تكافل اليمنيين شريان حياة يقاوم تداعيات الحرب

منذ اندلاع الحرب في أنحاء اليمن قبل سنوات، يتبنّى رجال أعمال ومغتربون مبادرات فردية وجماعية لمساعدة المواطنين اليمنيين، سواء في الأحياء السكنية بالمدن أو قرى الريف، بعيداً عن نفوذ سلطات الحرب التي تتقاسم السيطرة على مناطق البلاد، ومن دون أدنى مساعدة من منظمات الإغاثة الدولية والمحلية، وتعد المساعدات التي تقدمها تلك المبادرات للمحتاجين شريان حياة لهم، فضلاً عن دورها البارز في الحفاظ على اقتصاد البلاد.

قبل أيام من حلول عيد الفطر الماضي، وزّع تاجر يمني في إحدى المناطق الريفية بمحافظة إب (وسط) على الآلاف من الأطفال ملابس العيد، وركّز على استهداف الفقراء والأيتام، في محاولة لإدخال فرحة العيد على الأطفال الذين يصعب على أسرهم توفير ملابس جديدة لهم، في ظل توسع دائرة الفقر في البلاد بعد ثمانية أعوام من الحرب الدامية.

ويقول الناشط المجتمعي اليمني، محمد الحميدي، إن هذا التاجر الذي لا يعرف أهالي القرى هويته وزّع ملابس العيد على أطفال نحو 20 قرية في منطقة "مذيخرة" الريفية، وبلغ عدد من تسلموا ملابس نحو ثلاثة آلاف من الأطفال، ولم يرغب التاجر في الكشف عن هويته، واكتفى الموزعون بالقول إنها من فاعل خير.

وأوضح الحميدي لـ"العربي الجديد" أن "هذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها هذا النوع من المبادرات، إذ يوزع تجار ومغتربون مساعدات بشكل مستمر على الكثير من الأسر في الريف اليمني، ويكررون مساعدة الكثير من الأسر الفقيرة التي تأثرت بسبب الحرب، ليصبح التكافل الاجتماعي هو السمة الأساسية التي يعتمد عليها الآلاف في القرى الريفية".

وكشفت حادثة التدافع التي وقعت في العاصمة صنعاء، في 20 إبريل/ نيسان الماضي، عن الفقر الشديد الذي خلفته الحرب في اليمن، وقد أودت الحادثة بحياة أكثر من 85 شخصاً كانوا يتزاحمون من أجل مبلغ مالي زهيد لا يتجاوز 5 آلاف ريال يمني (نحو 10 دولارات).

بدوره، يؤكد محمد نصر، الذي ينحدر من مدينة تعز، جنوب غربي البلاد، لـ"العربي الجديد"، أن "مساهمات أهل الخير هي شريان يحفظ الحياة في اليمن. جرت في منطقتنا مبادرة مجتمعية مهمة لدفع ديون المعلمين في مدرسة القرية في البقالات، وجرى سداد مبالغ كبيرة عن عشرات المدرسين. وفي قرية قريبة بنفس منطقتنا، يسلم تجار وعدد من المغتربين رواتب منتظمة للمدرسين العاملين في عدد من المدارس، والذين انقطعت رواتبهم قبل سبع سنوات، كما قاموا بإنشاء صندوق خيري لعلاج المرضى والفقراء، وهذا يساعد الكثير من المحتاجين". يوضح نصر: "التكافل الاجتماعي بين الناس هو ما يبقي الأمل حيّاً في البلاد، وهو سبب بقاء ملايين اليمنيين في مناطقهم رغم الحرب وانقطاع الرواتب، فلولا التكافل لنزح أو هاجر الملايين كما حدث في بقية البلدان التي شهدت حروباً مشابهة".

وخلال السنوات الماضية، شكلت الحرب فئات جديدة من المحتاجين، وكانت المناطق الريفية من بين الأكثر احتياجاً، إذ كانت المكان الآمن لنزوح الكثير من المواطنين من المدن، بعضهم بسبب اشتداد الحرب في الأحياء السكنية، وآخرون بسبب عدم مقدرتهم على توفير متطلبات الحياة الاستهلاكية في المدينة، ومن بينها إيجارات المنازل، أو بسبب انقطاع رواتبهم.

وجعلت الأوضاع المعيشية المتدهورة فئات واسعة من المجتمع تحت خط الفقر، يعيشون بالحد الأدنى من الأساسيات، كما تسبب انهيار الدولة في حرمانهم من الكثير من الخدمات التي كانت تقدم بتكلفة معقولة، ومن بين الفئات التي دخلت إطار الحاجة الأكاديميون والمعلمون والموظفون الحكوميون، وجميعهم انقطعت رواتبهم، واضطروا إلى بدائل صعبة لتوفير نفقات معيشتهم.

يقول الباحث الاجتماعي، سليم مصطفى، لـ"العربي الجديد": "دمرت سنوات الحرب ما تبقى من الطبقة الوسطى في المجتمع، والتي كان لها دور بالغ الأهمية في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وربما تعد تلك إحدى الكوارث الكبيرة التي أفرزتها الحرب، وستكون لها تبعات على المستقبل لأن نخبة المجتمع أصبحوا فقراء".

يضيف مصطفى: "خلال السنوات الماضية، تحوّل عاملون في قطاعات عدة إلى مهن أخرى بعيدة عن مهنهم التقليدية، من بينهم المعلمون، وحتى الصحافيون، والكثير من هؤلاء أصبحوا يعتمدون في المعيشة على مبادرات التكافل الاجتماعي التي توسعت، بالإضافة إلى دعم المنظمات الإغاثية".

ويرى العامل في المجال الإنساني سامي عبد المجيد أن "تراجع المساعدات سببه أن العالم لم يعد اليمن أولوية بالنسبة له، بالإضافة إلى أن قيود الحوثيين جعلت الكثير من المنظمات تبحث عن مناطق بديلة للعمل، وهذا أثر على كثير من المحتاجين للمساعدات". مضيفاً لـ"العربي الجديد": "يفرض الحوثيون على التجار في مراكز المدن أن يوزعوا المساعدات والصدقات عبر أجهزتهم، وحتى المبادرات الشبابية التي كانت توزع مساعدات، وتعتمد على المغتربين في تمويلها، لا تستطيع العمل من دون إشرافهم، رغم انها كانت تعمل بشكل كبير على تخفيف معاناة الناس". 

وترى سلطات جماعة الحوثي ضرورة في أن يتم توزيع المساعدات عبر المؤسسات التابعة لها، من أجل تنظيم التوزيع، وضمان توزيعها بالتساوي. في المقابل، يعتقد ناشطون وعاملون في المجال الإنساني أن الجماعة تستغل المساعدات في الحرب، وفي تقرير صادر عام 2018، اتهم برنامج الغذاء العالمي جماعة الحوثي بأنهم "يسرقون الغذاء من أفواه الجائعين".

 ووفق تقديرات أممية، يحتاج 17 مليون يمني إلى مساعدات إنسانية، ورغم ذلك تحدثت مساعدة الأمين العام للشؤون الإنسانية جويس مسويا، في منتصف مارس/ آذار الماضي، خلال إحاطتها لمجلس الأمن، عن أخبار إيجابية، وقالت إن "عدد الجوعى في اليمن تقلص بنحو مليوني شخص، وبدأ تراجع مؤشر تقييم الأمن الغذائي من الدرجة الخامسة، وهي الأعلى، ونأمل في أن يصل إلى الصفر".

وشددت المسؤولة الأممية على أن "اليمن ما زال يمثل حالة طوارئ هائلة، ولكن في كثير من الأحيان، لا تمتلك الوكالات الأممية ما تحتاجه لتوفير المساعدة"، مشيرة إلى أن "التحديات المتعلقة بالوصول، والأمن، والتمويل، والمشاكل الاقتصادية تدفع المزيد من الناس إلى حالة العوز".

 

 

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية