الحرب في اليمن.. كيف نفهم "صخب" ما قبل العاصفة؟

لأكثر من عام والحرب في اليمن تمر بمرحلة خفّضت فيها المدافع تصعيدها بشكل رسمي مع بعض الاشتباكات المحدودة هنا أو هناك، وصاحبَ ما يسمى خفض التصعيد مشاورات كادت أن تصل إلى اتفاق تفاءل المراقبون بجدواه، إلا أن الاتفاق تعثر، وعلى الرغم من ذلك ما زالت الهدنة غير الرسمية مستمرة، مع تصاعد تهديدات الحوثيين باستئناف هجماتهم خلف الحدود؛ ليبقى التفاؤل المشوب بالحذر من إمكانية استئناف العمليات العسكرية في أي وقت.

من الطبيعي القول إن هذا الهدوء لن يستمر في ظل توقف قنوات المشاورات، بل إن انقطاع قنوات التواصل بين الحوثيين والسعودية يجعل استئناف الحرب محتملا؛ لكن هل سيستأنف الحوثيون هجماتهم خلف الحدود، أم أن الحرب عندما تعود ستقتصر على جغرافية اليمن فقط؟ لكن في حال تجددت الحرب بين اليمنيين فقط فإن كارثيتها ستكون أشمل مما سبق؛ لأنها ستشمل البلاد كلها، وبالتالي ستتحول البلد إلى جبهة واحدة، ولن ينتصر طرف، لكن في الوقت ذاته سيذوب ما تبقى من البلاد، وسيذهب اليمن في طريق لا عودة منه إلا بعد عقود.

في آخر تصعيد للحوثيين أوضح نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن في حكومة الإنقاذ (غير معترف بها) جلال الرويشان، الخميس، "أنه لا رد سعوديا حتى اللحظة لحسم الملف الإنساني بعد مفاوضات رمضان" ونقلت عنه قناة "المسيرة" الناطقة باسم الحوثيين قوله: "تقديراتنا تشير إلى أنهم يحاولون كسب الوقت".

واعتبر "أن المفاوضات الجارية مع الطرف السعودي بوساطة عمانية في وضعها الحالي تبقى محاولات لتحقيق السلام قابلتها صنعاء بإيجابية".

وهدد الرويشان بـ "القدرة على التحكم عسكريا بالموانئ السعودية وتدفق رؤوس الأموال إليها" محذراً مما اسماه "المماطلة السعودية".

انطلاقا مما سبق يذهب مراقبون إلى ترجيح احتمال تمدد الحرب إلى خارج الحدود، مشيرين إلى أطراف إقليمية لها ميليشيات في الداخل اليمني، وهذه الميليشيات ستكون جزءا من المعركة، وبالتالي فإن الدول التي تدعمها قد لا تبقى طرفا غير مباشر في الحرب، أي أنها لن تكون بعيدة من حلقة النار، ما يجعل احتمال تمدد الحرب خارج الحدود واردا أيضا.

لكن السعودية باتت مؤمنة بجدوى خروجها من مستنقع هذه الحرب وفق توصيف بعضهم، بهدف التفرغ لمشروعها التحديثي، لكن في حال استأنف الحوثيون هجماتهم في عمق المملكة؛ فما سيكون عليه رد المملكة؟ إذ إن هذا قد يقودها إلى الحرب مجددا، لكن ما زالت ملامح الحرب المتوقعة، وفق هذه الاحتمالات، غير واضحة.

 إلا أن ثمة قراءة ترى أن هناك ما يعوق تجدد الحرب بمسرحها الواسع، فالسعودية تريد توقف الحرب، لأنها باتت مقتنعة أن الحرب هناك بلا جدوى، ولن تنتهي بانتصار عسكري، كما أن ما تبقى من الفترة المتاحة لمشروع رؤية 2030 يجعلها منحازة لمشروعها قبل أي ملف آخر، والعامل الآخر أن السعودية تمتلك تأثيرا على المجتمع الدولي والإقليمي، وبالتالي يمكنها اقناعهم بأهمية توقف الحرب مع المراهنة إلى أن الحوثيين يمكن أن يكونوا أكثر تعقلا قبل التفكير باستهدافها هذه المرة، لكن يبقى السؤال الصعب: هل وصلت الحرب إلى مرحلة استنزفت كل أهدافها؟ وعلام ستتوقف؟ وهو سؤال يبدو كبيرا، كما تبدو إجابته غير واضحة حتى اللحظة.

لكن السؤال الأهم هو عن مدى إمكانية استئناف الحرب في ظل الهدوء (الصاخب) الذي يكلل المرحلة الراهنة منذ أكثر من عام، وهو ما يمكن معه تقديم قراءة بمزيد من الاحتمالات.

يقول الباحث السياسي اليمنيّ مصطفى ناجي الجبزي لـ "القدس العربي": "لا يمكن الجزم بعدم عودة الحرب؛ لأن الصيغة الحالية، وهي هدنة غير رسمية، تتسم بهشاشة بالغة، وتتعرض لخروقات يمكن مع الوقت أن تتحول من كمية إلى نوعية".

ويضيف مصطفى ناجي: "لا يمكن إنكار وجاهة انخراط دول الإقليم في الحرب في إطار الصراع الإقليمي من ناحية، والغطاء القانوني الذي تمنحه الحكومة الشرعية للتحالف العربي. إلا أن إدارة الحرب من طرف التحالف اتسمت بالمغامراتية. وكذلك السلام. لذا استئناف الحرب وارد".

فيما يتعلق بالسعودية ومدى إمكانية مشاركتها في الحرب في حال استئنافها يقول مصطفى: "كانت السعودية قد خفضت انخراطها منذ 2019 واقتصرت غاراتها على مناطق التماس والدفاع عن مأرب أو شبوة لفترة طويلة، ولم تقصف صنعاء إلا للرد على مسيرات حوثية وصلت الداخل السعودي أو الإماراتي. ها هو الحوثي يهدد مجددا بضرب منشآت سعودية، وإن كان حديثه ضمن الابتزاز إلا أنه يجب أخذه بجدية".

وفي قراءته لواقع إدارة الحرب في اليمن في عامها التاسع يذهب مصطفى إلى أن "واحدا من أوجه سوء إدارة الحرب في اليمن كان التقاعس عن إنشاء منظومة عسكرية وأمنية موحدة والركون إلى أشباه الجيش لتفادي الفساد المؤسسي وتفضيل التعامل المباشر مع الجنود دون العبور على هرمية القيادة اليمنية".

واعتبر "الجماعات المسلحة متعددة الانتماءات تمثل عائقا كبيرا أمام إعادة التلاحم الوطني وبناء مؤسسات على أسس مهنية".

في المحصلة ما زالت الاحتمالات مشرعة لاستئناف الحرب في اليمن، وفي حال استئنافها سيكون مداها مفتوحا بلا شك، لكنها قد تذهب بالبلد أبعد مما هي عليه الآن بكثير.

 

(صحيفة القدس العربي)

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية