هدنة اليمن بين مساريْن
تسير المرحلة الانتقالية الجديدة في اليمن ببطء، بعدما طويت صفحة الرئيس عبد ربه منصور هادي. قليلة هي المعلومات عن وضعه الراهن، لكن الأكيد أنه لم يعد لديه أي دور منذ لحظة تفويض صلاحياته لمجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي. ولأن وجود هادي لم يكن وراء كل المشكلات، وإن كان ضعفه سبباً في عدد لا بأس به منها، فإن خروجه من المشهد لم يشكّل حلاً سحرياً للأزمات، سواء داخل معسكر "الشرعية" أو في العلاقة مع الحوثيين.
وعلى الرغم من صمود الهدنة الإنسانية وما أتاحته من استراحةٍ، ولو مؤقتة، من الحرب لملايين اليمنيين والجولات المكوكية للمبعوث الأممي، هانس غروندبرغ، للحفاظ عليها، إلا أن القضايا العالقة الأساسية لا تزال على حالها، فحتى اليوم لم تُسيّر أي رحلة إلى مطار صنعاء، ولم تفتح طريق تعز، ولم تنفذ عملية تبادل للأسرى (باستثناء إطلاق التحالف عشرات من اليمنيين أخيراً رفَضَ الحوثيون وصفهم بالأسرى، ما عدا عددا محدودا منهم). حتى أن اللهجة التصالحية التي بدأ بها العليمي عهده في ما يتعلق بالحوثيين، تمكن ملاحظة أنها تتراجع تدريجياً بحسب البيانات التي تنشرها وكالة "سبأ" عقب لقاءاته اليومية. وحتى انتهاء موعد الهدنة بعد أسبوعين، سيكون الاختبار الحقيقي، ما إذا كانت الأطراف مستعدّة لتمديدها، أم أنها تتحين لحظة انتهائها لتعود إلى التصعيد العسكري.
وعلى الرغم من ميْل الحوثيين الدائم إلى إلقاء التهم على الآخرين، والتنصّل من أي مسؤولية عن الحرب والمعارك، تفيد الوقائع بأن قرار استمرار الهدنة أو تسعير الحرب بيد الجماعة أكثر من الشرعية، فالسعودية تريد مرحلة جديدة في اليمن اليوم عنوانها الأساس إنهاء النزاع، لأن استمرار الحرب لم يعد مجدياً لها. وترجمت هذه الرغبة بفرض قيادةٍ يمنيةٍ جديدةٍ داخل معسكر الشرعية عبَّر عنه "مجلس القيادة الرئاسي"، وحرصت على أن يتضمّن أوسع تمثيلٍ ممكن، فجمعت عملياً في تركيبة المجلس المؤلف من العليمي وسبعة أعضاء آخرين، جميع الأضداد، وأجبروا بناء على تفاهماتٍ بين الرياض وأبوظبي على تنحية خلافاتهم ورؤاهم المتباينة بشأن شكل الدولة. ولجوء بعضهم، مثل رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، إلى عراضاتٍ أمام الشاشات كاقتطاع جملٍ من نص القسم الجمهوري خلال أدائه اليمين الدستورية كعضو في المجلس يبدو هامشياً، أقله راهناً، طالما لم يتحوّل إلى عرقلة على الأرض. والمؤشرات على أن القيادة اليمنية تعمل على قاعدة أن خيار تجميد الحرب هو الأولوية كثيرة.
وبعدما كانت عدن أرضاً محرّمة على مسؤولي الشرعية تحوّلت إلى مقر رئيسي، حتى أن الأيام التي قضاها العليمي وباقي أركان فريقه في "العاصمة المؤقتة" منذ تعيينه تكاد تفوق الأيام التي قضاها هادي في اليمن منذ خروجه إلى السعودية في 2015. وتشير معلومات متقاطعة إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد استدعاءات واسعة للمسؤولين اليمنيين الموزّعين على عدد من العواصم العربية للانتقال إلى داخل اليمن، والعمل منه على قاعدة تفعيل عمل مؤسسات الدولة. ولكن كل هذه الأجواء قد تتبخّر إذا لم تقدّم جميع الأطراف، وأولها جماعة الحوثيين، التنازلات الضرورية لتمديد الهدنة على أمل التمهيد للانتقال إلى مرحلة أخرى تشمل مفاوضات سياسية. وخطورة فشل تمديد الهدنة تكمن في أنها، إنسانياً، ستعيد تعميق معاناة المدنيين، على اعتبار أن ظروفهم لم تتحسّن خلال وقف المعارك، لكنها لم تزدد سوءاً.
أما عسكرياً، فإن عودة المواجهات بمثابة إطاحة فرصة نادرة توفرت أخيراً بتجميد الحرب، والتي قد تكون سيناريوهاتها هذه المرّة مختلفة في ظل التغييرات داخل معسكر الشرعية، خصوصاً إذا ما استطاعت الأطراف المضي في تنحية خلافاتها ومصالحها المتباينة والتركيز على مواجهة الحوثيين
التعليقات