محافظة شبوة... لغم في معسكر الشرعية!

بعد أشهر من التوتر المكتوم، انفجرت أمس الإثنين، في محافظة شبوة جنوب شرقي اليمن، الخلافات بين قوات الجيش التابعة للحكومة اليمنية، وقوات العمالقة و"دفاع شبوة" (النخبة الشبوانية سابقاً) المحسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، وتحولت إلى اشتباكات مسلحة، اندلعت في مدينة عتق، مركز المحافظة، مسفرة عن قتلى وجرحى.

ويعيد مشهد الاشتباكات أمس إلى الأذهان ما دار في سبتمبر/أيلول 2019، عندما خاضت القوات الحكومية معركةً حاسمة مع "النخبة الشبوانية"، الجناح العسكري لـ"الانتقالي الجنوبي"، استعادت بموجبها السيطرة على المحافظة. ويبدو أن قوات "الانتقالي" تريد وضع حد لذلك، مستفيدة من التحولات في المحافظة، خصوصاً بعدما أقيل محافظها السابق محمد صالح بن عديو قبل تسعة أشهر، وعُيّن عوض ابن الوزير العولقي مكانه، والذي عمد منذ ذلك الحين إلى تمكين "النخبة الشبوانية" (دفاع شبوة) وقوات العمالقة، ما ساهم في التوتر مع القوات الخاصة، قبل أن تنفجر اشتباكات مسلحة.

وتكمن أهمية تطورات شبوة، الغنية بالنفط والغاز، في أنها تعد أول مواجهة بين قوات حكومية وأخرى مدعومة من "الانتقالي" منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي (نقل إليه الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي كافة صلاحياته، وأعلن عن تشكيله في 7 إبريل/نيسان الماضي)، وسط ترقب لتداعيات الأحداث على تماسك المجلس. ويأتي ذلك خصوصاً في ظلّ التغييرات الواسعة في مؤسسات الدولة، التي يرى مراقبون أنها تصب لصالح تمكين المجلس الانتقالي الجنوبي بشكل رئيسي.

وفي السياق، عقد مجلس القيادة الرئاسي، أمس الإثنين، اجتماعاً طارئاً خصصه لبحث المستجدات في شبوة. وبحسب ما ذكرت وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" بنسختها التي تديرها الشرعية، استمع مجلس القيادة إلى إحاطات الأجهزة المعنية حول التطورات والجهود الجارية لاحتوائها، واتخذ بشأنها عدداً من القرارات الكفيلة بإنهاء أسباب التوترات، وضمان عدم تكرارها مستقبلاً. وقرّر المجلس إقالة كلّ من قائد فرع قوات الأمن الخاصة، العميد عبد ربه محمد لعكب، وقائد محور عتق، قائد اللواء 30، العميد عزيز ناصر العتيقي، والمدير العام لشرطة محافظة شبوة، العميد عوض مسعود الدحبول، وقائد اللواء الثاني دفاع شبوة، العقيد وجدي باعوم الخليفي، وهي قرارات دخلت حيّز التنفيذ فور إعلانها. وتشير هذه القرارات التي شملت قيادات محسوبة على المجلس الانتقالي الجنوبي و"الإصلاح" والحكومة، إلى أن قوات "العمالقة" تعد أكبر المستفيدين من التطورات الأمنية الأخيرة.

وفي وقت لاحق، صدرت قرارات عن العليمي قضت بتعيين العميد الركن فؤاد محمد سالم النسي مديراً عاماً لشرطة محافظة شبوة، والعقيد مهيم سعيد محمد ناصر قائداً لقوات الأمن الخاصة فرع محافظة شبوة، والعميد الركن عادل علي بن علي هادي قائداً لمحور عتق وقائداً للواء 30 مدرع.

 

يحاول "الانتقالي" الاستفادة من تعيين محافظ جديد لشبوة

وكانت معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، قد أكدت قبل صدور القرارات أن نواب رئيس مجلس القيادة الرئاسي برئاسة رشاد العليمي يضغطون للتهدئة، لكن آراءهم منقسمة حيال كيفية تحقيق ذلك بما يعكس الاختلافات السياسية القائمة. وذهب الرأي الأول الذي تقوده شخصيات من جماعة "الإصلاح" ومن أعضاء حزب المؤتمر العام، تحديداً الجناح الموالي للرئيس السابق عبد ربه منصور هادي ورئيس مجلس الشورى اليمني أحمد عبيد بن دغر، إلى ضرورة وقف عمليات التصفية والإزاحة لقادة الجيش والأمن في شبوة، والتوقف عن تمكين قوات "دفاع شبوة" التابعة لـ"الانتقالي". ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن ما يحدث اليوم في المحافظة سببه تصفية قائد قوة التدخل السريع في شبوة لشقم الباراسي العولقي المتزامنة مع إقالات لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية التي وقفت، في وقت سابق، ضد الوجود الإماراتي وقوات "الانتقالي".

في المقابل، دفع التيار الثاني الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي وجناح المؤتمر التابع لعائلة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، لإقالة قادة التشكيلات العسكرية والأمنية في شبوة، وحاول تصوير القوات الحكومية متمردةً. كما طالب هذا التيار بإقالة وزير الداخلية إبراهيم علي حيدان الذي أوقف إقالات قادة الأمن في شبوة من قبل المحافظ المحسوب على "الانتقالي" و"المؤتمر" والإمارات، بحسب اتهامات نشطاء "الإصلاح".

وبحسب مصادر مطلعة على طبيعة الأفكار المتداولة، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن العليمي وعدداً من النواب يدركون أن محاولة إخراج قوات الشرعية من المشهد في شبوة تفسح الطريق للسيطرة المنفردة لـ"الانتقالي"، وبالتالي يتكرر المشهد الموجود في عدن. كما أن "الانتقالي" يدرك أن قوته بشكل عام، وفي شبوة خصوصاً، لن تكتمل إلا بتغيير قادة الجيش والأمن في المحافظة ممن هم غير موالين له. ويعتقد "الانتقالي" أنه طالما يحظى بموقع الشريك، لا المتحكم في شبوة، فسيبقى موقفه ضعيفاً، خصوصاً أنه لا يملك السيطرة على أي من محافظات الثروة في اليمن.

 

شرارة أحداث شبوة: محاولة اغتيال قائد أمني

وبدأت شرارة الأحداث الأخيرة في 19 يوليو/تموز الماضي، عندما نصبت قوات "دفاع شبوة" كميناً وسط الشارع العام في مدينة عتق، استهدفت فيه موكب قائد قوات الأمن الخاصة العميد عبد ربه لعكب، ونتج عن العملية مقتل اثنين من حراسة الأخير وإصابة آخر. ويعرف عن لعكب أنه دخل في مواجهات مباشرة مع "النخبة الشبوانية" في سبتمبر 2019.

ضجّ الشارع في المحافظة مستنكراً محاولة الاغتيال. ونشرت المحال التجارية المحاذية للشارع العام، الذي وقعت فيه محاولة اغتيال لعكب، مقاطع فيديو تظهر العملية بوضوح. بعد ذلك، أحيلت الأحداث إلى لجنة تحقيق كُلّفت من قبل المحافظ عوض ابن الوزير العولقي للتحقيق في مجرياتها. إلا أن اللجنة نشرت بعد أسبوع بياناً لم تدن فيه من قام بعملية الاغتيال، بل تحدثت بصورة عامة، وأوقفت متسببين اثنين، بحسب ما أشارت في بيانها، بالتوترات السابقة بين قوات "دفاع شبوة" والقوات الخاصة الموجودة في مدينة عتق. وتحدثت اللجنة عن إيقاف كل من العميد لعكب قائد قوات الأمن الخاصة، واللواء في "دفاع شبوة" وجدي الخليفي، لإنهاء حالة التعبئة العامة بين الطرفين وحلّ المشكلات بشكل جذري.

وبحسب مصدر متابع للوضع الأمني في شبوة، تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن "بيان الجلسة التي أوقفت المعتدى عليه وساوت بينه وبين المعتدي، بيان ضعيف، ورمى بشبوة اليوم إلى عمق الصراع". واعتبر أن "الجلسة، لو دانت من قام بمحاولة الاغتيال بحسب الإجراءات القانونية، لما شهدنا الانفجار الذي يحدث اليوم".

عقب ذلك، ظهر عوض ابن الوزير في 25 يوليو الماضي، في اجتماع للجنة الأمنية، تحدث فيه عن أن وجود قوات "دفاع شبوة" كشف له الانفلات الأمني الذي لم يكن ظاهراً في السابق، وعن جهود هذه القوات "في ضبط الأسلحة والأمور التي لم تكن تظهر في السابق".

وفي ظلّ أجواء التوتر، نشر المحافظ قبل أيام قرار إقالة لعكب، ما قوبل بالرفض من قبل وزير الداخلية اليمني إبراهيم علي حيدان، الذي اعتبر ذلك تجاوزاً. نتيجة لذلك، اندلعت التوترات الجديدة التي دخلت فيها القوات السعودية، يوم الخميس الماضي، وسيطاً بين قوات "دفاع شبوة" والمحافظ، وبين القوات الحكومية، لحل الأزمة، لكنها فشلت.

وخلال الأيام الماضية، غادر مسؤولون من داخل مكتب المحافظ إلى قراهم، بينما ظل المحافظ في مبنى المحافظة الحكومي. وأثيرت التساؤلات عن سبب مغادرة السكرتارية والمسؤولين الموالين له، مع إرسال قوات عسكرية وأسلحة إلى مطار عتق الذي تسيطر عليه الإمارات. لكن الأمور اتضحت ليل أول من أمس الأحد، عندما حاصرت قوات من "العمالقة" و"دفاع شبوة" منزل العميد عبد ربه لعكب، وسط عتق، بالمدرعات والأسلحة الثقيلة. واستمر الحصار حتى قبيل منتصف فجر الإثنين، إلا أنهم تراجعوا بعد توجيهات من مجلس القيادة الرئاسي، وعادوا أدراجهم.

ومع الساعات الأولى من يوم أمس الإثنين، استهدف كمين مسلح، نصب لقائد التدخل الخاص في محور عتق، لشقم الباراسي العولقي، ما أنهى حياته. عقب ذلك، اندلعت مواجهات بالسلاح الثقيل بين القوات الحكومية التي تشكل حوالي سبع قوى، مقابل قوتي "العمالقة" و"دفاع شبوة" المدعومتين إماراتياً. وأجبر ذلك المحافظ على الفرار خارج عتق، وقالت مصادر "العربي الجديد" إنه توجه إلى ميناء بلحاف الذي تسيطر عليه القوات الإماراتية.

 

المحافظ الجديد... استقدام "دفاع شبوة" ودور في إثارة النعرات

ومنذ تعيين عوض ابن الوزير محافظاً جديداً لمحافظة شبوة اليمنية في ديسمبر/كانون الأول 2021، مرّت المحافظة بالعديد من الأحداث الأمنية والعسكرية، أبرزها تحرير 3 مديريات نفطية كانت قد وقعت بيد جماعة الحوثيين في سبتمبر الماضي، وهو السبب الأول الذي أتى لأجله ابن الوزير، ووجه نداءه لكافة أبناء شبوة في اللقاء الأول الذي دعا إليه منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2021، في مديرية نصاب التي ينتمي إليها، وذلك قبل تعيينه محافظاً.

ومع أن شبوة عاشت حالة من الاستقرار، خصوصاً بعد سيطرة الحكومة الشرعية على المحافظة بعد معركتها مع "النخبة الشبوانية"، الجناح العسكري لـ"الانتقالي"، في سبتمبر 2019، إلا أن الأوضاع الأمنية عادت إلى مربع التوتر في الفترة الأخيرة، خصوصاً مع تعدد القوى الأمنية داخل المحافظة، بعد عودة "النخبة الشبوانية" بمسمى قوات "دفاع شبوة" وقوات "العمالقة"، التي كان لها دور بارز في تحرير مديريات بيحان وعسيلان والعين بداية العام، إضافة إلى القوات الأمنية والعسكرية الحكومية.

وعقب تعيين عوض ابن الوزير محافظاً لمحافظة شبوة، استقدم قوات "دفاع شبوة" إلى مدينة عتق، مركز محافظة شبوة، وهو ما خلق توتراً بين قوات "دفاع شبوة" والقوات الخاصة الموجودة في مركز المحافظة، امتداداً إلى أحداث سبتمبر 2019 عندما دخلت القوات الحكومية في مواجهات مباشرة مع "النخبة الشبوانية" في عهد المحافظ السابق محمد صالح بن عديو.

ولم تندلع التوترات بين القوات الحكومية ودفاع شبوة فقط، بل كانت تنشب بين "دفاع شبوة" وأفراد "العمالقة" الذين أصبحوا، بعد تحرير مديريات بيحان الثلاثة، قوة أمنية تتمركز في مديريات عديدة وأسسّت معسكرات في مناطق استراتيجية بالقرب من مدينة عتق عاصمة المحافظة. تُضاف إلى ذلك الاشتباكات التي تقع بين "العمالقة" والمواطنين، خصوصاً في مديريات بيحان وعسيلان والعين التي استقدمت قوة "العمالقة" لتحريرها من الحوثيين، إلا أنها غالباً ما تنتهي بسقوط ضحايا مدنيين.

ويرى المحلل الساسي الموجود في شبوة سالم المنصوري أنه يُراد للمحافظة أن تعيش نموذج مدينة عدن الجنوبية، بداية من خلال إثارة المشاكل مع الوحدات الأمنية، ثم محاولة اغتيال قادة عسكريين كان لهم دور بارز في ترسيخ الأمن في شبوة، إلا أن وضع شبوة يختلف بسبب وجود قوات حكومية متعددة داخل المحافظة، بحسب رأيه.

ويقول المنصوري إنه منذ وصول المحافظ الجديد، أثيرت النعرات القبلية، وسمح لأصحاب الثأر بالدخول بالسلاح الثقيل إلى عاصمة المحافظة ومحاصرة قرى بأكملها من دون أي رد فعل من المحافظ. ويوضح أن حوادث القتل للثأر ارتفعت إلى أكثر من 65 قتيلاً منذ وصوله، ما شكّل بداية الطريق لتفكك المجتمع الشبواني. من جهته، يقول المحلل السياسي داود لمغود إن ما يحدث في شبوة هو صراع القوى الكبرى التي تتحكم بالمشهد، ويضيف أن القوات الخاصة لو أنها دخلت بمفردها في المعركة، لكانت ستهزم، لكن المحافظة تضمّ قوى عسكرية متعددة، كالنجدة، واللواء 21 ميكا، والدفاع الساحلي والمشتركة، واللواء الثاني مشاة جبلي والثاني مشاة بحري، إضافة إلى الدعم السعودي.

أقراء أيضاً

التعليقات

أخبار مميزة

مساحة اعلانية