جدل الحكومة والبرلمان .. أين تكمن الحقيقة؟

على غير عادته، ظهر معين عبدالملك رئيس الحكومة مؤخراً -مستاءا وقلقًا، تلاحقه تهم الفساد والإخفاق- في مؤتمر صحفي للرد على تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية، الذي صدر قبل أكثر من أسبوع حول قطاعات مختلفة كالكهرباء والاتصالات والمشتقات النفطية والقطاع المالي.

كانت تعليقاته متفرقة وغير مركزة، ولم يتم الرد على النقاط الواردة في التقرير البرلماني بطريقة واضحة ومفصلة. انتظرت حتى نهاية كلمة رئيس الحكومة لسماع أسئلة الصحفيين الحاضرين، علهم يطرحون أسئلة حساسة ومركزة نستطيع من خلالها سماع رد الحكومة بشكل واضح هذه المرة، لكن اتضح أن الصحفيين ووسائل الإعلام الحاضرين لم يكونوا على اطلاع بما جاء في تقرير اللجنة البرلمانية، وكانت اسئلتهم ركيكة ومائعة لا تحمل أي معنى، ولا تضفي أي أهمية على المؤتمر.

ولأن كثيرا من النقاط التي أوردها رئيس الحكومة في معرض تعليقه على التقرير البرلماني تحتاج الى تفنيد بشكل أكثر دقة وهو ما سيأخذ وقتًا ومساحًة أطول في كتابة هذا المقال، فسأكتفي بالتطرق لموضوع الاتصالات والجدل الدائر بشأن توقيع الحكومة اتفاقية بيع 70% من أصول شركة عدن نت الحكومية لشركة إن أكس الاماراتية. لست خبيراً في مجال الاتصالات، لكن حاولت التقصي والبحث أكثر في هذا الملف بالاعتماد على ماجاء في تقرير البرلمان ومؤتمر رئيس الحكومة الصحفي، إضافة الى تناولاتي له في عدة حلقات تلفزيونية كمحاور مع عدد من الضيوف المختصين في برنامج المساء اليمني على قناة بلقيس.


- اتفاقية الحكومة مع شركة إن إكس الاماراتية

وجهت اللجنة البرلمانية في تقريرها سؤالها للجهات المعنية في وزارة الاتصالات والمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت متسائلة أين وصلت الاجراءات الخاصة بالمشروع الاستثماري المشترك مع شركة إن إكس الاماراتية. نفى الجانب الحكومي التوقيع على أي اتفاق، وأكد أن ما يجري هو مجرد مشاورات بين الجانبين، وبأن الحكومة مازالت في إطار دراسة الجدوى الاقتصادية والمالية للمشروع، مما يعطي لمحة بأن المشاورات قد تأخذ وقتاً أطول، وليس مجرد أسابيع وأشهر ويتم التوقيع على الاتفاقية كما جرى لاحقا.

في المقابل لم يتم نشر أو إعلان بنود الاتفاقية، أو حتى إيضاح الفائدة الاقتصادية للبلد من المشروع على هيئة أرقام وبيانات.

- مصير شركة عدن نت

انتظرت من رئيس الحكومة الرد على الاتهام المباشر من قبل اللجنة البرلمانية للحكومة فيما يتعلق بقضية الكابل البحري ( إيه إيه إي ون) الذي كلف الحكومة مبلغ وقدره 58 مليون دولار.

تشغيل هذا الكابل كان واعداً لمحافظة عدن وباقي مناطق الحكومة وكان سيوفر بنية تحتية كافية لتوفير خدمة انترنت سريع وفعّال لتلك المناطق، وكان سيمثل الشريان الأساسي لمشروع عدن نت، لكن بسبب استقدام وزير الاتصالات السابق لطفي باشريف لمهندسين من صنعاء لغرض تشغيل المنظومة، وقيامهم بالمقابل بتعطيله وتشفيره بدلا من ذلك، وهو ما أدى الى انتكاسة كبيرة لمشروع عدن نت في مهده، ولم يعد قادرًا على تقديم خدمة متميزه لمشتركيه. حينها لم يتم محاسبة الوزير والمتورطين في هذه القضية، وكأن شيئا لم يكن.
على الرغم من هذه الفضيحة، كان من المنتظر استعادة الكابل البحري وتطوير شركة عدن نت كشركة حكومية يعوّل عليها المواطنون كثيرًا ويحسب نجاحًا لحكومة معين عبدالملك، بدلا من بيع الشركة إلى جهة أجنبية، وهو مالم يحصل.

- شركة عدن نت ليست كأي شركة هاتف نقال

قام رئيس الحكومة بتصوير الصفقة بطريقة تحمل الكثير من المغالطات، مشبها إياها كأي صفقة استثمارية لشركة هاتف نقال كسبأفون أو إم تي إن سابقًا وبأنه مجال مفتوح أمام الشركات المحلية والأجنبية للاستثمار، لكن الحقيقة أن شركة عدن نت ليست شركة هاتف نقال، وإنما شركة مزودة لخدمة الانترنت في البلاد، كشركة تيليمن. والسيطرة عليها من قبل جهات أجنبية تثير كثير من المخاوف الأمنية. والسبب في ذلك يعود إلى تمكين هذه الشركات من الوصول الغير محدود لبيانات المشتركين ومراسلاتهم، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات مدنية أو حكومية، هذا عوضا على أن المستثمر هي دولة الامارات التي أُصدرت بحقها تقارير عدة تتعلق بانتهاكاتها لحقوق الانسان وجرائم التجسس والابتزاز.

لكن من الواضح أن معين عبدالملك أراد قطع الطريق على المنتقدين حين أشار إلى أن السعودية والامارات هم حلفاؤنا والشراكة معهم في كل مستويات الدولة أمر محسوم. ضاربًا على الحائط مصلحة الدولة اليمنية المقدمة على أي اعتبارات أخرى حتى وإن كانت علاقات مع دول حليفة وصديقة. ليس هذا منطق السياسة والمصلحة الوطنية وإنما منطق الارتزاق.

- دستورية وقانونية الصفقة

استعرضت اللجنة البرلمانية في تقريرها النصوص الدستورية التي تمنع التوقيع على صفقات من هذا النوع وبهذه الطريقة. منها المادة رقم 18 والمادة رقم 95، والتي تضمنت تخويل البرلمان عبر تشكيل لجنة خاصة بالتحقيق في طبيعة هذه الصفقات والتأكد من عدم تعارضها مع المصلحة العامة، واعتبرت اللجنة أي توقيع على هذه الاتفاقية مخالفة دستورية. لم يتناول معين هذه الجزئية ويوضحها للرأي العام، ويبرر توقيع الحكومة على الاتفاقية من الناحية القانونية والدستورية، بل اتهم اللجنة بحد ذاتها بأنها غير قانونية وغير دستورية. علاوة على ذلك، رمى بالمسؤولية على المجلس الرئاسي باعتباره أعلى سلطة في البلاد، وبأن صفقة البيع رُفعت له وتم إطلاعه عليها. لكننا في ذات الوقت، تابعنا بيان عضو المجلس الرئاسي عثمان مجلي الذي دعا إلى إحالة رئيس الحكومة معين عبدالملك، وجميع المسؤولين المتورطين بصفقة بيع شركة عدن نت إلى التحقيق، وهو ما ينفي إدعاء رئيس الحكومة بموافقة المجلس الرئاسي على هذه الصفقة.

الخلاصة

كان كلام رئيس الوزراء في مؤتمره الصحفي مخيباً للآمال، انتظرنا منه توضيحاً صريحاً وواضحاً ومفصلاً للاتهامات الواردة في تقرير اللجنة البرلمانية، لكنه عوضاً عن ذلك هاجم أعضاءها وهاجم المؤسسة البرلمانية، واتجه الى التشكيك بالتقرير وبأنه يحمل دوافع سياسية، وكأن حكومته في مشروعيتها لا تستند على هذا البرلمان وإنما على جهات أقوى وأرفع.

توقعت أن نرى تقريرا مفصلا يتضمن دراسة اقتصادية ومالية وقانونية ودستورية لهذه الاتفاقية ليكون رد الحكومة منطقيا وعقلانيا ليُسكت جميع المنتقدين، بدل اللجوء لاستعطاف الرأي العام وادعاء المظلومية، والظهور بمظهر الضحية الذي يتعرض لمحاولات أطراف كثيرة لإعاقة ناجاحاته.

أقولها صراحة، لا تعنينا خلافات أحمد العيسي ومعين عبدالملك وصراعات المصالح بينهما، بقدر ما يهمنا توضيح ماجاء من اتهامات، والتحقيق في ملفات الفساد من أي طرف كانت، وبما أن الادعاءات ظهرت هذه المرة بحق حكومة معين عبدالملك فمن حقنا معرفة الحقيقة، والكشف عن الفاسدين والتحقيق معهم ومحاسبتهم.

رئيس الحكومة في المؤتمر الصحفي أعلن عن تشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير العدل للرد على ماجاء في تقرير اللجنة البرلمانية، نتطلع إلى معرفة ما ستقوله اللجنة الحكومية، ومدى امكانيتها في دحض اتهامات البرلمان، باعتمادها على البيانات والحقائق. ويا خبر اليوم بفلوس، بكرة يكون ببلاش.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية