ما هو السِّرُ بينكم وبين الله يا أبناء غزة؟!
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فيا أهل غزة:
إن طول معركتم مع الصهاينة يؤلمنا كثيراً، وكل قطرة دمٍ منكم هي أغلى عندنا من الدنيا وما فيها، ولكننا نؤمنُ بأن الأمر كله لله، ولكل أجلٍ كتاب، ولله الحكمة البالغة في ذلك، وسيكون عاقبة ذلك خيراً كثيراً بفضل الله ورحمته.
يا أهل غزة:
إن نِعَمَ الله عليكم كثيرةٌ بفضله سبحانه فهنيئاً لكم ذلك الفضل وذلك الاصطفاء:
هنيئاً لكم هذا الثبات وهذا الاستعصاء في هذه الحرب العالمية ضدكم، مع الفارق المهول بينكم وبين عدوكم.
هنيئاً لكم يا أهل غزة هذا الاصطفاء الرباني، وهذا الشرف، وهذه المكانة، والمنزلة عند الله، وفي قلوب الناس بفضل الله وحده.
هنيئاً لكم شرف المكان الذي تسكنون فيه؛ فأنتم في الأرض المقدسة التي بارك الله حولها.
وهنيئاً لكم شرفُ السكن في أرض الرباط، فإن المرابط إذا مات أمَّنهُ اللهُ من عذاب القبر، ولا ينقطعُ أجرُ عمله الصالح إلى يوم القيامة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رباط يومٍ وليلةٍ خيرٌ من صيام شهرٍ وقيامه، وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعملُ، وأُجرِيَ عليه رزقه، وأمن الفتان).
وهنيئاً لكم شرفُ المشروعية، ووضوح الراية، فأنتم في جهادٍ شرعيٍ لا لبس فيه ضدَّ عدوٍ كافرٍ محاربٍ لله ولرسوله وللمؤمنين.
فقتالكم لليهود الغاصبين جهادٌ في سبيل الله بدليل الكتاب والسنة وإجماع المسلمين.
وهنيئاً لكم في غزة ولاة أمركم الذين هم منكم، القادة الأكفاء الأمناء على إسلامكم، وأرضكم، وكل مصالحكم.
وهنيئاً لقيادتكم بهذا الشعب الوفي الأبي الصابر المحتسب المجاهد الواثق بالله وبما عنده سبحانه.
وهنيئاً لكم مضاعفة الأجر والثواب في وقت الفتن:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العبادة في الهَرْجِ كهجرةٍ إليَّ) والهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تهدم ما قبلها من الذنوب صغيرِها وكبيرِها بفضلِ الله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: (أما علمت أن الإسلام يهدمُ ما كان قبله، وأن الهجرة تهدمُ ما كان قبلها).
وهنيئاً لكم أجر الصبر والثبات على دينكم، والجهاد في سبيل الله، مع قلة السالكين لهذا الطريق، وسطوة العدوِ، وخذلانِ الصديق، قال رسول الله صلى الله عليه للصحابة: (فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثلُ القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم).
وفي رواية: (قيل يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم)، أي من الصحابة الكرام.
وهنيئاً لكم يا أهل غزة هذا القبول الذي وضعه الله لكم في قلوب المسلمين في أرجاء الأرض، ودعاؤهم لكم بظهر الغيب في صلواتهم وخلواتهم وفي جوف الليل.
وهنيئاً لكم هذا الصدق وهذه التضحية وهذا الصبر والاحتساب والرضى بقضاء الله وقدره، وإدامة الحمد لله على كل حال، وهذا التمثيل الصادق للإسلام الذي صار سبباً لدخول كثيرٍ من الناس في دين الإسلام.
ليكونوا بفضل الله في ميزان حسناتكم.
وهنيئاً لكم تثقيل موازينكم بأجر تغيير المنكر الكبير المتمثل في إيقاف طوفانكم لجريمةِ الهرولة إلى التطبيع مع الصهاينة.
وهنيئاً لكم أجر كسر شوكةِ الصهاينة وإذلالهم وشفاء صدور قومٍ مؤمنين.
وهنيئاً لكم أجر استبانة سبيل المجرمين ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة؛ فقد جعل الله معركتكم المباركة طوفان الأقصى فاضحةً للرافضة، والمسارعين من المنافقين في موالاة الصهاينة المعتدين.
وهنيئاً لكم أجر فضح أسطورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، وفضح هشاشة جيوش الزينة والاستعراض وقهر شعوبهم.
وفضح العمائم المزيفة المطبلة للظلم والظالمين.
وهنيئاً لكم أجر إحياء معاني الجهاد في سبيل الله في نفوس المسلمين وأنه الطريق الوحيد لحماية الحق والتحرر من عبودية الطغاة وتحرير الأوطان من احتلال المحتلين.
وفي ميزان حسناتكم إظهار عوار ما يسمى بالنظام الدولي الظالم الغاشم وكشف سوأته.
بل إن جهادكم وصبركم سيكون بإذن الله تعالى أعظم مسمار في نعش أمم الظلم المتحدة.
يا أبناء غزة المجاهدة الصابرة المحتسبة لقد أصبحتم مدرسةً للأجيال في الصبر والثبات على الحق، والتضحية والفداء، ومدرسةً في النبل والعدل مع الصديق والعدو.
وأعظم مدرسةٍ في الإعداد والتنظيم والتخطيط والسرية والكتمان.
لقد أثبتم أنكم أعظم نموذج في العصر الحديث للتحرر من ظلم المستعمر.
يا أهل غزة:
ونحن على بعد مائة عامٍ من سقوط الخلافة العثمانية، فلعلكم بفضلِ الله تكونون في طليعة المجددين لهذه الأمة الإسلامية أمر دينها، وإنَّا لنحسبكم بفضل الله من الطائفة المنصورة الذي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تزال طائفةٌ من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس).
يا أهل فلسطين:
حفظكم الله بحفظه وأيدكم وآواكم وهداكم وأصلح أحوالكم، وبارك لكم في أعماركم وأرزاقكم، وسلاحكم وعدَدِكم وعدتكم، وحفظكم من بين أيديكم ومن خلفكم، وعن أيمانكم وعن شمائلكم، ومن فوقكم، ونعوذ بعظمة الله أن تغتالوا من تحتكم.
اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزم اليهود والأمريكان وأعوانهم وانصرنا عليهم، اللهم اقذف الرعب في قلوبهم، وفرق جمعهم، ومزق شملهم، واجعل بأسهم بينهم شديداً، اللهم اكفناهم بما شئت وكيف شئت، إنك أنت القوي العزيز.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات