ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

هكذا حرك التحالفُ طائرته لضرب آخر نفوذ للدولة اليمنية في شبوة

يوم 11 آب/ أغسطس 2022، سيضاف إلى الأيام الحزينة والقاتمة من أيام اليمن المغدور، وسيتحول إلى فاصلة في تاريخ الدولة اليمنية التي يُدفعُ بها إلى الانهيار والتفكك، بتأثير القوة الجوية الغاشمة التي يستبيح بها التحالف سماء اليمن وأرضها، في ظل هدنة ضَمِنَ من خلالها سلامة الانقلابيين الحوثيين واستباح معها دماء أعدائهم؛ ممن يُفترضُ أنهم حلفاء جاءت السعودية والإمارات إلى إسنادهم ودعمهم في معركة استعادة الدولة.

الأمور تمضي بخطوات مدروسة فها هي محافظة شبوة التي تتوسط البلاد، وتكتنز جزء من ثرواتها النفطية، وتحتضن أهم مشاريع تسييل وتصدير الغاز الطبيعي المسال التي تستخرج من حقول صافر في محافظة مأرب الشمالية المجاورة، وتحتل موقعاً متحكما ومتميزاً في الحزام الجغرافي الجنوبي لليمن.. تخرج من تحت سيطرة السلطة الشرعية، أو قل من إطار المشروع الوطني الذي كانت تحرسه آخر الوحدات العسكرية والأمنية المحسوبة على اليمن في هذه المحافظة.

تعرضت هذه القوات في الأيام التي سبقت يوم الخميس (الحادي عشر من هذا الشهر)، عمليات ممنهجة لقتل قادة عسكريين وأمنيين، محسوبين على الشرعية، بعضها فشل وبعضها نجح، مما جَرَّ إلى تصعيدٍ أدارهُ محافظ المحافظة عوض الوزير المعين حديثاً في منصبه بضغطٍ كبيرٍ مارسه التحالفُ آنذاك على الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتعمد من خلاله إخراج القوات الحكومية العسكرية والأمنية في شبوة من معادلة المواجهة الحاسمة المفترضة مع جماعة الحوثي المرابطة في محافظة مأرب الشمالية المجاورة.

خاضت القوات الحكومية معركة دفاع عن نفسها؛ نجحت من خلالها في هزيمة وحدات من ألوية العمالقة الجنوبية السلفية ووحدات أخرى تعرف باسم قوات دفاع شبوة، وأخرجتها من مدينة عتق عاصمة المحافظة. وهنا تحديداً تبدت الحقيقة جلية ناصعة بشأن كفاءة هذه القوات ومصداقية ما ينسبُ إليها من بطولات ومن قدرات قاطعة على الحسم، فاقت قدرات الجيش الوطني وغطت على بطولاته وتضحياته الجسيمة التي يقدمها في أهم جبهات المواجهة مع الانقلابيين المدعومين من إيران.

شعرت أبو ظبي والرياض بالصدمة جراء الحسم السريع الذي أخرج مليشياتهما من المعادلة العسكرية والأمنية في محافظة شبوة، وتكرر مشهد الانهزام الذليل لقوات النخبة الشبوانية في منتصف آب/ أغسطس 2019، على الرغم من القدرات التسليحية الممتازة التي كانت تتمتع بها تلك القوات المدعومة من التحالف والخاضعة لقيادة إماراتية مباشرة، ومع ذلك لم تتمكن من حسم معركة الاحتفاظ بشبوة واختفت إثر تلك الهزيمة بشكل نهائي.

احتاج التحالف إلى احتواء سريع للنتيجة الحاسمة التي حققتها القوات الحكومية في شبوة، فأرسل طائراته المسيرة ووجه عبرها العشرات من الضربات المؤلمة لمعسكرات الجيش الوطني وقوات الأمن الخاصة، فدمر الآليات والمعسكرات وقتل العشرات من الضباط والجنود، في عملية غادرة وفاجرة، لم يستطع معها رغم ذلك، أن يبرهن بأن القوات التي يعتمد عليها هي بالفعل من يصنع الانتصارات العسكرية في المعارك التي يخوضها عادة لتحقيق أهداف جيوسياسية مدروسة؛ لا علاقة لها أبداً بهدف استعادة الدولة أو دعم الشرعية أو حماية اليمن من النفوذ الإيراني والمليشيات الموالية لإيران.

أكثر ما يثير الانتباه أن التحالف وأبو ظبي على وجه التحديد لم يضطر إلى تبرير ما حدث، ولم يقر حتى الآن بأنه حرك طائرات مسيرة هي التي حسمت المعركة لصالح المليشيات المسلحة التي تعمل ضمن مشروع الانفصال الموجه والمدعوم من جانب هذا التحالف.

فحينما قام الطيران الحربي الإماراتي بقصف قوات الجيش الوطني على مشارف عدن في 19 آب/ أغسطس 2019، أصدرت الخارجية الإماراتية بياناً ادعت فيه أنها كانت مضطرة لحماية قوات التحالف المتواجدة في عدن من هجمات إرهابية محتملة، وذهبت إلى حد وصف الجيش الوطني بالمليشيات الإرهابية المسلحة.

أما اليوم فإن التحالف لم يعد يقلق من النتائج، فلم يعد الرئيس الذي كانت وضعيته الدستورية تسمح له بالابتزاز أو بالتلويح بالرفض أو بممارسة بعض التذمر أو الغضب، وهو حال الرئيس عبد منصور هادي الذي كان يمارس صلاحياته الدستورية من الرياض، ومع ذلك كان ثمة قلق من تصرف أو مواقف أو بيانات تصدر عنه وتصف وتنتقد وتدين ما يحدث.

لم يعد التحالف بحاجة إلى أن يزج بنفسه سياسياً في خضم هذه الأحداث التي يتحكم بها ويديرها وينفذها ويشارك في حسمها عملياً، فقد عهد بهذه المهمة إلى مجلس القيادة الرئاسي، الذي يضم ثمانية أعضاء بينهم رئيس المجلس الدكتور رشاد العليمي، وحيث لا يمكن أن يصدر عن هذا المجلس موقف يتأسس على التوافق ويتعلق بحماية الدولة اليمنية ويدين من يستهدفها من عدوان أو مشاريع أو مخططات عدائية.

استُدعي التجمع اليمني للإصلاح مجدداً ليكون طرفاً في هذه المعركة، وحُسبتْ القوات العسكرية والأمنية الحكومية عليه وليس على الدولة اليمنية، وهو استدعاء مقصود الهدف منه ربط آخر ما تبقى من مقدرات الدولة اليمنية بحزب إسلامي لا يحظى بأي دعم أو تعاطف من قبل القوى الدولية، يأتي ذلك وسط صمت من المؤتمر الشعبي العام، ومن بقية الأحزاب الأخرى ذات النفوذ الشعبي الضئيل والتي باتت عملياً جزءا من الذكريات السلطوية القمعية السيئة.

غير أن استباحة الدولة اليمنية ورموزها ودوس أعلامها ورفع الأعلام الانفصالية في مدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، كان أبلغ من أن تبقى هذه المعركة مجرد حلقة في سلسلة من المواجهات العبثية التي يديرها التحالف على الأرض اليمني باسم مواجهة الإسلام السياسي، إذ أن معركة شبوة قد أزاحت عملياً الغطاء الشرعي وأطاحت بالدولة، وهو أمر أظهر محافظ شبوة مجرد عميل بلا مبدأ ولا قيم، وأظهر المجلس الرئاسي والحكومة والأحزاب مجرد دمى يحركها التحالف وفق أولوياته وأجنداته.

نقلا عن العربي21

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.