خيار بناء الكتلة التاريخية لمنع انهيار اليمن أو سقوطه بيد ايران
لم يكتف الحوثي برفض دعوة مجلس التعاون لدول الخليج العربية الخاصة بلقاء الأطراف اليمنية في مؤتمر عام للتشاور بشأن الحرب ومستقبل اليمن، بل راح يعزز هذا الرفض بإطلاق الصواريخ والمسيرات الإيرانية على المدن السعودية في تحد واضح لإرادة اليمنيين الذين أنهكتهم الحرب وما خلفته من أوضاع مأساوية، ناهيك عما تحمله الأوضاع الدولية المستجدة من تطورات خطيرة على الصعيد الأمني والاقتصادي، خاصة وأن ملامح هذه التطورات الخطيرة بدأت في الظهور مع انعقاد مؤتمر المانحين الخاص باليمن في بداية هذا الشهر والنتائج المتواضعة التي أسفرت عنه.
لا حاجة لنا أن نؤكد أن اليمن يمر، بسبب كل هذه التحديات، بأشد المراحل سوءاً وبؤساً في تاريخه المعاصر، وهو ما يستدعي أن تتحمل كل الأطراف اليمنية مسؤوليتها في معالجة كل المشاكل، سواءً التي أدت إلى هذا الوضع أو تلك التي نجمت عنه، ولا يستطيع الحوثيون أن يواصلوا مراوغاتهم والتبرؤ من المسئولية بالحديث المضلل عن "العدوان" و "الحصار"، وغير ذلك من الأباطيل التي لا هدف لها سوى طمس حقيقة الفتنة التي أشعلوها في بلد لم ينعم بالاستقرار منذ أن أخذ الكهنوت زمام المبادرة في استئصال "الوطن" من قاموس الحكم في هذا البلد، وإحلال الطائفية والعنصرية، والولاء والبراء، والولاية، والحق الإلهي في الحكم.
وفي توافق مع هذه المراوغات أخذ البعض يروج لدعاوى الحوثي عن أن المرجعيات الثلاث هي التي عقّدت الحل السلمي في اليمن، وأنه لولاها لقبل الحوثيون الجلوس للتفاوض من أجل السلام، وهي بطبيعة الحال مغالطات تنهل من نفس البئر الذي يجمع فيه الحوثيون أراجيفهم حول الحرب والسلام.
لذلك، لا غرابة أن يتصدر هذا الموضوع، أي إلغاء المرجعيات الثلاث كأساس للحل السلمي، التكهنات التي أطلقها البعض بشأن موضوعات التشاور التي دعا لها مجلس التعاون في محاولة لإرباك العملية برمتها وإفشالها خدمة للتعنت الذي يمارسه الحوثيون تجاه أي جهد يقود اليمن الى إنهاء الحرب وتحقيق السلام.
قد يكون من نافلة القول الإشارة إلى أنه ربما أن تنظيم الدعوة للمشاركين في هذا اللقاء الهام قد خلّف بعض الثغرات التي تركت أمام هذا البعض مساحة للتكهن على هذا النحو المشحون باللؤم.
لقد قام الحوار اليمني- اليمني، منذ أن تأسس بقواعده الحديثة، بالاعتماد على القوى والتكوينات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية والعلمية والثقافية المستقلة، وهو ما من شأنه أن يضبط إيقاعات المشاورات والحوار وموضوعاته ونتائجه، لا سيما وأن اليمن أمام مهمة إعادة ضبط مساراته السياسية للوقوف أمام تحديات الحرب، ومتطلبات السلام بإنهاء الانقلاب على الشرعية الدستورية ومحاولة تكريس نظام عنصري يضع اليمن على خارطة سياسية بعيداً عن جغرافيته وقوميته وروابط الدم والثقافة والتاريخ.
ولا ريب أن مجلس التعاون، الذي قدم مبادرته المعروفة التي أسست لتوافق سياسي عبر حوار وطني شامل ويواصل اليوم جهوده على هذا الطريق بإطلاق مبادرة التشاور لإخراج اليمن من محنة الحرب، يدرك القيمة الفعلية لهذه القواعد لتجنب الاستقطابات التي يمكن أن يتعرض لها مؤتمر التشاور إذا ما تم التخلي عن هذه القواعد وترك للتقديرات الخاصة مساحة واسعة في تقرير التمثيل إلى المؤتمر.
إن المؤتمر يجب أن يجسد الحاجة الفعلية للرأي المسئول الذي تمثله التكوينات السياسية ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة وفرقاء الحياة السياسية بالصيغة المؤسسية التي ينتمون إليها. يضاف لهذه المنظومة شخصيات اجتماعية وعلمية وثقافية مستقلة ذات مكانة في المجتمع.
نقول هذا بانسجام كامل مع رأينا بأن هذا المؤتمر يجب أن يكون محطة هامة للخروج من مأزق الحرب بما سيتمخض عنه من رؤية استراتيجية تضع اليمنيين أمام مسئوليتهم الوطنية تجاه بلدهم ومستقبله، وبما سيوفره من رؤى لدور التحالف في إنقاذ اليمن وإعادة بنائه.
وإذا واصل الحوثيون رفضهم المشاركة، بدوافعهم التي تتناقض موضوعياً مع حاجة اليمن إلى السلام، فلا بد أن يكون هذا التحدي بمثابة الدافع القوي لبناء الكتلة التاريخية لحماية اليمن من الانهيار أو السقوط بيد إيران.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك
التعليقات