عودة يمنية خائبة إلى السويد
في العاصمة السويدية استوكهولم؛ انعقد على مدى ثلاثة أيام منتدى أسماه منظموه "منتدى اليمن الدولي"، وهي تسمية فيها الكثير من المبالغة لأن المشاركين فيه كلهم يمنيون أتوا من داخل اليمن ومن بلدان الشتات، واقتصر وجود الأجانب ومعظمهم سويديون على جلسة الافتتاح، في تحرك أقل ما يقال فيه أنه عودة خائبة لليمنيين إلى السويد.
فعلى عكس مؤتمر استوكهولم الذي انعقد أواخر العام 2018، تحت تأثير الهراوة الأمريكية، وضم طرفي الصراع في اليمن وانتهى بعد أكثر من ثلاث سنوات بتسليم الحديدة للحوثيين، فإن ما يسمى "منتدى اليمن الدولي" لا وزن سياسيا أو أمنيا له، وليس معنياً بالتوصل إلى اتفاقات أو تفاهمات بقدر ما يشكل حلقة في سلسلة من اللقاءات والمؤتمرات والندوات التي عقدت من قبل ذات المنظمين، دون أن تصل إلى أية نتيجة ولم يكن بوسعها أن تحدث نقلة نوعية في مسار السلام، لكنها بالتأكيد تواصل تحقيق هدف التطبيع مع الانقلابيين وتكريس سلطتهم، وتحويل السلطة الشرعية المعترف بها دولياً إلى أحد أضعف أطراف الصراع.
منظمو هذا المنتدى يتحدثون عن مشاركة العشرات من الشخصيات اليمنية من مختلف فئات المجتمع، لكنها في الحقيقة هي ذات الوجوه المكررة التي شاركت في ندوات ولقاءات ومؤتمرات مشابهة في عدة عواصم أوروبية، وتنخرط في نقاشات هي أبعد ما تكون عن أي التزام ذي قيمة تجاه السلام في اليمن، وإن كان منتدى استوكهولم قد استوعب فئات ناعمة جديدة مثل الفنانين.
والثابت أن القليل جداً من المشاركين سياسيون أو قادة معنيون بتحديد موقف تجاه الحرب الدائرة في اليمن، وفي كل الأحوال غير مخولين باتخاذ موقف بات. أما معظم المشاركين فإنهم عديمي التأثير، أو يقفون في المنطقة الرمادية وعينهم على الطرف الذي سيحسم الحرب لكي يذهبوا إليه ويدفعوا بحصيلة جهدهم لإسناد المنتصر.
أحد أبرز المتحدثين في الجلسة الافتتاحية للمنتدى كان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، الذي قدم إلى عاصمة بلاده استوكهولم، من العاصمة صنعاء عبر نيويورك وهو خالي الوفاض، بعد زيارة إلى صنعاء كان من المفترض أن يحدث خلالها اختراق في قضية فتح المعابر والطرقات الرئيسية المؤدية إلى مدينة تعز، ليكتفي بإحاطة مجلس الأمن بتعثر مهمته.
الأطراف المعنية بالصراع في اليمن تكاد تضيق دائرتها لتشمل فقط التحالف العربي وتوابعه وإيران وتوابعها، وهؤلاء وبتأثير ملفات إقليمية إلى جانب الأجندة الأمريكية توصلوا إلى اتفاق لعقد هدنة ها هي تدخل شهرها الثالث، ويمكن للمبعوث الأممي السويدي الأصل أن يدعي بأنه أحد مهندسيها، والأمر ليس كذلك بكل تأكيد.
هذا النوع من الملتقيات المدعومة من دول الاتحاد الأوروبي، تواجه تحدي التمثيل المتوازن، الذي يفترض أن يستوعب الممثلين الفعليين للشعب اليمني، والمعبرين عن مواقف ومشاريع سياسية عصية على التطويع، مما يضطر المنظمين إلى تأمين الحد الأدنى من التنوع الشكلي، في مدخلاتها والمشاركين فيها؛ لأن هدف مثل هذه الملتقيات في تقديري، هو تكريس مبدأ التطبيع مع الانقلابيين والجماعات الطائفية المسلحة، والعمل على صهر وإعادة تدوير وإنتاج طبقة سياسية نخبوية متصلة بالأجندات الغربية، ومنفصلة وغير متصالحة مع هويتها وأولوياتها الوطنية، بحيث تخلص المهمة إلى ترشيح هذه الشخصيات للعب دور في مستقبل الدولة اليمنية الذي لم تتحدد آفاقه أو ملامحه بعد.
لا مجال جغرافي ينافس أوروبا في القدرة على جمع الأطراف في كل ساحات الصراع المشتعلة في منطقتنا ومنها اليمن، رغم التورط الواضح لأوروبا في تجريد القوى الفاعلة في ساحات الصراع من القدرة على إدارة الصراع، أو حسمه بالكيفية التي تتفق مع المصالح العليا لبلدانها.
واللافت أن الجميع يذهب إلى أوروبا دون تحفظ وعن طيب خاطر، فيما تتبدى الصعوبات والعراقيل غير القابلة للحل، إذا ما تقرر عقد اجتماع لأهل الحل والعقد في أوطانها أو حتى في إحدى عواصم الإقليم، ودليلي على ذلك المؤتمرات التي عقدت للبحث في الأزمة السورية في عدد من عواصم الإقليم، إلى حد أنها تحولت إلى أحد أهم مظاهر الانقسام وأنتجت منصات منفصلة.
وقد شهدنا في السياق اليمني كيف أن مؤتمري الرياض الأول (2015) والثاني (2022)، غابت عنهما أطراف أساسية في حرب اليمن، بغض النظر عن مدى مصداقية المؤتمرين وأهدافهما، في حين أن تجربة جولتي المشاورات اللتين عقدتا في الكويت في ربيع 2017 تحت أنظار المجتمع الدولي برمته؛ انتهت بالفشل بعد أن استنزفت الكثير من طاقة الراعي الكويتي المادية والمعنوية.
لا أعتقد أبداً أن السويد التي تدعم تنظيمات إرهابية انفصالية في تركيا تتصرف خارج قناعاتها الراسخة إزاء الأزمة والحرب في اليمن، فمن أولوياتها بالتأكيد، وهي أولوية أوروبية أيضاً، كسر إرادة الأغلبية في منطقتنا، والحيلولة دون تأسيس عهد من السلام القائم على المبادئ الديمقراطية وإرادة الأغلبية، والمتسق مع الهوية الثقافية الغالبة. وقد خبرنا دور الأوروبيين والغرب في عملية إسقاط صنعاء؛ التي كانت عملية مقصودة لتمكين عصابة طائفية موتورة ومرتبطة بإيران من الاستحواذ على الدولة، وإفشال التغيير الذي كان قد أعاد قرار الدولة اليمنية إلى شعبها.
لذلك لا شيء يضاهي النفاق الأوروبي فيما يتعلق بقضايا السلام، فلطالما ساهموا في إطالة أمد الصراعات في منطقتنا، ودعموا الدكتاتوريات، وبرروا لفجور وجرائم الجماعات الطائفية والأنظمة الأقلوية الغاشمة والديكتاتوريات، لكي تبقى منطقتنا تحت سطوة سلام القوة الغاشمة، التي تصادر كل شيء بما في ذلك الكرامة والأرزاق.
نقلاً عن عربي21
التعليقات