أحداث لا تُنسى: كيف أطاحت ثورة سبتمبر بحكم الإمامة؟
باحثون وكتاب: تحريف الحوثيين لأهداف ثورة 26 سبتمبر تأكيدا على مشروعها الامامي

يوم بعد آخر، تكشف مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، عن حقيقتها الكهنوتية وامتدادها لنظام الإمامة البائد، وآخرها قيامها بحذف فقرة "إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات" من الهدف الأول لثورة 26 سبتمبر المجيدة في كتاب التربية الوطنية للصف الخامس. إضافة إلى تغييرات أخرى في بعض أهداف الثورة اليمنية الأم كحذف ما يتصل بالتحرر من مخلفات الاستبداد والاستعمار.

باحثون ومتخصصون أكدوا أن هذه الخطوة تعكس الهدف الحقيقي للمليشيا الحوثية وسعيها الحثيث لإعادة إنتاج الماضي واستعباد اليمنيين وتقييد الحريات والمواطنة المتساوية التي جاءت بها ثورة سبتمبر. مؤكدين أن هذا مؤشرًا على زوال المليشيا الحوثية كأسلافها.

تقول الكاتبة والباحثة الدكتورة لمياء الكندي، إن عقدة التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتها والقضاء على التمييز الطبقي تظل عقدة محورية في السلوك العام للحركة الحوثية. ولذا كان إلغاء هذا البند أو الهدف الأول من أهداف الثورة هو وسيلة متعمدة لتغييب الوعي الجماعي للأجيال القادمة بحقوقهم وحريتهم.

وأضافت الكندي، :الحركة الحوثية تقوم على الاستبداد والتمييز العنصري، الذي يتجلى في سلوكياتها وممارساتها العامة، والتي تسعى بقوة قهرية إلى تطبيع استبدادها في الحياة العامة وقبول الجماهير لاستبدادها كضرورة لحفظ الأمن وسيادة الدولة، وتقبل عنصريتها الطبقية كجزء من المسلمات الاجتماعية التي ينبغي أن تعترف لها طوعًا وجبرًا بتميزها.

ووفق الكندي، فإن إلغاء (إزالة الفوارق الطبقية) من الهدف الأول لثورة 26 سبتمبر المجيدة لم يكن "بلا دلالة أو مؤشر، بل ينبئ بخطورة المرحلة التي تسعى الحركة الحوثية من خلالها إلى تهيئة جيل منفصل عن ثورتهم وجمهوريتهم وعن قيم العدالة والمساواة التي يفترض أن تكون الدولة هي الضامنة لها.

وقالت إن الحوثيين يتعاملون على أنهم سيحكمون اليمن لعقود قادمة، حيث يكون أطفال اليوم وطلاب المراحل الأساسية أفرادًا بلا هوية وبلا تطلعات فردية وبلا مشروع. تقتصر نظرتهم للدولة وواجباتها وحقوقهم العامة والخاصة وفق مسلمات طبيعية تتعايش مع عنصريتهم.

وتابعت: إنهم يهدفون أيضاً إلى خلق جيل مهزوم نفسيًا ووضيع اجتماعيًا، جيل يتلقى تعاليمه وينظم حياته بتوجيهات عنصرية تستعبده وتنظم علاقته وفق نظام خاص. يتم تهيئة هذا النظام من الآن ليجني ثماره لاحقًا.

تاريخ من التحريف

وعن التغييرات الحوثية في المناهج المدرسية، قال الباحث في التاريخ اليمني عنتر الذيفاني، إنه "منذ حدوث الانقلاب الحوثي عام ٢٠١٤، تسعى جماعة الحوثي السلالية جاهدة لتجريف هوية الشعب اليمني، سواءً كانت عقيدة أو تاريخًا أو حضارة. مضيفاً أنهم "يقومون بتحريف الدين وتأويلاتهم السلالية لآيات القرآن وتطويعها بما يخدم أهدافهم العنصرية. كما يقومون بتغيير المناهج الدراسية في مختلف المستويات التعليمية، مما يتسبب في آثار كارثية تقوم بتغييب تاريخ شعبنا وحضارته.

وعن الاعتداء الحوثي على أهداف ثورة 26 من سبتمبر الخالدة، قال الذيفاني، إن الحوثيين "يرون أنه يجب على الشعب أن يؤمن بهم كسادة وأن البقية هم مجرد أتباع لهم. موضحاً أنهم يهدفون من وراء ذلك إلى إعادة الشعب إلى ما كان عليه قبل ثورة 26 سبتمبر وتحقيق الرجعية بشكلها السافر."

التدرج في التغييرات

ومن جانبه، لفت الكاتب والإعلامي يحيى السقير، إلى أن هذه التغييرات بدأت بالتدريج منذ العام 2017 وتسارعت وتيرتها في العام 2021، حتى شملت كل المناهج والمواد الدراسية.

وأوضح السقير، وهو مدير عام مكتب الإعلام بمحافظة المحويت، أن الهدف الرئيس لهذه التغييرات هو تطييف التعليم وصبغ الجيل القادم بالطابع الطائفي، بهدف صناعة أجيال تدين بالولاء للمليشيا الحوثية وفكرها الطائفي. واصفًا هذا بأنه عملية "حرث الأرض" التي يمارسها الحوثيون بالتعاون مع الإيرانيين.

وأضاف السقير، أن المليشيا الحوثية تدرك أن قبضتها الحديدية على المجتمع لن تدوم، وأنها ستتراجع في النهاية. ولذا اعتمدت المليشيا استراتيجية التأثير عبر التعليم، حيث تسعى لجذب قطعان من المقاتلين لصفوفها من خلال تأثيرها على المناهج المدرسية وتوجيه الطلاب نحو الالتحاق بجبهاتها ومحارقها.

وحذّر السقير، من أن هذه التغييرات تستهدف القيم الجمهورية والديمقراطية ونظام الحكم الذي ارتضاه كل اليمنيين، حيث تحاول استبدالها بقيم وخرافة الولاية والحق الإلهي للسلالة، وتقوم بمصادرة حق الشعب في تقرير مصيره واختيار حكامه. وبدلاً من ذلك، تروج المليشيا مفاهيم حق السلالة في الحكم والسلطة واستعباد الشعب وتبعيته للسلالة.

ولفت إلى جرأت المليشيا الحوثية وإقدامها على حذف فقرات من أهداف ثورة 26 سبتمبر الخالدة، وفقًا لفكرها الطائفي الذي يهدف إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات مختلفة تستعبد الشعب وتزرع الكراهية وتمزق النسيج الاجتماعي. مؤكداً أن هذا يعتبر اعتداءً على القيم الأكثر قدسية في تاريخ اليمنيين، وأن الشعب اليمني لن يغفر للمليشيا  تطاولها على أنقى وأنبل الثورات الخالدة.

وطالب السقير الحكومة بوقف وتجميد أي أشكال للتعاطي مع دعوات التفاوض والحوار مع المليشيا الحوثية، حتى تتخلى تلتزم بتحييد العملية التعليمية عن الصراع الدائر.

ومن جانبه، اعتبر رئيس مؤسسة جذور للفكر والثقافة عمار التام، ما أقدمت عليه المليشيا الحوثية مؤخراً، بأنه "أخطر استراتيجيات المشروع الكهنوتي السلالي تاريخيًا في اليمن". مؤكداً أنه في حال عجز هذا المشروع عن مواجهة آليات المشروع الوطني، يسعى إلى التظاهر بالحفاظ عليه، في حين يفرغه من مضمونه ومحتواه. وأوضح أنه يسعى لاعتماد نموذج جمهوريةٍ تشبه نظام ملالي طهران، مع الاحتفاظ بأهداف سبتمبر وتوافقها مع سلوكه العنصري السلالي.

وأضاف :"لاشك أن ثورة 26 سبتمبر 1962 تعد أهم حدث في تاريخ اليمنيين الحديث والوسيط والمعاصر، وإن عدوان الحوثي ليس تجاه رمزية 26 سبتمبر فقط، بل من كونه خطرًا وجوديًا لمشروعها الطبقي السلالي وخرافتها الممتدة قرونًا في مواجهة اليمنيين."

وأكد التام أن ثورة 26 سبتمبر لا تزال تمثل عمقًا في الذاكرة والوجدان الشعبي، أكبر من وجود مشروع الكهنوت السلالي الطارئ، وأنها تمشي في مواجهة ثورة سبتمبر بالتدرج، الذي بدأ في العقود الثلاثة الأخيرة من عمر جمهورية سبتمبر.

وقال "في الوقت الذي يخاف فيه المشروع السلالي الكهنوتي الحوثي الطارئ من اتساع ظاهرة الوعي القومي الجمهوري والمطالبة بالديمقراطية والحريات الأساسية، يستخدم أدوات القمع والتضييق على الحريات العامة وحرية التعبير. إلا أنها محاولات بائسة تزيد في الاستفزاز لطاقة الكرامة الجمهورية في قلوب كل اليمنيين، لطي صفحة الكهنوت السلالي وإلى الأبد.

واعتبر أن ثورة 26 سبتمبر تمثّل عنوان فاصل بين عصر تخلف ورجعية وتدمير وتبديد لكينونة اليمني، وبين رد الاعتبار لإنسانية اليمني وإعادة وجوده الفاعل في مسرح التاريخ البشري، تجديدًا لريادة آبائه وأجداده الذين خلدوا مآثرهم على الصخر في جدار الزمن آلاف السنين، ولا تزال البشرية تمتن لحروفهم وصكوكهم إلى اليوم.

وختم حديثه بالقول: "عبثًا يسعى الحوثيون إلى إرجاع عجلة التاريخ إلى الوراء ومنع اليمنيين من هذا الاستحقاق، بمحاولة طمس معالم سبتمبر الفاضحة لعنصريتهم ووجودهم الطارئ، وما قاموا به من إزالة لفقرات في أهداف سبتمبر المجيد هو مؤشر على زوالهم القريب.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.