ذاتنا الجمهورية( 3 )
تسابق خرافة الإمامة (الحوثية)، الزمن لبسط نفوذها على اليمن معززة دوافعها السلالية الذاتية بدوافع إيرانية في ظل شلل كلي للمنظمات العربية والإسلامية كجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة التعاون الإسلامي، أمام استهداف الأمن القومي العربي والهوية الإسلامية بصورة غير مسبوقة.

تسارع الخرافة وسط هذا المناخ مع ما تراكم لديها من نقاط قوة خلال العقود الماضية لبسط نفوذها لمعرفتها أنها طارئه على الجسد الوطني ومغايرة للنسيج الاجتماعي اليمني، ويبقى استمرارها مرتبطاً بمدى استمرار تأثير خداعها وتضليلها لتغييب الذات اليمنية قبل يقظتها وثورتها المتوقعة، في كل مرحلة تعيد فيها الخرافة إنتاج نفسها.

وبهذا الاعتبار فلا يستغرب اعتماد الخرافة على البطش والقهر كسلوك مبدئي تجاه المجتمع لا تتراجع قوته بل تتضاعف كلما حققت شيئاً على الأرض، وستبقى وضعاً شاذاً لا يعبر عن هوية المجتمع اليمني وتطلعاته، ولا يحمل همومه، ولا يمكن تشبيهها بأي أسرة أو سلالة في العالم سعت او تسعى لحكم أي شعب، إذ ليست سوى فيروس نقص مناعة يستهدف الجسد الوطني ذاته نهضة ووجوداً.

الثكلى والمستأجرة:

يروى ان نبي الله سليمان اختصمت إليه امرأتان في طفل تدعي كل منهما انها الأم، فحكم سليمان عليه السلام أن تأخذ كل منهما بيد ويقسم الطفل بينهما نصفين، وعندما بدأ تنفيذ الحكم كانت الأم المدعية تشد يد الطفل إليها بقوة، أما أن يكون لها أو يموت، بينما كانت الأم الثكلى تدفع بالطفل باتجاه الأم المدعية حرصاً على حياته، فقال سليمان عليه السلام للأم المدعية: اتركي الطفل أيتها المجرمة، وقال لأمه: خذي ولدك!
أردت من خلال هذا الأثر استفتاح الحلقة الثالثة من ذاتنا الجمهورية لتتبع نبض الذات، وأهم ما تومي إليه القصة هو الفرق بين شعورنا وسلوكنا تجاه شعبنا وبين سلوك وشعور خرافة الإمامة وأتباعها.

ففي الوقت الذي نسعى فيه لحمل مشاعل الحياة يجتهدون في نشر ثقافة الموت ليفرحوا بنعوش المنايا كل يوم ويجعلون لها طقوساً ومراسيم يفقدون الشعب بها الرغبة في الحياة، ليسارعوا في الموت على اعتاب خرافتهم، فنحن وإياهم على النقيض شعوراً وسلوكاً تجاه شعبنا اليمني الكريم.

يعز علينا آلام شعبنا ونحزن لتوجعه وأنينه تحت وطأة الخرافة، وفي المقابل فإنها تجعل من الدماء والأشلاء والوجع والأنين استراتيجية لتوسعها والحشد لمحارقها، متجردة عن الإحساس وأدنى شعور إنساني تجاه ذلك.

نحن أولى باليمن ونحن المعنيون بآهات اليمنيين وجراحاتهم، نحن المسؤولون عن حاضر اليمن ومستقبلها، نتعامل مع خطوط النار كعدو وما خلف خطوط النار شعب ينتمي لنا وننتمي له، هم عمقنا وهم ذاتنا النابضة والانتصار لهم غاية نضالنا في معركتنا مع الخرافة.

الثائر حر نبيل يحزنه معاناة أبناء شعبه وتيههم عن ذاتهم، وتدميرهم لوجودهم يرحم المستضعف، وينتصر للمظلوم، وإن أتاه منه أذى ويواجه الظلم وإن خذله المظلومون، حتى وإن كان ثمن ذلك حياته.

الثائر كتلة متأججة من الحب والعطف تجاه شعبه، هي التي تشكل دوافع النضال لديه كما قال عمر المختار: أنا أؤمن بحقي في الحرية وبحق شعبي في الكرامة.

يضيق القلب كلما سمع تلك العبارة المنسوبة للمقدم الثلايا رحمة الله " تباً لشعب أردت له الحياة وأراد لي الموت"، فهذه تتنافى مع عظمة الثائر ونبل المناضل تجاه شعبه، وإن كانت له فقد تكون لردة فعل لفشل حركته التي كانت وليدة تفكير سطحي لشخصيته الطيبة كما ذكرها القاضي الإرياني في مذكراته، ثم إن من أجابوا على سؤال السفاح أحمد حميد الدين في تلك الواقعة كانت مداراة أمام بطشه.
ما أجمل أبيات ابي الأحرار الزبيري معبراً عن قيم النبل والعظمة التي عاش بها ولها من أجل شعبه وامته:
" ستعلم أمتنا أننا ركبنا
الخطوب حناناً بها"
وهو نبل فطري تمثله الشهيد عمر عبد العزيز الشعبي بعبارته الخالدة" نخاف ليأمن الناس، ونموت ليحيا الناس!".

لقد جعل الإسلام من أهم مبررات القتال استنهاض مروءة وحمية العظماء والنبلاء في المجتمعات لنصرة المستضعفين، قال تعالى في سورة النساء:" ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً".

وإن كان الثمن لأجل الشعب والوطن خروج الروح من البدن في مواطن الفداء لهذه الغاية الكريمة، فلا يزال الثائر بعد مغادرة عالم الشهادة يردد في عالم الغيب:" يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين".

نبض وأمل:

أخيراً في حلقة رصدنا لنبض ذاتنا الجمهورية أكتفي بهذه المواقف السريعة:
صديقي الحاج عبد الله التقيته بعد سنوات في مأرب، فسألته: كيف الوضع يا عم عبد الله في صنعاء؟ فقال:"نقوم الصبح من النوم ونفتح الطياق( النوافذ)، ونبسر شرقي منتظرين الأمل، وقال نطلع فوق السيارة ونتنهد قوي تجاهكم ( نتنفس الصعداء)، ونلتفت"!
أحدهم يتصل قبل أسابيع من صنعاء قائلاً" بندرى(نعرف) حين يشلوا الحوثيين موقع عليكم في مضاعفة شدتهم علينا"!

اتصالات كثيرة للجميع من آباء، وأمهات، وإخوة، وأخوات، وأصدقاء وأعزاء، وهم يبكون ويدعون بالنصر والثبات للجيش الوطني والمقاومة في كل الجبهات، حيث أنهم ما زالوا حائط صد لكبح جماح الخرافة للحفاظ على شرف اليمنيين وأعراضهم وعليهم تعقد الآمال.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية