اليمن على مفترق طرق توحيد القطاع المصرفي
يدفع اليمن كلفة باهظة لاستمرار الانقسام النقدي والمالي نتيجة وجود بنكين مركزيين ونظامين مصرفيين في صنعاء وعدن، مع تعدد السياسات والإجراءات والمعاملات وتدهور العملة المحلية وسط تفاقم للأزمات المعيشية التي أنهكت غالبية السكان.
ويلخص الانقسام النقدي مأساة اليمنيين بسبب الصراع في البلاد منذ نحو تسعة أعوام مع تفاقم أزمة السيولة وانخفاض أسعار الصرف بالتوازي مع انقطاع وتوقف الدورة المالية من المصارف الرسمية إلى شبكات الأموال غير الرسمية ليتنامى نشاط السوق السوداء وسط تضخم كبير لشركات الصرافة وشبكات التحويلات المالية.
ويأمل اليمنيون بأن تتمكن الأطراف المتنازعة في حوار الرياض بين الحكومة اليمنية والحوثيين بوساطة عُمانية من تحقيق اختراق ملموس في حلحلة أهم ملفات الحرب المستعصية على الحل، بما يؤدي إلى إعادة توحيد المؤسسات والسياسة المالية والتداول النقدي كخطوة مهمة ورئيسية لصرف رواتب الموظفين المدنيين المتوقفة منذ نقل إدارة عمليات البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن التي اتخذت منها الحكومة المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة لها في سبتمبر/ أيلول من العام 2016.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة أن المباحثات التي جرت برعاية سلطنة عمان منذ نحو عام تركزت بدرجة رئيسية في تضييق هوة الانقسام المالي بين طرفي الصراع في اليمن، بما يؤدي إلى إعادة توحيد المؤسسات المالية وصرف رواتب الموظفين المدنيين، حيث تخللت هذه المفاوضات جولات مكوكية بين مسقط وصنعاء قبل أن تحقق الوساطة العمانية نقله نوعية في الجهود المبذولة لإيقاف الحرب بوصول الوفد العماني الوسيط في المفاوضات مع مسؤولين وقيادات من الحوثيين لأول مرة إلى العاصمة السعودية الرياض يوم الخميس الماضي.
وحسب مصادر مسؤولة، فإن البنك الدولي أبدى استعداده للمساعدة في لعب دور مهم في تعزيز التنسيق والتشجيع على تبني أفضل الممارسات من قبل البنكين المركزيين، إذ يقترح خبراء المؤسسة المالية الدولية ضرورة استمرار شركاء اليمن في التنمية بتقديم الدعم مع الحذر من مخاطر ترسيخ انقسام المؤسسات العامة.
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي ونائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق في الحكومة اليمنية مطهر العباسي لـ"العربي الجديد"، أن الأطراف اليمنية على المحك الآن في الاتفاق على حلحلة الملفات الاقتصادية المعقدة لتخفيف معاناة اليمنيين الذين يدفعون كلفة باهظة جراء الانقسام المصرفي وتعدد النظام المالي والتداول النقدي بحسب المناطق الجغرافية التي يحكمها.
وتوصل خبراء في صندوق النقد والبنك الدوليين أخيراً إلى أن التحديات الاقتصادية ذات التداعيات الأكبر من بين جميع التحديات التي يخلفها الصراع في اليمن هي انقسام السياسة النقدية وتدفقات النقد الأجنبي وتسييل العجز المالي.
ومع تحول السلطات بشكل متزايد إلى التمويل النقدي، ارتفعت استحقاقات البنك المركزي اليمني في عدن على الحكومة المعترف بها دولياً بمتوسط 36% سنوياً بين عامي 2015 و2021، في حين ارتفعت العملة المتداولة بنسبة 24% سنوياً، وفق بيانات رسمية.
كما استنفدت احتياطيات العملة الصعبة بسرعة، ما دفع البنك المركزي إلى التخلي عن الدولار كمرجعية، وتدهور استقرار الاقتصاد الكلي في ظل التضخم السريع وانخفاض قيمة العملة.
مع تقدم الصراع، تطور الاقتصاد اليمني بشكل متزايد إلى اقتصاد مزدوج بحكم الأمر الواقع، حيث تعمل المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً ومناطق الحوثيين كاقتصادات وطنية منفصلة. ويتجلى هذا الانقسام بشكل واضح في انقسام سعر الصرف في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً ومناطق الحوثيين.
ووضع انهيار إنتاج النفط وصادراته في عام 2015 المركز المالي والنقدي لليمن تحت ضغط كبير، وتدهور الميزان المالي العام للبلاد، حيث اتسع العجز من متوسط -5.5% من الناتج المحلي قبل الحرب إلى -6.5% من الناتج المحلي الإجمالي بعد الحرب.
ويكشف الخبير المالي والاقتصادي أحمد شماخ، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن أزمة كبيرة يواجهها اليمن ناتجة عن الانقسام النقدي والمؤسسي والمالي وسيطرة الاقتصاد الموازي والسوق السوداء، إذ إن إجمالي الأموال المتداولة خارج البنوك والدورة المصرفية يتجاوز 90%، وهو ما يحتم التوصل إلى اتفاق عاجل لإعادة توحيد المؤسسات النقدية والنظام المصرفي في اليمن.
واشتعل الصراع النقدي والمالي بشكل كبير في نهاية العام 2019 بعد رفض الحوثيين العملة الوطنية الجديدة المطبوعة من قبل الحكومة المعترف بها دولياً بالتزامن مع قرب نفاد الوديعة السعودية الأولى التي قدمتها للبنك المركزي اليمني في العام 2018 والمقدرة بنحو ملياري دولار.
ويرى الباحث المصرفي علي بشير في حديث لـ"العربي الجديد"، أن رفض الحوثيين العملة الورقية الجديدة أدى إلى قطع روابط السياسة النقدية بين مناطق طرفي الصراع وبروز نظامين مصرفيين وسعرين مختلفين للتداول النقدي.
التعليقات