الصواعق الرعدية في اليمن.. حرب مع كائنات لا مرئية

ليس للحقيقة العلمية مكان في التفسير الشعبي الذي يرى في الصاعقة الرعدية حرب مع كائنات لا-مرئية (عيّنة خاصة من الجن)، تتحرك في اللحظات الأولى من سقوط المطر، محاوِلةً الحيلولة دون استمراره باستفزازات معينة.

تضع الرؤية الشعبية هذه الاستفزازات ما بين التعري وبين القهقهة الساخرة، فتأتي الصواعق الرعدية غضباً إلهيّاً على هؤلاء الجن، تلاحقهم حتى تقضي عليهم كلهم، ومن ثم يسقط المطر بغزارة.

أحدث الأخبار الخاصة بالأضرار البشرية التي تخلّفها الصواعق الرعدية في اليمن، حمله يوم الثامن من تموز/يوليو الحالي، مشيراً إلى 3 حالات وفاة في محافظة تعز، وحالتي وفاة و3 حالات إصابة في محافظة حجة. ومثله كان خبرٌ سابق ـــ في 23 حزيران/ يونيو الفائت - قد أشار إلى وفاة شخص وإصابة 3 آخرين في محافظة المحويت.

تأتي أخبار هذه الضحايا في مستهل موسم الأمطار السنوية في اليمن، والذي يمتد في الفترة ما بين (أيار/ مايو وأيلول/سبتمبر). فلم يحن بعْدُ شهر آب /أغسطس، الذي ترتفع فيه نسبة سقوط الأمطار، كما يرتفع فيه عدد الضحايا. ففي يوم واحد منه -في العام المنصرم 2022- خلّفت الصواعق الرعدية في اليمن 13 حالة وفاة، وو21 حالة إصابة.

 

صواعق التغيرات المناخية

من أبرز آثار التغيرات المناخية في اليمن سقوط الأمطار بغزارة غير معهودة، فقد كان العام الفائت 2022 هو العام الأكثر مطراً منذ حوالي 40 عاماً، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. وفي تشرين الأول /اكتوبر 2022 نشر المركز الأمريكي "سيفيك" تقريراً، أشار فيه إلى أنه في السنوات الأخيرة، أصبحت الظواهر الجوية المتطرفة أكثر تواتراً في اليمن، بما في ذلك الأعاصير والأمطار الغزيرة والفيضانات المدمرة.

وفي الثاني عشر من آب/اغسطس من العام نفسه، أعلنت الأمم المتحدة عن مصرع 77 شخصاً جراء أمطار غزيرة وفيضانات، وأشارت إلى أن أكثر من 35 ألف أسرة يمنية، في 85 مديرية ضمن 16 محافظة من أصل 22 محافظة، تضررت من الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات المدمرة، منذ منتصف تموز/ يوليو وحتى منتصف آب/أغسطس من العام ذاته.

ويربط خبراء الأرصاد الجوية بين هذه التغيرات المناخية وبين نسبة الارتفاع الملحوظة في أعداد ضحايا الصواعق الرعدية في اليمن. وفي سياق ذلك، يأتي التقرير، الذي أعده الصحافي اليمني مازن فارس، ورصد فيه وفاة وإصابة 173 شخصاً خلال الأعوام الثلاثة (2020 - 2021 - 2022)، كما أرفقه برسم بياني تفاعلي، وضّح فيه توزيع هذه الإحصائية. ففي العام 2020 بلغت حالات الوفاة 11 حالة، والإصابات 9 حالات. وفي العام 2021، كان عدد حالات الوفاة 30 حالة، والإصابات 49 حالة. أما العام 2022، فقد بلغت فيه حالات الوفاة 29 حالة، وحالات الإصابة 45 حالة.

في العام 2022 خلّفت الصواعق الرعدية 13 حالة وفاة، و21 حالة إصابة. وفي آب/اغسطس من العام 2022، أعلنت الأمم المتحدة عن مصرع 77 شخصاً جراء أمطار غزيرة وفيضانات، وأشارت إلى أن أكثر من 35 ألف أسرة في 16 محافظة من أصل 22 محافظة، تضررت من الأمطار الغزيرة والسيول والفيضانات المدمرة، منذ منتصف تموز/ يوليو وحتى منتصف آب/أغسطس من العام ذاته.

وعلى ذلك، فلم يزل الوصول إلى إحصائية دقيقة لضحايا الصواعق الرعدية في اليمن أمراً بعيد المنال، إذ تقف وراء ذلك عوامل متعددة، يشملها غياب قاعدة بيانات إحصائية رسمية بأعداد الضحايا كل عام، وكذلك صعوبة وصول الأخبار عمّا تخلّفه كل صاعقة رعدية من أضرار بشرية إلى وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية.

فمثل هذا النوع من الأضرار، غالباً ما يقع في المناطق الريفية والنائية، حيث رداءة خدمة الاتصالات، وغياب التنسيق الفاعل بين وسائل الإعلام وبين المصادر المحلية، بما فيها تلك المصادر المتفاعلة على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

بين الحقيقة والتفسير الشعبي

لا تخرج الصاعقة الرعدية -في حقيقتها العلمية- عن أنها نتيجة لحالٍ من التفريغ الكهربائي، الذي يحدث على سطح الأرض، بين سحابة ذات شحنات كهربائية موجِبة وبين سحابة أخرى ذات شحنات كهربائية سالبة، فتظهر تلك الشرارة الضخمة من الضوء (البرق)، التي يعقبها الصوت الانفجاري (الرعد).

ليس لهذه الحقيقة العلمية مكان في التفسير الشعبي، الذي لا يرى في الصاعقة الرعدية سوى حرب مع كائنات لا مرئية (عيّنة خاصة من الجن)، تتحرك في اللحظات الأولى من سقوط المطر، محاوِلةً الحيلولة دون استمراره باستفزازات معينة. تضع الرؤية الشعبية هذه الاستفزازات ما بين التعري وبين القهقهة الساخرة، فتأتي الصواعق الرعدية غضباً إلهيّاً على هؤلاء الجن، تلاحقها حتى تقضي عليها كلها، ومن ثم يسقط المطر بغزارة.

ومن تفاصيل هذا البُعد الثقافي الشعبي، أن بعضاً من تلك الكائنات يحاول النجاة، باقتحامه المنازل ذات الأبواب أو النوافذ المفتوحة، لكنه لا يفلت من الصاعقة، فهي لا تتركه إلّا وقد فتكت به، وبمعية قضائها عليه يحدث أن يصاب أي شخص متواجد تلك اللحظة في دائرة استهدافها المحيطة بالكائن الهارب.

وتقضي الرؤية الشعبية في هذه الحال بعدم لمْس الشخص المصاب، وضرورة تركه لحظاتٍ، حتى يتعرض لصاعقةٍ رعدية ثانية، ستعيد إليه حاله التي كان عليها قبل الصاعقة، فتكون لهذا السلوك سلبيته في حرمان المصاب مما يحتاج إليه من إسعافات أولية عاجلة، قد يؤدي تأخيرها إلى وفاته!

يمثّل التفسير الشعبي تعزيزاً لمكانة العاملين في الطب الشعبي، وبوجه خاص أولئك الذين يربطون عملهم بادّعائهم امتلاكَ قدرات الاستعانة بالكائنات غير المرئية وما يتعلق بها. من ذلك ما يتردد عن القدرة الخارقة التي من خلالها يتمَكّن بعض أولئك من مشاهدة تفاصيل المعركة وأحوال كائناتها اللامرئية، وهي تهرب من الصواعق الرعدية التي تتوالى بسرعة خاطفة غير مبقية على أيٍّ من أهدافها.

يروي الناس عن شجاعة المداوي الشعبي خارق القُوَى، في عدم تفريطه بمثل تلك الفرصة الثمينة، إذ يهرع مسرعاً إلى أقرب مكان شاهد فيه نهاية كائنٍ من هذه الكائنات، فيأخذ شيئاً من جلده أو شعره أو لحم جسده، ويحتفظ به، ثم يقوم بإضافته إلى بعض وصفاته الدوائية، فيضفي عليها جودة وفاعلية استثنائية!

وفي تداعي الذهنية الشعبية مع هذا التفسير الشعبي، يأتي الحرص على إحكام وإغلاق الأبواب والنوافذ، في اللحظات الصاخبة بأصوات الرعد وشرارات البرق، وهو تداعٍ منطوٍ على جهلٍ بالسبب الحقيقي الذي يقف وراء ضرب الصاعقة الرعدية للمنازل، والكامن في خصائص بعض المنازل، وبوجه خاص الشعبية منها، غير المزوّدة بوسائل الحماية الكفيلة بامتصاص الصاعقة الرعدية إلى الأرض.

فحينما تضرب هذه الصاعقة منزلاً مزوّداً بوسائل حماية، فإنها تنتقل فيه عبر السباكة والأسلاك، إلى قضبانٍ تنقل بأمان كل تلك الشحنة الكهربائية إلى الأرض.

وفي سياق آخر، يمثّل هذا التفسير الشعبي تعزيزاً لمكانة العاملين في الطب الشعبي، وبوجه خاص أولئك الذين يربطون عملهم بادّعائهم امتلاكَ كرامات وقدرات الاستعانة بالكائنات غير المرئية وما يتعلق بها.

من ذلك ما يتردد في المحكي الشعبي عن القدرة الخارقة، التي من خلالها يتمَكّن بعض أولئك من مشاهدة تفاصيل المعركة وأحوال كائناتها اللامرئية، وهي تلهث هرباً من ملاحقة الصواعق الرعدية، التي تتوالى بسرعة خاطفة غير مبقية على أيٍّ من أهدافها.

ومن ثم شجاعة المداوي الشعبي خارق القُوَى، في عدم تفريطه بمثل تلك الفرصة الثمينة، إذ يهرع مسرعاً إلى أقرب مكان شاهد فيه نهاية كائنٍ من هذه الكائنات، فيأخذ شيئاً من جلده أو شعره أو لحم جسده، ويحتفظ به، ثم يقوم بإضافته إلى بعض وصفاته الدوائية، فيضفي عليها جودة وفاعلية استثنائية!

 

(السفير العربي)

 

 

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية