ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

يعودون جُثثا مرقّمة.. قصص أطفال خطفتهم المليشيات الحوثية من الشوارع وزجت بهم إلى الجبهات

"قُتل ابني "كريم" ولجأت الى تزويج ولدي الآخر "صفوان" وهو قاصر كي لا يعود مجدداً مع مشرف المنطقة الحوثي إلى جبهات القتال، وأفقده كما فقدت أخاه"؛ هكذا بدأ "محمد علي" حديثه لـ "المصدر أونلاين".

الأب المكلوم قال إن ولديه (قاصران) غادرا برفقة ابن عمهما خلسة بعد ظهيرة أحد أيام نهاية العام 2019، إلى جولة "الجمنة" وسط صنعاء، بينما كان هو يعمل في بقالته بحي "السنينة"، وذلك حين صعّد الحوثيون من عملياتهم العسكرية باتجاه محافظتي مارب والجوف.

وأضاف: "عقب اختفاء أطفالنا أبلغنا أقسام الشرطة، وقمنا بالاتصال والتواصل بالأقارب والأصدقاء والمشرفين الحوثيين والعمليات التابعة لهم أياماً وأسابيع وأشهراً لكن دون جدوى، كنا نتلقى وعوداً من حين إلى آخر لا أكثر"، لافتاً إلى أن أسرته "خسرت قرابة مليوني ريال خلال فترة البحث عن أولادها الثلاثة، أغلب هذه المبالغ ذهبت إلى جيوب مشرفي الجماعة".

ينتمي "محمد" (وهو إسم مستعار بناءً على طلبه) إلى إحدى مديريات محافظة ذمار (وسط البلاد)، ويسكن مع أسرته في العاصمة صنعاء منذ سنوات؛ كان معلماً في إحدى المدارس الحكومية، وبعد أن قطع الحوثيون راتبه لجأ إلى فتح "بقالة"، كي يعول أسرته المكونة من خمسة أفراد.

قال إن حياته وحياة زوجته تحولت إلى جحيم منذُ التحاق ابنيهما وابن أخيه الأكبر بجبهات القتال الحوثية عقب انقطاع راتبه الحكومي.

وتابع: بعد قرابة شهرين ونصف من البحث أيقنت أنهم في جبهات الحوثيين، وأن القدر قد ينتهي بهم هناك، ولن نرى جثثهم مجدداً، وهذا ما حاولت إقناع زوجتي به تدريجيا كي لا تصاب بالصدمة، خصوصاً وأن عشرات الأسر في ذلك الحي قد فقدت ذويها بهذه الطريقة.

ومطلع العام 2020، اتصل بـ "محمد علي" رقم محلي يخبره بأن عليه أن يأتي إلى مستشفى "الكويت" ليبحث عن جثة ولده، من بين عشرات القتلى الذين تم تخزينهم في "ثلاجات سفري" طويلة، استحدثتها الميليشيا لتجميع قتلاها خلف بناية المستشفى الحكومي.

لم يستطع الأب التعرف على جثة ابنه بسبب تفحم معظمها وتحولها إلى أشلاء. وقال: جاء حارس ثلاجة القتلى الحوثيين وبدأنا معا في البحث من خلال الرقم "الجهادي" الذي يضعونه على معاصمهم قبل الزج بهم في جبهات القتال.

لم تمض سوى ثمانية أيام على تسلم الأب لجثمان ولده حتى جاء الأسرة اتصال ثانٍ يطلب منهم المجيء لأخذ جثة ابن أخيه، وأخذ ابنه الآخر الذي تعرض لجروح من مستشفى "الجمهوري"، حسب رواية الأب، الذي أكد أن الحوثيين حاولوا أخذ ابنه الجريح إلى سكنات خاصة بالجرحى في مباني حكومية شمال صنعاء خصصتها الميليشيا لإعادة تأهيلهم صحياً وعقائدياً بهدف الزج بهم في جبهات القتال مجدداً.

لم يكن الطفل الذي قتل قد تجاوز عمر الـ18، في حين كان أخوه الذي عاد جريحاً يصغره بعام ونصف، وابن عمهم الذي قتل أيضاً في نفس العمر، وتم استدراجهم من قبل الحوثيين في المنطقة، بعد أشهر من تركهم للدراسة بسبب تدهور العملية التعليمة.

اضطر الرجل لتزويج ابنه الذي عاد جريحاً في العام 2021م، من إحدى قريباته رغم صغر سنه، وذلك خشية أن يعود إلى جبهات القتال الحوثية من جديد.

وحسب رواية "علي" فقد نهبت سلطة الميليشيا أسلحتهم الشخصية والتي كان من المفترض أن تكون مملوكة لهم بعد مقتلهم، واكتفت بدفع 100 ألف ريال عند دفن كل جثة، وتوزيع سلة غذائية كل أربعة أشهر.

 

"القاعدة" قتلت الأب والحوثيون قتلوا الإبن

الطفل أمجد احمد الرداعي (14 عاما)، ينحدر من محافظة عمران وتسكن أسرته في مدينة إب "وسط اليمن"، استُدرج من قبل المليشيات الحوثية بعد إقناعه بأن "الجماعة" تخوض حرباً مع تنظيم القاعدة، وأن عليه الإلتحاق بصفوفها للإنتقام من قتلة والده القاضي أحمد مقبل الرداعي الذي اختطفه التنظيم في محافظة البيضاء عام 2014 وأعدمه في وقت لاحق من العام ذاته.

أيام فقط، قبل أن تعلن الميليشيا عن مقتله في المواجهات مع القوات الحكومية في محافظة البيضاء في النصف الثاني من عام 2020، ويعود لأسرته جثة هامدة.


أكدت مصادر مقربة من أسرة الطفل في مدينة إب عدم معرفة أقاربه بالتحاقه في صفوف الحوثيين، حيث أنه لم يكن يظهر أي ولاء للجماعة، ولم يكن لديه أي ميول للحرب ولا يجيد استخدام الأسلحة، إلا أنهم تفاجأوا في تاريخ 12 اغسطس 2020(بعد أيام من اختفائه من منزله في إب)، بخبر مقتله في محافظة البيضاء.

 

من مصنع البلاستيك إلى جبهات القتال

"في البداية استغل الحوثيون وضعنا الاقتصادي وسجلونا للحصول على سلة غذائية من إحدى المنظمات، ثم استقطبوا ابننا الأكبر "ب" (16 عاما)، والذي كان يعمل في مصنع للبلاستيك بمنطقة "الصباحة"، وأخذوه إلى دورة ثقافية لمدة شهر، وبعد ذلك أعادوه ليومين فقط وبحوزته 40 ألف ريال، ومنذُ مطلع العام 2017م لم نر وجهه مرة أخرى".

يقول والد الطفل "ب" إن ابنه تنقل بين العديد من جبهات القتال في حجة ونهم والبيضاء والحديدة التي أُسر فيها نهاية العام 2018، بينما المشرف الذي أخذه إلى الجبهة يسرح ويمرح بطقمه في شوارع صنعاء وأولاده يدرسون في المدارس الخاصة.

ويضيف "م" في حديث لـ "المصدر أونلاين" إن ولده اتصل بهم عام 2019 (بعد أكثر من عام من آخر اتصال له) يخبرهم أنه محتجز في أحد سجون عدن عقب شهور من أسره في جبهات جنوب الحديدة.

وأكد "م" أن مشرفاً حوثياً آخر استدرج نجله "و" (14 عاما) بعد أسابيع من معرفتهم بمكان ابنه السابق، الذي رفض الحوثيون إبرام أي صفقة لإخراجه من سجون عدن أو التواصل به.

وأشار إلى أنهم لم يتمكنوا من الحصول على أي تفاصيل حول نجلهم الأصغر، رغم مرور عامين ونصف على ذهابه إلى الجبهات الحوثية.

ينتمي "م" إلى محافظة حجة (شمال غرب البلاد) ويسكن بالإيجار في حي شعبي وسط صنعاء، يعمل باليومية (أعمال شاقة) ولديه أربع إناث إلى جانب الطفلين القاصرين اللذين أخذهما الحوثيون إلى الجبهات دون عودة.

ومنذُ سنوات الحرب الأولى دأبت ميليشيا الحوثي على استخدام الأطفال بمناطق نفوذها في جبهات القتال، مستغلة الوضع المادي الذي خلَّفه انقلاب الميليشيا ونهبها ثروات وموارد البلاد ومصادرتها الرواتب، على المواطنين.

ولا يقتصر التجنيد الحوثي لأفراد المجتمع على فئة أو سن معين، لكن المليشيا تتعمد استهداف الأطفال ومن هم دون سن 17 كون هذه الفئة سهلة الإقناع ويغلب عليها الحماس والاندفاع، وفي الغالب لا يحصل من هو في هذا السن على أي مردود مادي باستثناء قطعة السلاح التي يتسلمها كعهدة ويتلقى نصيبه من نبتة القات بشكل يومي.

وحسب لجنة خبراء الأمم المتحدة المعني باليمن؛ في عام 2020 وخمسة أشهر من 2021 شهد قيام المليشيات الحوثية بتجنيد آلاف الأطفال والزج بهم في المعارك.

وأوضحت اللجنة أن لديها "قائمة بـ 1406 طفل، تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عامًا، جنّدهم الحوثيون ولقوا حتفهم في ساحة القتال في العام 2020".

 

تحشيد مستمر وحملات موسمية

لم تتوقف المليشيات الحوثية عن تحشيد المقاتلين وإرسالهم إلى جبهات القتال منذ العام 2014 وحتى اليوم، ومن أجل استمرارية تدفق المقاتلين إلى الجبهات عمدت الجماعة الحوثية على توزيع عناصر الجماعة في كل الأحياء والمناطق السكنية في العاصمة صنعاء والمدن الكبرى الواقعة تحت سيطرتها، فضلاً عن الأرياف، وأسندت لهم مهام الحشد وأطلقت عليهم تسميات مختلفة (مشرف ثقافي – مشرف اجتماعي- مشرف أمني).

إلى جانب المهام المكلف بها المشرف الحوثي في المنطقة أو الحي فقد استحوذ المشرفون على مهام عقال الحارات، وأوضحت مهام العاقل مقتصرة على توزيع مادة الغاز المنزلي فقط، كما أسندت لهم مهام المجالس المحلية، فلا تكاد تمر أي مساعدات للمنطقة إلا عبرهم ولا يتم إنفاذ عملية بيع عقار أو أرض دون موافقتهم، كما أنهم هم من يقوم برفع الكشوفات الأسر الفقيرة والنازحة في إطار مناطقهم إلى المنظمات المحلية والأجنبية، وهم من يقومون بصرفها.

في إطار الأحياء السكنية يعمل المشرف الحوثي جاهداً على استقطاب الشباب وصغار السن، ويقنع الطفل ابتداءً بحضور "دورة ثقافية" لا تزيد مدتها عن 10 أيام، مقابل حصوله على التغذية الكاملة خلال الفترة بالإضافة لحصوله على "القات" والمشروبات المصاحبة له وفي نهاية الدورة يدفع له مبلغ 30 ألف ريال يمني.

وتحرص المليشيا على حضور كافة المواطنين القاطنين في المناطق التي تسيطر عليها لهذه الدورات، وإذا لم يُجدِ الحث على الحضور يتم إجبارهم على ذلك، وقد أرغمت معظم موظفي القطاع الحكومي على حضور هذه الدورات.

تتضمن الدورة دروساً من ملازم مؤسس الجماعة حسين الحوثي بالإضافة إلى محاضرات مسجلة لعبد الملك الحوثي، تحث على ما تسميه الجماعة "جهاداً في سبيل الله"، وعلى البذل والإنفاق والنفور إلى الجبهات.

بعد انتهاء الدورة يسمح للأشخاص الذين اقتنعوا بالقتال مع الحوثي بـزيارة الأهل لمدة لا تتجاوز يومين قبل أن يتم الزج بهم في جبهات القتال.

ولحاجة الميليشيا للمقاتلين فإنها تزج بصغار السن مباشرة إلى الجبهات مستغلة حالة الجهل والطيش والاندفاع التي يعيشها معظم الأطفال في مرحلة المراهقة كما حدث مع الطفل أمجد الرداعي.

وحسب مصدر مطلع فإن الجماعة أصبحت تنفذ أنشطة صيفية في المدارس الحكومية للأطفال بدلاً من حضور الدورات الثقافية في منازل وذلك بعد وقوع حالات اغتصاب، ووثق فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن العديد حالات من تلك الاغتصابات وفق ما ذكره في تقريره الذي صدر رسمياً أواخر يناير الماضي.

 

طلبة المدارس وامتحانات الثانوية العامة والمنح الجامعية

مع انهيار منظومة التعليم في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، نتيجة وقف مرتبات المدرسين واستبدالهم بآخرين ينتمون إلى الجماعة لا يمتلكون أي مؤهلات أو شهادات عليا سوى التبعية للميليشيا، اضطر الكثير من المواطنين من ميسوري الدخل إلى نقل أبنائهم لمدارس أهلية على نفقتهم الخاصة، فيما لم يتمكن غالبية المواطنين من فعل ذلك نتيجة الأوضاع الاقتصادية، وأضحت المدارس الحكومية مكاناً ليس للتعليم بل ساحة لاستعراض ما يسميه الحوثيون "بطولات المجاهدين" لحثهم على الإلتحاق بـ"جبهات البطولة"، وفق ما يقوله أحد المعلمين.

ويضيف المعلم (س.ن) أن الحوثيين يعرضون على الطلاب مبلغ 80 الف ريال وسلة غذائية تسلم لذويهم بمجرد التحاقهم بجبهات القتال، كما يتم تضمين الأسرة في كشوفات المساعدات الخاصة بالمنظمات والهيئات الإغاثية.

 

المراكز الصيفية

على الرغم من تحويل المدارس الحكومية الى بؤرة لنشر الافكار الحوثية ومركزا للتحشيد والتعبئة العامة، إلا أن الجماعة لا تكتفي بفترة الدراسة بل شرعت في جذب الطلبة وتعبئتهم في الإجازة الصيفية، وخصصت لذلك المساجد والمدارس والمنشآت الرياضية التابعة للدولة.

ووفق احصائيات نشرتها المليشيات الحوثية فقد استقطب العام الماضي 2021مـ عدد 620 الف طالب، وتستخدم الميليشيا "المدارس والمرافق التعليمية لاستقطاب الأطفال إلى التجنيد الإجباري، من خلال نظام تعليم يحرّض على العنف، بالإضافة إلى تلقين الطلاب العقيدة الأيديولوجية الخاصة بالجماعة من خلال محاضرات خاصة داخل المرافق التعليمية لتعبئتهم بالأفكار المتطرفة، وترغيبهم بالانضمام إلى القتال لدعم الأعمال العسكرية للجماعة"، بحسب تقرير سابق لمنظمة "سام" للحقوق والحريات و "المرصد الأورومتوسطي".

وخلال (2018، 2019، 2020) بدأت الميليشيات "حملة مفتوحة وإجبارية لتجنيد الأطفال، إذ افتتحت 52 معسكرا لتدريب آلاف المراهقين والأطفال، وانتشرت حملات التجنيد الإجباري في مناطق صعدة وصنعاء والمحويت والحديدة وتهامة وحجة وذمار وإب، واستهدفت الأطفال من عمر 10 سنوات".

وتتعمد جماعة الحوثي "إلحاق الأطفال ببرامج أيدولوجية - تدور حول عقيدة وفكر الجماعة- ثم يتم إرسالهم إلى معسكر تدريبي لحضور دورة عسكرية لمدة شهر وبعدها يتم الزج بهم في جبهات القتال، حيث توكل لهم تنفيذ مهام الاشتباك المباشر وزرع الألغام وحراسة النقاط العسكرية، بحسب التقرير آنف الذكر.

ونوه التقرير إلى أن "جماعة الحوثي تلجأ إلى تهديد العائلات اليمنية في القرى والمناطق التي تسيطر عليها من أجل تجنيد أطفالها من (10 - 17 عامًا)، بالإضافة إلى تجنيد الأطفال في مخيمات النازحين، ودور الأيتام. وفي بعض الحالات، جنّدت الجماعة أطفالاً من عائلات فقيرة مقابل مكافآت مالية رمزية".

وأكد التقرير الحقوقي الصادر في فبراير 2021م أن "جماعة الحوثي جندت نحو 10300 طفل على نحو إجباري في اليمن منذ عام 2014"، محذرًا من "عواقب خطيرة في حال استمرار الفشل الأممي بالتصدي لهذه الظاهرة".

وذكر التقرير أن "جماعة الحوثي تستخدم أنماطًا معقّدة لتجنيد الأطفال قسريًا والزجّ بهم في الأعمال الحربية في مختلف المناطق التي تسيطر عليها في اليمن، ما أسفر عن مقتل وإصابة المئات منهم، إذ وثّق التقرير أسماء 111 طفلًا قُتلوا أثناء المعارك بين شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب 2020 فقط".

وتقول الحكومة اليمنية إن ميليشيات الحوثي الانقلابية، دمرت حياة أكثر من 4 ملايين طفل، ودفعت معظمهم إلى البحث عن عمل جرّاء ظروف الحرب التي شنتها مستغلة الأوضاع الاقتصادية والإنسانية المتردية للأسر اليمنية، والدفع بهم إلى جبهات القتال وإغرائهم مالياً لإعالة أسرهم والإلتحاق بصفوف الميليشيات والزج بهم إلى محارق الموت.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.