ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

كيف هزمت حماس أعلي تكنولوجيا عسكرية في العالم.. ولماذا تخشي أمريكا علي نفسها بعد فشل إسرائيل ؟

نشرت مجلة نيوزويك الأمريكية في عددها الصادر في ١٥ نوفمبر الجاري دراسة عميقة عما حدث في ٧ أكتوبر الماضي، حينما تمكنت حركة حماس من اختراق إسرائيل وهزيمتها رغم حصونها الإلكترونية غير المسبوقة، ولأن الدراسة عميقة وهامة لاسيّما في انعكاساتها علي الولايات المتحدة الداعم الأساسي لإسرائيل فسوف أنشر ترجمتها بالكامل هنا، وأعتقد أن قراءتها هامة لأنها باختصار تكشف أن عنصر الإنسان هو الأساس في المعارك وأن القدرة علي تدمير التكنولوجيا المتطورة بأدوات بسيطة أمر سهل للغاية، وأن التفوق الذي حققته حماس سيترك أجهزة الاستخبارات والتصنيع العسكري في حيرة ودهشة لسنوات عديدة، فالتكنولوجيا هامة لكن الإنسان الذي صنعها يستطيع أن يعطلها، وأن عنصر التفوق في المعركة هو لمن له القدرة علي تقديم التضحيات في ساحة المعركة كما تفعل حركة حماس.

يبلغ طول سلسلة الجدران والسياجات الأمنية  الإسرائيلية على حدودها مع غزة 40 ميلاً، وهي تعج بأجهزة الاستشعار والأسلحة الآلية، كما أنها مدعومة بشبكة استخبارات إلكترونية دقيقة، تراقب كل مكالمة هاتفية ورسالة نصية وبريد إلكتروني في قطاع غزة، ويقف جيش كبير ومدرب تدريبا جيدا على أهبة الاستعداد بأحدث الأسلحة للرد بسرعة على أي تهديد.

وقد تم بناء هذه الدفاعات على نفس التكنولوجيا التي يستخدمها الجيش الأمريكي للحفاظ على سلامة مواطنيه ومراقبة مصالحه في جميع أنحاء العالم، وهي نفسها التي تستخدمها جيوش الناتو لمراقبة الحدود مع روسيا والشرق الأوسط، لذا فحين تسلل الآلاف من مقاتلي حماس عبر الدفاعات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر الماضي ثم قتلوا 1200 إسرائيلي واحتجزوا نحو 240 رهينة، بدا فجأة أن ما كان يفترض أنه ميزة تكنولوجية هائلة في حقيقته هو دفاعات معيبة إلى حد كبير.

لقد ترك الهجوم الإسرائيليين سواء كانوا  مواطنين أو خبراء عسكريين على حد سواء، في حالة صدمة عميقة إزاء الحالة التي ظهر بها  ضعف البلاد، كما ترددت أصداءها في قاعات وزارة الدفاع الأمريكية  البنتاغون والمؤسسات العسكرية في العديد من البلدان، ويشعر الخبراء العسكريون بالقلق بشأن ما يعتبره البعض اعتماداً مفرطاً على الأمن عالي التقنية للحفاظ على المنشآت والأوطان آمنة من الهجوم، فإذا كان الأمن الإسرائيلي غير قادر على توفير الحماية ضد منظمة إرهابية ذات تكنولوجيا بسيطة نسبياً مثل حماس، فما هو الدمار الذي يمكن أن تحدثه روسيا أو الصين أو أي خصم متقدم آخر؟

تقول إيمي نيلسون، زميلة السياسة الخارجية في معهد بروكينجز: “إن الدروس التي يتعلمها البنتاغون هائلة” منها أن  الدول التي تتمتع بأعلى وسائل الدفاع التكنولوجية والجيوش الأكثر حداثة لن تفوز بالمعركة بالضرورة ،  فالحدود المحصنة بالتكنولوجيا الفائقة، لا يزال من الممكن اختراقها”.

بالنسبة للولايات المتحدة، ربما يكون الدرس الأكبر هو أن الاعتماد على التكنولوجيا المتطورة ليس دائما بديلا جيدا، ولهذا السبب، يدرس المسؤولون العسكريون والأمنيون أداء إسرائيل الكارثي في ثلاثة مجالات أساسية هي : صد المتسللين، وردع الصواريخ، والتنصت على أعدائها.

برادلي بومان، المدير الأول لمركز القوة العسكرية والسياسية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والطيار السابق بالجيش الأمريكي، والذي عمل لاحقًا في مجلس الشيوخ الأمريكي كخبير في تكنولوجيا مكافحة الإرهاب، يقول “إن الجيش الإسرائيلي هو القوة الأكبر والأكثر قدرة من الناحية التكنولوجية في الشرق الأوسط” ، وهم  الآن يحاولون أن يفهموا كيف تمكن خصم بدائي من قتل عدد أكبر من اليهود في يوم واحد أكثر من أي وقت مضى منذ المحرقة.”

 

الحدود الذكية

كان من المفترض أن تجعل دفاعات إسرائيل المتطورة ومترامية الأطراف على حدود غزة البلاد منيعة تقريباً أمام أي شيء تستطيع حماس أن تطلقه عليهم.

بدلاً من ذلك، كان هجوم 7 أكتوبر هو اليوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل، حيث  تمكن  أكثر من 2500 من مقاتلي حماس من الدخول والتجول بحرية عبر الجدران والأسوار الحدودية الإسرائيلية وخلالها  وتحتها، دون أن يواجهوا مقاومة تذكر. وبقوا لساعات حيث تمكنوا من اجتياح  القرى الإسرائيلية، وعدد قليل من المواقع العسكرية، ومهرجانًا موسيقيًا، وذبحوا حوالي 1200 شخص، معظمهم من المدنيين. وفر معظم المهاجمين عائدين إلى غزة، وسحبوا معهم حوالي 240 رهينة معظمهم من المدنيين.

يقول إيان بويد، مدير مركز مبادرات الأمن القومي في جامعة كولورادو: “تمتلك إسرائيل ما كان من المفترض أن يكون أحد أنظمة الاستخبارات الرائدة في العالم”. لكن يبدو أنهم أصيبوا بالشلل التام”.

لقد أنفقت إسرائيل أكثر من مليار دولار على حاجزها الحدودي عالي التقنية على طول غزة، والذي اكتمل في عام 2021. ويتكون ما يسمى بالجدار الحديدي من جدران وسياج لا يرتفع حتى 20 قدمًا فوق سطح الأرض فحسب، بل أيضًا تغوص فيه بعمق، لتجعل من الصعب حفر الأنفاق تحتها. تتميز الحدود بمجموعة مذهلة من المعدات المتطورة، بما في ذلك مئات من كاميرات الرؤية الليلية، وأجهزة استشعار الزلازل لالتقاط أصوات الأنفاق من الأعماق، وأجهزة استشعار حرارية للكشف عن حرارة الجسم أو السيارة والرادار لاكتشاف تهديدات الطيران، كما  تقوم الروبوتات المتنقلة أحيانًا بدوريات في المحيط. غالبًا ما تنظر المناطيد الصغيرة والطائرات بدون طيار إلى الأسفل من الأعلى كما يمكن إطلاق المدافع الرشاشة الآلية الموجودة أعلى الجدران من منشآت بعيدة أو تشغيلها بواسطة تنبيهات أجهزة الاستشعار لإطلاق النار من تلقاء نفسها، حيث يقوم الذكاء الاصطناعي بالتصويب.

إن فكرة أن الآلاف من المهاجمين سيكونون قادرين على استخدام المتفجرات والمعدات الثقيلة لاقتحام هذه الدفاعات بعنف دون إثارة حالة تأهب واسعة النطاق، كانت تبدو فكرة سخيفة قبل بضعة أسابيع فقط،  وكان من المفترض أن ينبه هذا النظام الجيش على الفور إلى أي توغلات صغيرة، ويمنع حتى مهاجمًا واحدًا من اختراق الجدار بهدوء، ناهيك عن مئات المسلحين العازمين على ارتكاب مذبحة جماعية.

من الناحية النظرية، كان ينبغي لكل جهاز استشعار موجود على الجدار أو بالقرب منه أن يرسل تنبيهات إلى المواقع العسكرية الإسرائيلية القريبة، مما يجعل الجنود يهرعون إلى لوحات التحكم لاستدعاء لقطات فيديو حية من الكاميرات وأجهزة التصوير الحراري والطائرات بدون طيار ومركبات الدوريات المستقلة. بالإضافة إلى إرسال أي قوات ودبابات وطائرات وغيرها من المركبات القتالية والأسلحة الموجودة، كانت الكيبوتسات سترسل تنبيهات أوسع نطاقًا للحصول على تعزيزات، وهو ما كان من الممكن أن يؤدي إلى نتيجة هائلة ،  وفي هذه الأثناء كان من المفترض أن يكون الجنود في الكيبوتسات قد سيطروا على المدافع الرشاشة المثبتة، وأطلقوا كل شيء من الرصاص إلى القنابل اليدوية إلى الصواريخ الصغيرة على المسلحين القادمين.

ويؤكد الخبراء أن الكثير من التفاصيل حول كيفية إحباط المهاجمين للدفاعات الإسرائيلية لا تزال مجهولة،  وحتى الآن لم تكشف إسرائيل عن الكثير علناً. ومع ذلك، فقد ظهر عدد من النقاط الرئيسية حول الهجوم، مما يلقي بعض الضوء على الإخفاقات الصادمة للدفاع الإسرائيلي. ولكن مع الاستفادة من الإدراك المتأخر لعدة أسابيع، فإن ما يلي هو أفضل تخمين لما قد حدث، وفقًا للخبراء الذين قابلتهم مجلة نيوزويك.

في الساعات الأولى من يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، استخدم مقاتلو حماس الجرافات والقنابل لاختراق الحواجز في نحو 30 مكاناً، وكان العديد منهم يقودون سياراتهم عبر الفجوات الواسعة. وحلق البعض فوق الحاجز بالمظلات.

 

خطة الهجوم :

بدأت الموجة الأولى من المهاجمين ببعض التكتيكات البسيطة لهزيمة الدفاعات الذكية ومنع إطلاق الإنذارات ومنع إطلاق النار. أولاً، أطلقوا النار على الكاميرات وأجهزة الاستشعار الأخرى والرشاشات الآلية التي يمكن التعرف عليها بسهولة، مما أدى إلى تعطيلها ثم  قاموا بتفجير أبراج القيادة والاتصالات الثلاثة البارزة المبنية في الجدار بمتفجرات تم إطلاقها بمقذوفات صغيرة أو أسقطتها طائرات بدون طيار.

وعلى ما يبدو، لم يتم تحذير المواقع العسكرية المحلية  وقد قُتل العديد من الجنود في الكيبوتسات وهم في أسرتهم  غافلين على الأرجح عن الهجوم، أو  ربما لم تصلهم بشكل نهائي أية مكالمات تحذيرية، سواء من المستوطنات أو أمراكز القيادة الأسرائيلية الأخرى  لأن حماس نجحت في القيام  بالتشويش على اتصالات الهواتف المحمولة القادمة من المنطقة الحدودية، ومن المحتمل أن المسلحين استخدموا أجهزة تشويش تجارية محمولة، متاحة على الإنترنت مقابل مبلغ زهيد يصل إلى 800 دولار أمريكي  وهذه الأجهزة تستخدم  تقنية بسيطة لتعطيل الإشارات، مثل  إطلاق الضوضاء الإلكترونية على الترددات التي تستخدمها شركات الهاتف المحمول، وهنا  يقول نيلسون من معهد بروكينغز: “إنها إحدى القواعد الأولى للحرب: أخرج اتصالات العدو من الخدمة”

وبمجرد مرور المسلحين عبر الحواجز، لن تكون هناك حاجة للقلق بشأن تشغيل أجهزة استشعار أخرى أو أسلحة آلية – حيث كانت جميع الدفاعات موجهة نحو جانب غزة من الحدود.

 

فشل القبة الحديدية

لم يكن الأمر يقتصر على مقاتلي حماس الذين يأتون عبر الحدود دون عوائق،  فقد تم إطلاق وابل من الصواريخ يصل إلى 5000 صاروخ من غزة، مما أدى إلى اجتياح “القبة الحديدية” الإسرائيلية – وهو نظام دفاع صاروخي تثق به الدولة لدرء الأضرار الجسيمة من ترسانة حماس، واخترقت عشرات الصواريخ المدن والقرى الإسرائيلية وأصابتها، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل.

تم تصميم نظام الدفاع الصاروخي “القبة الحديدية” لالتقاط أي صاروخ قادم على الرادار، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد مساره إذا كان يشكل تهديدا لمنطقة مأهولة بالسكان، وإذا كان الأمر كذلك، يتم إطلاق صاروخ اعتراضي لتفجيره من السماء. لقد نجح النظام الذي تبلغ تكلفته 1.5 مليار دولار بشكل جيد بالنسبة لإسرائيل منذ اكتماله في عام 2011، حيث تمكن من تدمير حوالي 95% من الصواريخ القادمة.

 

كيف تغلبت حماس علي القبة الحديدية :

استخدمت حماس تكتيكًا بسيطًا للتغلب على القبة الحديدية، وقد تغلبت ببساطة علي نظام  الدفاع الصاروخي الأسرائيلي من خلال إطلاق أعداد هائلة من الصواريخ حيث  أطلقت حماس ما بين 3000 إلى 5000 صاروخ في يوم الهجوم. ولم يكن لدى إسرائيل سوى حوالي 1000 صاروخ اعتراضي في الميدان، ولم يتمكن الجيش من  من إعادة التحميل بسرعة كافية لمواكبة وابل الصواريخ. التي أطلقتها حماس، وقد كان صدمة كبيرة أن تكون حماس تمتلك عددا من  الصواريخ يفوق كثيراً ما تمتلكه إسرائيل من صواريخ، رغم أن صواريخ حماس رخيصة الثمن وقليلة الأمكانيات، وعلى هذا فقد كانت  العوامل الاقتصادية لصالح حماس، وهنا  يقول بويد من جامعة كولورادو: “تبلغ تكلفة الصواريخ الاعتراضية الإسرائيلية أكثر من 50 ألف دولار للصاروخ الواحد “. “وهذا يزيد 100 مرة عن تكلفة صاروخ حماس ومع ذلك فإن عدد صواريخ حماس أعطاها قدرة كبيرة علي التأثير والسيطرة ”  

 

اختراق إسرائيل والتنصت عليها :

وكان الفشل الثالث لأسرائيل هو عجزها عن مراقبة حماس والتنصت علي مكالماتها الهاتفية، وكذلك الفشل الذريع في مراقبة كافة أشكال الإتصالات الإلكترونية الأخرى فقد كانت إسرائيل تملك الأمكانات الهائلة للتنصت علي كل مكالمة هاتفية يتم إجراؤها في غزة وكذلك مراقبة كافة أشكال الأتصالات الألكترونية ،  واعتمدت إسرائيل على هذا التنصت لتوفير إنذار مبكر لأي هجوم محتمل، على افتراض أنه سيكون هناك أحاديث بين المسلحين إذا شرعوا أو فكروا في الهجوم، ومن الواضح أن حماس نجحت في تحويل هذه القدرة لتكون ضد الأسرائيليين  ليس فقط من خلال الاعتماد بشكل صارم على الاتصالات المباشرة وجهاً لوجه خلال التخطيط للهجوم، ولكن من أيضا من خلال الإدلاء عمداً بتعليقات في مكالمات هاتفية تشير إلى قلة الرغبة في المواجهة من أجل تضليل الأسرائيليين .

ومع اجتياح حماس للقواعد العسكرية الأسرائيلية القريبة، وطمس أعينها الإلكترونية، وقطع  اتصالاتها المحلية والتشويش عليها، لم تتمكن  المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من صد الهجوم  سوى القيام بقليل  من الهجمات المضادة، وبقيت أكثر من ساعتين وهي لا تعلم بالغزو الذي قامت به حماس ، ، ومرت ست ساعات قبل إصدار إنذار بأن هناك  أزمة كبيرة.

