سرية للغاية.. وثيقة أمريكية مسربة تكشف كواليس "المفاوضات السرية" بين السعودية والحوثيين
قبل الانفراج السريع الذي توسطت فيه الصين وإيران في محادثات وقف إطلاق النار، أفادت المخابرات الأمريكية بأن المملكة العربية السعودية والحوثيين يستعدون لسياسة المناورة.
تلقي وثيقة صادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بالغة السرية؛ الضوء على ما تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في العالم: اليمن الذي مزقته الحرب التي أدت إلى وفاة حوالي 85000 طفل يمني دون سن الخامسة من الجوع منذ بدء الصراع.
وقال موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي في تقرير له - ترجمه "يمن شباب نت"-، "إن التقييم يفتح نافذة على الحسابات الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية والحوثيين، في الأسابيع الأخيرة قبل توسط الحكومة الصينية في التقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران، التي تدعم حركة الحوثيين".
ومنذ الانفراج، ورد أن السعوديين وافقوا على تنازلات أكثر أهمية مما كان معروضًا في منتصف فبراير، مما يدل على أن مسارًا مباشرًا أكثر للسلام كان متاحًا بالنظر إلى المناورة الدبلوماسية الحقيقية، وإذا نجحت محاولة وقف إطلاق النار، فإنها ستضع حداً لحرب طاحنة أوصلت اليمن إلى شفا المجاعة.
في الوقت الذي كُتبت فيه مذكرة البنتاغون السرية، بدا التحرك السريع لاتفاقية وقف إطلاق النار باقتراحًا مشبوهًا. وكشفت الوثيقة، وهي جزء من مخبأ لوثائق البنتاغون التي تم تداولها علنًا في الأسابيع الأخيرة، المفاوضات المشحونة بين المملكة العربية السعودية والحوثيين بشأن اتفاقية سلام محتملة.
وتحدثت الوثيقة عن نية المملكة العربية السعودية المزعومة "إطالة أمد المفاوضات"، وهو تذكير ينذر بالسوء بأنه حتى برغم التقدم المفاجئ هذا الشهر ، فإن السلام بعيد كل البعد عن اليقين.
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، ريبيكا فارمر، لموقع The Intercept: "تقوم وزارة الدفاع ومجتمع المخابرات بمراجعة وتقييم صحة الوثائق المصورة التي يتم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكننا لسنا في وضع يسمح لنا بتأكيد أو التعليق على أي معلومات محددة تحتويها ".
الوثيقة - التي تحمل عنوان "سري للغاية"، مع اقتصار نشرها على الولايات المتحدة وأقرب حلفائها الاستخباراتيين، تقدم لمحة تفصيلية حتى الآن عن محادثات القناة الخلفية السرية التي تتكشف بين المسؤولين الحوثيين والسعوديين.
كما أن وثيقة تحمل عنوان "المتحدث الرسمي الحوثي يتلقى تحديثاً حول المواقف التفاوضية السعودية"، تصف المفاوضات بين الأطراف حول قضية رواتب القطاع العام في اليمن. حيث لم يتم دفع الرواتب لعدة سنوات، مما جعل الدولة غير قادرة على العمل.
وحتى تحقق الإنجاز الواضح في هذا الشهر - التقى القادة السعوديون والحوثيون للمرة الأولى علنًا الأسبوع الماضي في العاصمة اليمنية صنعاء - وكانت مدفوعات الموظفين الحكوميين نقطة شائكة، ليس فقط للمملكة العربية السعودية، ولكن أيضًا لحلفائها الأمريكيين أيضًا.
واعتبرت إدارة بايدن أن مطالب الحوثيين بأن يدفع السعوديون رواتب القطاع العام، بما في ذلك العسكريون والعاملون في مجال الأمن، خارجة عن المألوف.
وفي إيجاز صحفي في أكتوبر/ تشرين الأول ، شجب تيم ليندركينغ ، المبعوث الأمريكي إلى اليمن، ما وصفه بـ "المطالب المتطرفة للحوثيين، واصرارهم على دفع الرواتب أولاً لأفراد الجيش والأمن التابعين للحوثيين". وقال إنها كانت "عتبة كان من الصعب جدًا على الجانب الآخر التفكير فيها وكانت غير معقولة تمامًا"
ومع ذلك، هذا هو بالضبط ما اتفقت عليه الأطراف منذ ذلك الحين، بعد المصالحة الصينية، حيث لم يكن الأمر ناجما عن كون الصفقة مستحيلة، وإنما لأن الولايات المتحدة لم تكن تريد ذلك.
ويوضح التقرير الاستخباراتي الذي تم الكشف عنه حديثًا أنه كانت هناك اتصالات بين الطرفين بشأن دفع الرواتب قبل أسابيع من اجتماع يوم الأحد 9 أبريل في صنعاء.
وبحسب الوثيقة، في منتصف فبراير/ شباط، أطلع السفير السعودي في اليمن محمد بن سعيد ال جابر بشكل خاص المتحدث باسم جماعة الحوثي محمد عبد السلام على موقف الرياض التفاوضي.
ووضع خيارين لدفع رواتب موظفي القطاع العام اليمني على مراحل، مما يسمح لهيئة مستقلة بتقييم قائمة الموظفين الحكوميين منذ ما يقرب من عقد من الزمن، كشرط قبل دفع رواتب جميع الموظفين.
وكما يشير تقرير المخابرات كان صبر الحوثيين ينفد، وربما لم يكن لدى السعوديين نية لعقد صفقة في ذلك الوقت. وتنص الوثيقة على أن "مصدر استخباراتي حوثي قدّر على ما يبدو أنه إذا أصدر الحوثيون" بيانًا قويًا "، فسيؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على السعوديين، حيث كان السعوديون يعتزمون إطالة أمد المفاوضات وتجنب التعهد بالتزامات حازمة"، في إشارة إلى احتمال أن يطالب الحوثيون "بقوة" بدفع الرواتب.
وحذر المستشار من أن صبر الحوثيين "أسيء فهمه" وأن السعوديين يأملون في تقليص مطالب الحوثيين تدريجياً على أساس الاعتقاد بأن الحوثيين يتعرضون لضغوط ويحتاجون إلى انفراج في القضايا الإنسانية قبل بداية شهر رمضان".
تتناقض الرواية بشكل حاد مع الخطاب العام المتفائل من إدارة بايدن في ذلك الوقت، ففي 2 أبريل، أصدر الرئيس جو بايدن بيانًا وصف فيه الذكرى السنوية الأولى للهدنة المؤقتة بأنها "معلم هام".
وعلى الرغم من انتهاء الهدنة رسميًا، إلا أن القتال الكامل بين الجانبين لم يستأنف. وقال بايدن إن الهدنة "أنقذت أرواحًا لا تعد ولا تحصى من اليمنيين" و "هيأت الظروف لسلام شامل".
في أعقاب الانفراج المدعوم من الصين، كان السعوديون على استعداد إلى حد كبير للتخلي عن وكلائهم من أجل إنهاء ما كان حربًا استنزافًا. ردت الولايات المتحدة بقلق، ودفعت الدبلوماسيين للإصرار على استمرار الضغط على حكومة الحوثيين على أمل تقويض الصفقة قيد التنفيذ.
هرع ليندركينغ إلى الرياض في 11 أبريل/ نيسان، عندما ظهرت أنباء عن اتفاق سلام، لتذكير القادة السعوديين برغبة الولايات المتحدة في مواصلة دعم وكلائهم في الحرب.
وبدلاً من ذلك، يبدو أن محادثات وقف إطلاق النار أصبحت ممكنة بسبب اتفاق من حيث المبدأ على أن المملكة العربية السعودية ستتخلى عن الحكومة اليمنية، وتتراجع عن الحصار، وكما كان يأمل الحوثيون - استخدام ثروتها النفطية الهائلة لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية اليمنيين.
ترجمة : أبو بكر الفقيه
التعليقات