وتدعو لمجابهة كل العوامل والأسباب التى تعمل على اطالة امد الحرب واذكاء الصراع . لكن هذا لايمكن أن يحدث مالم تتضافر جميع الاحزاب والقوى الوطنية . بحيث يتحمل الجميع المسؤلية ويتقاسمون الأدوار  والمهام  وتبعات الفشل  والخذلان .    

من المهم الإنتقال وبصورة متوازنة وذكية من خطاب الحرب الى خطاب السياسة والسلام ، والدعوة الى بناء تحالفات واصطفافات حزبية ومجتمعية  مؤسسة على  الإعتراف بالمختلف المؤتلف ومناهضة للصراع وداعية لدولة المواطنة وللتعايش والشراكة  ونبذ الكراهية وثقافة الثأر.    

كما انه من المهم استعادة كل الأدوار التأسيسية على صعيد الثقافة والتعددية وبناء الديمقراطية وفتح المساحات المغلقة  لسحب الطاقات المكرسة للحرب  ولتفريغها في جبهات بناء الوعي وتجاوز اثار الصراع عموما

 يدعونا المستقبل باكثر مما تدعونا هذه الحرب بكل مافيها من رايات الماضي وجهالات الحاضر .  

لكي نحارب  من اجل السلام علينا أن نحارب الحرب  وعلينا أن  نصارع  الصراع  لكي  نستعيد الكثير   من المواقع التى غادرناها وخسرناها في الواقع و داخل العقل والروح وهذا يقتضي بالضرورة استكمال مهام التحرير    .         

 تدعونا اليمن الى عمل انسحابات باسلة الى جبهات السياسة واعادة إعمار الوعي  وتشييد الوجدان . وإعادة بناء  السواند والروافع المجتمعيةوالوطنية الحامية .

    وفي غمرة هذا الصراع الجنوني المقيت بأشكاله وصوره اللعينة   

الجميع ينظرون للإصلاح ولكل الإحزاب بمنظورات مختلفة  تغيرت تبعا لتغير الواقع .  

  ضربت الحرب كل المواضعات وفرضت  منطقها ولغتها واسواقها ورجالها وكياناتها وضروراتها وإرهاقها وسخطها وصار  بوسع مجنون مدجج أن يهدد الجميع وأن    يبدو  أضخم مما هو  عليه نتيجة تقزم      

الدورالعام وتراجع العقل الجمعي الفاعل  .   الحرب لعنة والصراع الذي نخوضه الآن صراع وجود و بقاء ومصير،  صراع وطني صرف  ويجب على الجميع  تمثل هذا الصراع  والتعبير عن الحضور  ضمن هذا التحدي الوطني الكبير . وعدم نسيان أن تعز  مازالت محاصرة وأن تحريرها مسؤلية الجميع . وأن عليهم عدم السماح  بتحول الخلافات الأدارية أو التنظيمية الى معارك   داخلية تستنزف الروح بعيدا عن معركة الخلاص  .

لاشيء لتتقاسمه الأحزاب  في تعز  غير مهام التحرير  والفداء والإستعداد للتضحية . وكل  خلاف ينخر الصف المقاوم ويضعف الروح الباسلة ويعيد المعركة باتجاه الداخل هو  محض خيانة تستعصي على التبرير .      

   الناس يقفون الان وسط الجحيم   وينتظرون من الأحزاب في تعز  وسواها  مهاما إنقاذية خالصة ينتظرون حديثا بقدر اليمن وحجم مأساة اليمنيين حديثا يؤسس من جديد وجودنا غير القابل للتجزئة  

نريد حديثا عن اليمن فقط

عن الشخصية اليمنية التى إن أجدنا تحديدها سنجدنا جميعا داخلها بكل مالنا من قوة ووسامة وبهاء وحضورمؤثر .

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية