ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

اليمن.. وطفيليات عفن الحرب

العنف هو السم الزعاف للقضاء على الثورة الشعبية والانسانية، عنف ينتج حروبا تستنزف البلد، لا مجال فيها للشباب غير جبهات القتال أو جنود في معسكرات التدريب وقودا لهذه الحرب، في جهاد ضد بعضنا بعضا، لا ينتج حلا منصفا، ولا دولة تضمن حق الجميع، بل نجد أنفسنا في متاهة حرب تخدم أطماع جماعات وأفراد، وجنود تحت الاستعداد لخدمة جنرالات الحرب وما بعد الحرب، واين نصيبي من الغنيمة، أو الحفاظ على مصالح هبات ومنهوبات الحرب، حيث ينحسر التعليم والعقلانية والتفكير، وتنحسر القيم التي ثرنا من أجلها، وتنحسر الانسانية فينا، لتترك فرصة للتوحش والعنف لأن يجرنا لهدف آخر لا علاقة له بقضيتنا ولا بثورتنا.

ولن تكون حربا، بل حروب وعنف وعنف مضاد، بعدد المكونات المتناحرة، والمشاريع المتناقضة، والمصالح المتضاربة، حيث تكون بيئة الحرب صالحة لنمو طفيليات هي المكونات الطارئة اليوم التي ولدت من رحم الحرب، وعفن المصالح والأنانية الضيقة، لا يغرك شعاراتها وراياتها، هي ضرورة التشويش والتغرير، طفيليات على شكل مكونات أوجدتها الفوضى، ولا تستطيع أن تعيش إلا في مزيد من الفوضى، تقتلها بيئة الدولة، لأن الدولة كشخصية اعتبارية، مهما كانت إخفاقاتها وسلبياتها، كيان قابل للإصلاح والتعافي، إذا صلحت النيات، كلما ترسخ شيء من الدولة، كلما تلاشت الفوضى، ومن السهل أن يسود النظام والقانون، إذا وجد إصرار وتضامن وتكاثف اصحاب المصلحة من السواد الأعظم لسيادة النظام والقانون، وحين يسود سيفرض مؤسساته التي تحمي الحقوق، وتضمن الحريات وتفرض الواجبات، حينها ستظهر حقائق الامور وتتضح الصورة، وتزول التشوهات، في بيئة الدولة تموت الطفيليات ومكوناتها الطارئة، ينحسر العنف والتطرف والعصبية، وتسقط المناطقية والطائفية والجهوية، وتزول دواعي وأسباب التناحر، وفرص الفتن ما ظهر منها وما بطن.

التناحر يعيد إنتاج صورة قذرة لماضينا، يولّي علينا جهلة ومتخلفين ومتعصبين، يجعل من العقول والأفكار أدوات لخدمة العنف والعضلات وحملة السلاح، حيث لا برامج ولا مشاريع دون سيادة الرئيس وحزبه الحاكم، والمشروع الشمولي المعد خصيصا لهذا الرئيس كمشروع وشكل للدولة التي تستوعبه دون الحاجة لصندوق استفتاء أو انتخاب، فالعنف والفوضى كفيلان بفرض شرعية التحشيد والتحريض وحسم مسالة الحكم بالقوة، من غير مراعاة لقناعات وحريات الاخرين وحقهم في الاختيار والمصير.

شعب طحنته الحروب نصف قرن قادر أن يعرف اليوم، من يقف في طريق ترسيخ الدولة، ويعيق تثبيت مؤسساتها وفرض النظام والقانون ليكون ضابط لإيقاع الحياة العامة والعلاقات، لتزول منغصات هذه الفوضى من بسط وارهاب وانتهاك وظلم وقهر، وعدن مثالاً.

الملاحظ اليوم أنهم يؤسسون لدولتهم الخاصة في مواجهة دولة المواطن المنشودة، وهم يعلنون للملأ عن اجتثاث الآخر في ساحة عامة، ويأتون بشيخ يكفر كل من يخرج عن طاعتهم، ويرفضون مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات والهيئات الفكرية والثقافية والادبية القائمة، بتفريخهم مكونات خاصة مقابلة، سياسية بغطاء حقوقي، تزوير واضح وهم خارج السلطة كيف إذا امتلكوها، صورة واضحة للوريث الشرعي للمستبد ينشط في الاتجاه المعاكس كلما وجد نشاط يعزّز للدولة، ضعف الحق لديهم يسهل ارتهانهم للطامعين بوطن، ومن يرتهن لطامعين بوطنه، لن يكن غير عميل ووكيل لا قيمته له في الوطن والوطنية.

النظام والقانون كفيلان بانتزاع الحق الخاص والعام من قبضة أعتا نظام استبدادي، وهما الضامنان لحق الجميع وحرياتهم وتعايشهم وشكل الدولة التي تستوعبهم، ومصير وطن، والباطل لن يجد طريقا له بغير الفوضى والعنف التي تضمن تسيده وتسلطه على الناس ومصيرهم، زعيمه يدعي زورا زعامة وطن ومشروعه مشروع وطن، وحقيقته بياع وطن.

الوطن أكبر من الجماعات والمكونات والتوجهات والأيديولوجيات، أكبر من الزعامة والقيادة، أطول من مواكب البهرجة وعدد الأطقم والمصفحات، يصغر كلما حجمنا من الأفراد، يصغر بالخطابات والبيانات التي تبدأ بسيدي الرئيس والقائد الفذ، وصانع المنجزات، بمولانا، والاصطفاء العرقي والديني والجهوي، وتختتم بالوطن الذي لا ملامح له ولا ضمانه فيه لحقوق الناس، وطن تراه في صورة موكب قائد مسيرته، وحياة وحماية ذلك القائد، تراه في بطانة ذلك القائد، وإنجازات ذلك القائد، القائد الذي ينسف التاريخ والإرث وجهود السابقون واللاحقون، ليجعل من القضية مجرد منصة أو غرفة مغلقة وميكرفون وشاشة، وحسب تعبير طبولهم من إعلاميين ومثقفين وأدباء (يأتي بما لم تأت به الأوائل)، هذا التحجيم كفيل بتصغير الوطن في عيون الامم، ويفتح شهية الطامعين فيه، تلك الصورة الواقعية في بلدي، في مناطق محتله ومناطق محررة، لا فرق اليوم الوطن تحت الوصاية، وفي أيدي صغار عابثين أغبياء، لا يدركون حجم عبثهم، وأخص عدن بالذات، إنها لعنة الحرب التي أوجدت عقولا كارثة على وطن يفقد تاريخه وإرثه وهويته بسببها.

نقلاً عن صحيفة العربي الجديد

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.