 

تدمير الميركافا :

وفي وقت ما خلال  الساعات الأولى من الهجوم، ظهرت دبابة ميركافا إسرائيلية واحدة لمواجهة مجموعة من مقاتلي حماس، كان ينبغي أن تكون معركة غير متوازنة، تعد ميركافا واحدة من أكثر الدبابات تقدمًا في العالم، وهي مليئة بالمدافع القوية وإلكترونيات الاستهداف المتطورة وأحدث الدروع الدفاعية، لكن المسلحين فجروا الدبابة بسرعة، مستخدمين نفس الحيلة التي استخدمتها القوات الأوكرانية ضد الدبابات الروسية: إسقاط قنابل يدوية من طائرات صغيرة بدون طيار (متاحة تجاريا). وسرعان ما واجهت الميركافا الثانية المهاجمين ولقيت نفس  المصير.

 

انهيار النظام الدفاعي :

في الأساس، فشلت كل عناصر القدرات الدفاعية الإسرائيلية المشهورة ذات التقنية العالية، الأمر الذي أدى إلى انهيار كامل للنظام.

ولكن الأمر الأكثر أهمية من أي شيء آخر، هو التأخير الذي دام لساعات في الرد، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى فعالية الدفاعات الأسرائيلية، لقد  استغرق الأمر حوالي ثماني ساعات لوصول قوات عسكرية إسرائيلية كبيرة والبدء في صد أول المسلحين، واستغرق الأمر حوالي 20 ساعة ليقوم الجيش بمواجهة آخر المهاجمين.

وفي هذا يقول بومان: ” إن النجاح في الاشتباك في ساحة المعركة في المستقبل سيكون مرتبطًا بمن يمكنه إتقان “القتل بشكل أسرع”. “وهذا يعني أن تكون سريعًا في اكتشاف ما يفعله خصمك، وتقرر كيفية الرد والقيام بهذا الرد، وستكون الحياة والموت مسألة ثوانٍ ودقائق.”

ويضيف أنه بهذا المقياس الحاسم، فإن أداء الدفاعات الإسرائيلية عالية التقنية كان مخيبا للآمال. وفي الواقع، فإن عدد الدقائق التي استغرقها الجيش لصد الهجوم بالكامل – حوالي 1200 دقيقة – يساوي تقريبًا عدد المدنيين الإسرائيليين الذين تم ذبحهم.

 

ضعف القوة في التكنولوجيا المتطورة  :

لقد بدا الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا منذ فترة طويلة بمثابة استراتيجية رابحة للولايات المتحدة. وفي حروب الخليج في عامي 1991-1992 و2003، ساهمت أنظمة الدفاع الجوي عالية التقنية والقاذفات الشبح في “القوة الساحقة” التي أصبحت شعارًا للجيش الأمريكي.

وخلال السنوات العشرين الماضية، واصل الجيش الأمريكي زيادة استخدامه للمعدات عالية التقنية، ومن بين التقنيات التي وصلت إلى اختبارات متقدمة الصواريخ ذاتية التحكم القادرة على العثور على أهدافها دون الحاجة إلى استهدافها، والمركبات المدرعة ذاتية القيادة، وحزم الطاقة التي يمكنها تعطيل أسلحة العدو، و”الهياكل الخارجية” التي تحيط بالمقاتل بأدوات كهربائية ، مثل الدعامات المعدنية لتضخيم قوتها.

ولكن الآن، بدأت هذه الميزة التكنولوجية في الخضوع لقانون تناقص العائدات، لقد أثبت عقدان من القتال في أفغانستان أن الأسلحة ومعدات التجسس الأكثر تقدما يمكن أن يعترضها خصم ذو تكنولوجيا منخفضة يرغب في الاختباء بين المدنيين، والعيش في الكهوف الجبلية، وتجنب الاتصالات الإلكترونية، والتضحية بحياتهم للوصول إلى العدو، وعلى الرغم من مرور عقود منذ أن كانت الولايات المتحدة في حالة حرب مع دولة متقدمة، فإن منافسيها الرئيسيين اليوم يمكنهم مضاهاة السلاح العسكري الأمريكي إلى حد كبير، والأهم من ذلك، تجاوز الجيش الأمريكي في العدد الهائل من القوات. يقول بويد: “التكنولوجيا تضاعف القوة، لكنها ليست الكأس المقدسة”. وأضاف: “البنتاغون يراقب ما يحدث في إسرائيل، وعليه أن يجعلهم يفكرون في نقاط ضعفنا”.

يقول بومان: إنهم بحاجة إلى التفكير بسرعة. ويوضح: “ما حدث في إسرائيل هو نسخة مما قد نواجهه في أي وقت”. وأضاف: “مع وجود روسيا في أوكرانيا، وتهديد الصين لتايوان، واتجاه إيران نحو القدرة النووية في الوقت الذي تهدد فيه إسرائيل، وتهديد كوريا الشمالية، فإننا نواجه أكثر البيئات الأمنية صعوبة التي رأيتها في حياتي”.

 

أمريكا خائفة من نجاح حماس :

أحد الأسباب التي تجعل الولايات المتحدة وحلفائها قلقين هو أن الولايات المتحدة تعتمد على تكنولوجيا أمنية مماثلة لإسرائيل، وفي كثير من الحالات، نفسها. فقد تم تطوير نظام الجدار الحديدي الدفاعي على حدود غزة، والقبة الحديدية للدفاع الصاروخي، وغيرها من تقنيات الدفاع الإسرائيلية بالاشتراك مع الولايات المتحدة بموجب اتفاقيات تعود إلى إدارة أوباما، لقد  أصبح الجدار الحديدي هو  المفضل بشكل خاص لإدارة ترامب، التي خططت لبناء نسخته الخاصة على طول الحدود مع المكسيك.

واليوم، يتم نشر العديد من هذه التقنيات، أو الأنظمة المشابهة لها، على حدود الولايات المتحدة ، و في الواقع، لقد قدمت إسرائيل العديد من الطائرات بدون طيار التي تعتمد عليها الولايات المتحدة لاكتشاف المعابر الحدودية غير القانونية وغيرها من التهديدات على الحدود الجنوبية، وهي نفس الطائرات بدون طيار التي تستخدمها إسرائيل على حدودها، وقد تحدث قسم العلوم والتكنولوجيا التابع لوزارة الأمن الداخلي علناً عن جهوده لنشر أجهزة استشعار جديدة للتصوير والرادار في “أبراج المراقبة المستقلة” على الحدود، وطائرات بدون طيار للقيام بدوريات على الحدود، وأجهزة استشعار لكشف الأنفاق مماثلة لتلك الموجودة في إسرائيل.

و لا يشمل الأمن على حدود الولايات المتحدة حاليًا أجهزة التحكم عن بعد أو الأسلحة الآلية التي تعمل وحدها كما كان علي حدود إسرائيل مع غزة، لكن الجيش الأمريكي يستخدم نفس التقنيات  لحماية القواعد العسكرية والسفن البحرية. وعلى وجه التحديد، نشرت الولايات المتحدة حوالي 100 من محطات أسلحة شمشون الإسرائيلية التي يتم التحكم فيها عن بعد، وهي نفس المحطات المنتشرة على حدود إسرائيل مع غزة، واشترى الجيش الأمريكي أيضًا طائرة المراقبة بدون طيار من طراز Skylark إسرائيلية الصنع فائقة القدرة والتحمل .

 

أنظمة الدفاع المشتركة مع إسرائيل :

وهذا مجرد عدد قليل من العديد من أنظمة الدفاع عالية التقنية التي طورتها إسرائيل أو بالاشتراك معها، والتي ينشرها الجيش الأمريكي لحماية المدن والقواعد العسكرية حول العالم، إن صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية تُصنع إلى حد كبير في أمريكا لدى قوات مشاة البحرية الأمريكية وهناك  2000 صاروخ  تحت الطلب لكن  منصة إطلاق القبة الحديدية إسرائيلية الصنع وتمتلك الولايات المتحدة اثنتين منها، وكلاهما سيتم شحنهما قريباً إلى إسرائيل لتعزيز دفاعاتها بعد 7 أكتوبر. ويمتلك كل من الجيش الأمريكي وإسرائيل أيضًا نظامًا مضادًا للصواريخ عالي التقنية يسمى “مقلاع داود”، تم تطويره بشكل مشترك بين البلدين.

 

دبابات ميركافا وإبرامز :

وكما هو الحال في دبابات ميركافا الإسرائيلية، فإن دبابة إم1 أبرامز الأمريكية تتمتع مع غيرها من المركبات المدرعة بحماية العديد من الأنظمة عالية التقنية، بعضها تم تطويره بالأشتراك مع إسرائيل وتشمل هذه الأنظمة نظام Trophy، الذي يكتشف الصواريخ القادمة أو المقذوفات الأخرى ويطلق تلقائيًا صاروخًا صغيرًا خاصًا به لتفجيرها، ونظام القبضة الحديدية، الذي يخلط إلكترونيًا إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) للصواريخ القادمة ويؤدي إلى انفجارها.

كما تزود إسرائيل الولايات المتحدة بـ “بلاطات مدرعة تفاعلية” يتم تركيبها على السطح الخارجي للدبابات، وتنفجر إلى الخارج عندما تصطدم بأي قذيفة لحماية الجزء الداخلي للدبابة.

علاوة على هذه التقنيات، يذهب أكثر من مليار دولار سنويًا من ميزانية البنتاغون إلى الذكاء الاصطناعي ،  سيؤدي بعض هذا الإنفاق إلى إنتاج المزيد من المركبات العسكرية والأسلحة التي لديها القدرة على العمل بشكل تلقائي، مما يعني مشاركة أقل للجنود والعناصر البشرية.

 

تفوق حماس علي التكنولوجيا  :

وإذا كانت مجموعة ضعيفة الموارد مثل حماس قد تمكنت من تفجير الدفاعات التكنولوجية الإسرائيلية التي تحظى بتفوق كبير، فتخيل ما يمكن أن يفعله هؤلاء الخصوم المحتملون الأكثر تقدمًا لتحدي التفوق التكنولوجي الدفاعي الأمريكي. يقول بومان: “تكتسب هذه الدول ووكلاؤها الإرهابيون المزيد والمزيد من القدرات، ويصلون إلى قدرات تكنولوجية مثيرة للإعجاب بشكل لا يصدق”.

 

تفوق الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية :

أصبحت الصين وروسيا خبيرتين في الحرب السيبرانية والذكاء الاصطناعي ،  إنهم يستخدمون قاذفاتهم الشبح والصواريخ “التي تفوق سرعتها سرعة الصوت” والتي تتحرك بسرعة كبيرة بحيث لا يمكن لأنظمة الدفاع الصاروخي الحالية استهدافها. تعد إيران واحدة من الدول الرائدة عالميًا في مجال الطائرات بدون طيار المجهزة بالقنابل، ويمكن لكوريا الشمالية إطلاق ما يصل إلى 60 صاروخًا نوويًا على صواريخ يمكنها السفر بدقة معقولة تصل إلى 10 آلاف ميل.

 

الدروس المستفادة

بطبيعة الحال، ستكون إسرائيل نفسها أول من يعيد تقييم اعتمادها على الأمن عالي التقنية ومعرفة الدروس التي يمكن استخلاصها من رعب السابع من أكتوبر،  وهذه التجربة الرهيبة تقدم درسًا واحدًا فوق كل الدروس الأخرى، كما يؤكد يوسي كوبرفاسر، مدير الأبحاث في IDSF، وهو مركز أبحاث دفاعي إسرائيلي له علاقات وثيقة مع الجيش،  هذا الدرس هو : “لا يجب أن تعتمد إسرائيل  بشكل مفرط على التكنولوجيا وحدها”. ويقول: “عندما تبدأ في الشعور بأنك قادر على السيطرة على الوضع من بعيد، وأنك لا تحتاج إلى التواجد هناك على الأرض، فإنك ترتكب خطأً كبيراً”.

يتحدث كوبر فاسر من واقع خبرته. وهو جنرال احتياطي في الجيش الإسرائيلي، ورئيس سابق للأبحاث في فيلق المخابرات التابع للجيش الإسرائيلي، وخدم في الحربين الأخيرتين لإسرائيل وكان ملحقًا استخباراتيًا في الولايات المتحدة وقد جعله هذا المنظور مصرًا على محدودية التكنولوجيا فيقول: “لا يمكن لأي تكنولوجيا أن تحل محل الجندي في ساحة المعركة”.

ويوضح كوبرفاسر أن الأمر المغري في التكنولوجيا هو أنها أقل تكلفة من القوات الموجودة على الأرض، سواء من الناحية المالية أو بسبب نفور الدولة المفهوم من وقوع إصابات، حقا  يمكن للتكنولوجيا أن تعمل بلا كلل دون طعام أو ماء أو أجر؛ والتقاط ما قد تغفل عنه أعين البشر؛ والضرب بشكل أسرع وأكثر دقة وعلى مسافات أكبر من قدرة البشر و لا أحد يبكي عندما يتم خسارة الآلة.

ومع ذلك، يؤكد كوبرفاسر أن الجمع بين التكنولوجيا والجنود هو الذي سيحمي المدنيين ويحقق النصر بالمعارك ،  ويقول: “يمكن للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة أن يساعدا البشر بطرق تتحسن باستمرار ، لكن لا يمكنك تجنب الحاجة إلى إبقاء العناصر البشرية أو الجنود على اطلاع ،  إذا اعتمدت كثيرًا على التكنولوجيا، فسوف تتفاجأ، كما حدث لنا ،  في كل مرة تضع فيها حلاً تكنولوجيًا لردع العدو، فإن العدو يأتي بطريقة جديدة للتغلب عليها.”

 

حماس وقوة الضعف :

لقد أصبح الخصوم جيدين في تعطيل التقنيات المتطورة والمكلفة باستخدام تقنيات بسيطة وخامات فقيرة يقول نيلسون: “لقد فعلت حماس ما فعلته باستخدام أدوات ذات تكنولوجيا منخفضة نسبياً ، لقد استخدموا التقنيات المتاحة تجاريا لمواجهة أجهزة الاستشعار والدبابات التي تكلف الملايين”. ويضيف : ” إن ما يجعل نقاط الضعف التكنولوجية أسوأ بكثير هو أنها تظهر فقط عندما يستغلها العدو فجأة، كما حدث في إسرائيل فالأسلحة والدفاعات عالية التقنية هشة، وغالباً إذا لم يتم اختبارها في ظروف القتال، فإن النتيجة هي مفاجآت كارثية لا يمكن تحملها”.

ويقول بويد إن القوات تظل هي السلاح النهائي، وإلى حد كبير فإن النجاح في الحرب والدفاع يعتمد على عدد القوات المنتشرة ،  لقد كان العدد الهائل من المسلحين الذين يتدفقون على إسرائيل هو الذي أثبت في نهاية المطاف أنه مميت وفعال للغاية ،  ومن المثير للقلق أن نعتبر أن عدد القوات العسكرية لكوريا الشمالية يبلغ حوالي ثلاثة أضعاف حجم القوات الأمريكية. “إذا غزت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية، حتى مع الولايات المتحدة”. ويقول: “من المرجح أن تنهار الدفاعات بالعدد الهائل من الأشخاص الذين ينشرونهم”.

عندما يتعلق الأمر بنشر القوات، فإن كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل، إلى جانب العديد من حلفائهم، تشترك في نوع من العيوب هو أنهم  أقل استعدادًا لقبول الخسائر من العديد من خصومهم.

في نهر الأخبار الصادمة التي خرجت من إسرائيل وقت الهجمات، لم يُذكر سوى القليل عن أن عدد مقاتلي حماس الذين قُتلوا في هجوم 7 أكتوبر – حوالي 1500 شخص – وهو ما يفوق عدد الإسرائيليين الذين قُتلوا في نهاية المطاف لكن حماس احتفلت، بينما أعلنت إسرائيل الحداد.

يقول كوبرفاسر إن الفظائع والكوارث التي نجمت عن اعتماد إسرائيل المفرط على الدفاعات عالية التقنية، قدمت دروسًا حاسمة وقاسية لإسرائيل وغيرها. ويضيف: “المشكلة الوحيدة هي أننا ندفع ثمناً باهظاً في المقابل”.

 
المصدر: احمد منصور

رابط المقال: مجلة نيوزويك الأمريكية

 

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.