ذاتُنا الجمهورية في ضوء المستجدات (2)
الدوافع الذاتية في حياة الشعوب هي الكلمة الفصل المحققة حقق وجودها الفاعل ولا يمن لشعب ان يتحرر أوينهض، يقلب الموازين لصالحه الا بجموح ووعي وصدق تلك الدوافع، كما قال أمير الشعراء شوقي:

وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ
يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ

وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا
إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا

وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا
وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ

فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ
وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ

وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ
بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ.

" *قلب الموازين*

هذه المعركة التي نخوضها اليوم لم تكن خيارنا بل فُرضت علينا، ومن خرج على إجماعنا الوطني بإنقلابه الذي حال حياة اليمنيين بين مواكب جنائز، ومخيمات نزوح، وأمهات مختطفين، ودول شتات، هو من يتحمل وزر ونتائج هذه الحرب بالأساس .


يجعل من أيام السنة مناسبات حشد وتجييش طائفي لحروبه العبثية، لا يسلك للسلام سبيل مالم تخضد شوكته وتنكس رايته.

يعرفه اليمنيون جيدا فهو امتداد لمشروع إمامي دخيل، إن غضو الطرف بمجملهم عن جرائمه وإرهابه حينا بسبب احترافيته في الكذب والتضليل، وضعف إدراكهم خطره على حاضرهم ومستقبلهم في كل مراحل الصراع ثم يتوحدون لمواجهته.

ولاشيء يوحَّد اليمنيين ويستنهض ذاتهم ويحفزها لقلب الموازين في مواجهة خرافة الإمامة كخرافة الإمامة نفسها.
الشواهد كثيرة لمن انخدعوا بتضليلها وكذبها ، ثم صححوا مسارهم وانتصروا للذات الوطنية.

نذكر مرحلة من مراحل الصراع مع هذه الخرافة العنصرية التي انتفضت فيها الذات الوطنية بين المد والجزر حتى قلبت الموازين، وأفشلت رهانات تماهيها مع الإمامة أو التسليم لها .

" *الحركة الوطنية*

وتبدأ من ثلاثينات القرن العشرين بداية تشكل نواة الحركة الوطنية إلى الانتصار الجمهوري الكبير بملحمة السبعين يوما الخالدة.

بدأ النضال في آهات المكتئبين، وانتهى بمارد الثورة بفجر 26ستمبر 62م الذي غير وجه اليمن.
لم يتخلى الثوار عن جمهوريتهم الفتية التي جددوا عهدها بال14 من أكتوبر 63م من على جبال ردفان العنيدة ضد المستعمر البريطاني.

دخلت الجمهورية شمالا وجنوبا مسارا آخرا بعد عودة فلول الإمامة بدعم بريطاني لامحدود ضمن حلف دولي إقليمي على راسه السعودية سعى لإجهاض الجمهورية الوليدة.

كان لمصر بقيادتها وجيشها دورا تحويليا في تثبيت النظام الجمهوري بعد الثورة،
لكن خرجت القوات المصرية من اليمن في اغسطس 67م بعد العدوان الثلاثي على مصر وتُرك اليمنيون لقدرهم في تحديد مصيرهم.

تساقطت المناطق الجمهورية سريعا من صعدة وحجة حتى تم إطباق الحصار على صنعاء بجغرافيتها الصغيرة حينها.

*خيارات صفرية*

اجتماع المكونات الجمهورية التاريخي بمنزل المشير السلال هو جذوة بركان انتفاض الذات الجمهورية الحضارية لمواجهة التحديات وفك الحصار فكان شعار' *جمهورية أو الموت* '' هو العنوان الكبير لانتفاضة الذات الوطنية ونهضتها.

صمد الجمهوريون سبعين يوما وتغلبوا على عدة العدو واعداده الذي يفوقهم سبع مرات، فانعكس كل ذلك على الذات اليمنية بكل المناطق وداخل الفلول الإمامية نفسها، فتحركت قبائل سبأ وفي طليعتها الشيخ أحمد عبد ربه العواضي ورجال البيضاء، واستقبله الشيخ حمود الصبري والشيخ أحمد علي المطري ومن معهم وتعاون معهم الشيخ علي وهبان العلييي رحمهم الله جميعا.

لا ننسى تواصل النقباء من بيت العذري وبيت مهدي وبيت ابوغانم وبعض نقباء بيت سنان وآل هارون وآل الحللي من بني الحارث المناصرين للإمامة.

تحول الشيخ قاسم منصر عن موقفه وانضم مع من معه من بني حشيش للثورة، وبعد مشادات مع قيادة الفلول الإمامية تحول الشيخ الغادر وانسحب مع قبائل خولان،.

وأيضا ما ذكره الأستاذ المؤرخ عبدالله مبخوت عن الشيخ أحمد حميد الحباري قوله لمن معه في حصار صنعاء'من يروح ياخذ البندق وندي له ريالين فرنسي ومن يبقى ندي له ريال' والنتيجة معروفة لديهم بعد سماع هذا الكلام.

يتذكر العقيد احمد زاهر ووجهاء في مدينة إب خلال ندوة سبتمبرية أقامتها منظمة'صدى'بمأرب'2017م، الونيتات وهي تحمل المتطوعون من عدن ولحج والضالع وتمر من وسط المدينة باتجاه صنعاء لفك الحصار عنها، إنها الذات اليمنية حين تنتفض.

تحرك المشائخ للسعودية بعد دعوة لهم رسميا عبر الشيخ عبدالله بن حسين، وقد جهز لهم الإماميون كمينا بين مأرب وشبوة عبر الهبيلي والبريطانيين.

ولا زلت استذكر أبيات بمذكرات الشيخ سنان أبولحوم بمذكراته ج2 للشيخ الذهب حين تأخر عليهم ولم يدرك االسيارة لجيب التي حملت المشايخ من قيفه باتجاه قبائل مراد ثم عبيدة ليصلوا الحدود ، بحث الشيخ الذهب عن ونيت وغاصت اطاراته في الرمله فانشد:
احنا توكلنا على الله،
ذي ما ونيت إلا ونيته.
هو غرَّنا بالرنج الأحمر،
وركزته باب بيته.
يقصد الشيخ الذهب'الونيت' وهو من اول السيارات ووسائل المواصلات التي دخلت اليمن'الرنج'طلاء لونه أحمر .

هذه كانت ثمرة انتفاضة الذات الوطنية حينها، والهدف من ذكر الشواهد ليس سردا تاريخيا حتى لا يجد البعض في نفسه شيئا، بل كا الهدف توضيح ذات اليمني حين تستنهض فإنها تفيء الى هويتها وجمهوريتها وقرابتها وتتبرأ من الإرتباط بأي مشروع دخيل متورد.


انتفاضة الذات الوطنية هي التي عوضت النقص في عدد الجمهوريين وعدتهم،
وأفشلت الرهانات لدى الإماميين رغم فارق العدد والعدة لصالحهم قرابة سبعة أضعاف.

يجب أن نستنهض الذات الوطنية لتُبعث من جديد،
لأنها الجلد في المواجهة، والعزم في النضال،
والإيجابية والأمل في الخطاب،
هي الحكمة والفطنة للتخذيل والتحييد.

فخرافة الإمامة اليوم تتلاشى وتتعرى كما لم يحدث معها من قبل وهي اخر نسخة إمامية وإن كانت أقذرها.

لكن تكمن قوتها فيما تحت قبضتها من قوة اجتماعية وقبلية خُذلت وأُسلمت منذ قضم صعدة من الجسد الجمهوري في الثمانينات وإلى اليوم.

التحدي الكبير اليوم أمام الصف الجمهوري هو فك الإرتباط بين الذات اليمنية المغيبة، وبين خرافة الإمامة، بخطاب فكريٍ اعلاميٍ حانٍ، وآلية تواصل مسؤول مع اليمنيين بكل أطيافهم، مليء بمشاعر القربى والمواطنة،
التي تدفع لتحرك شامل لاستنهاض الذات.

"اليمن" وصفة سحرية إذا تضمنها الخطاب العام والخاص، وارتكز التحرك عليها، فهي كفيلة ببعث مشاعر الإنتماء لليمن بقلب كل يمني.

كما أن "اليمن" وجدانا وذهنية لافتة حشد خطيرة يستخدمها الإماميون كذبا لمعرفتهم بتأثيرها في استمالة قلوب اليمنيين .

الذات اليمنية التي تستنهض هي الشخصية الإعتبارية لليمني الذي سجل التاريخ منجزاته كمعجزات، حين تغلب على صعوبة الجغرافيا،باعتزازه بذاته، وبنى حضارته لآلاف السنين .

ليصبح اليمني ذاته اليوم هو المنبعث من محراب التاريخ،
حاملا راية الجمهورية مناضلا بكل الميادين،
مجددا لمواقف اليمنيين عبر مراحل تاريخيهم البطولي المشرف المنطلق من الذات.
وقد خلد البردوني الإرادة الذاتية العظيمة لليمنيين بيوم 26سبتمبر:
يوما من الدهر لم تصنع أشعته،
شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا.

هذه الذات اليمنية وهذا هو اليمني الذي يسعى،
ليضيف معجزة النصر الكبير القادم إلى سجل معجزاته التي ملأت سمع التاريخ وبصره بإذن الله تعالى.

#حرب_الشعب_الشاملة
#اليمن_يستعيد_ذاته
#يتبع........

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية