هدنة هشة في اليمن.. عوامل انفجار النزاع قائمة
انخفاض مستوى النزاع في اليمن هو العنوان الأبرز الذي تضمّنه تقرير فريق الخبراء المعني باليمن التابع للأمم المتحدة، الذي يغطي الفترة من 1 ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى 31 أغسطس/آب 2023، غير أن التقرير تضمّن العديد من الأزمات في الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية، التي تهدد بعودة وتيرة النزاع إلى ما قبل هدنة إبريل/نيسان 2022.
وأكد التقرير أن مجلس القيادة الرئاسي يواجه العديد من التحديات والانتقادات، وقد أثرت الآراء والتطلعات السياسية المتباينة لأعضائه على وحدته وأدائه، ولم تتمكن اللجان الأربع التي شُكّلت عقب إنشاء مجلس القيادة الرئاسي، وهي اللجان القانونية، والاقتصادية، والأمنية والعسكرية، ولجنة المصالحة، من تحقيق أي تقدّم ملموس في أداء المهام الموكلة إليها، والأهم من ذلك أن اللجنة العسكرية لم تتمكن من توحيد القوات المسلحة المختلفة تحت قيادة واحدة.
ولفت التقرير إلى ازدياد التوترات بين مجلس القيادة الرئاسي و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، وأعطى انضمام عضوين في مجلس القيادة الرئاسي موالين للحكومة إلى "المجلس الانتقالي الجنوبي" ميزة عددية للأخير، وعزز نفوذه باتجاه إقامة دولة مستقلة في الجنوب.
مجلس القيادة الرئاسي يواجه العديد من التحديات والانتقادات، وقد أثرت الآراء والتطلعات السياسية المتباينة لأعضائه على وحدته وأدائه
وأشار التقرير إلى أن الحوثيين يرفضون الدخول في أي نوع من الحوار مع حكومة اليمن، ويفضّلون إجراء محادثات مباشرة مع السعودية، والمطالب التي يقدمونها شرطاً للموافقة على أي مقترحات سلام تستند دائماً إلى اعتبارات اقتصادية.
وتشمل هذه المطالب رفع القيود المفروضة على ميناء الحديدة، ودفع الرواتب، بما في ذلك رواتب أفراد الجيش وقوات الأمن، والحصول على حصة كبيرة من إيرادات النفط.
عوامل انفجار النزاع قائمة
وأشار التقرير إلى أنه خلال الفترة من نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إلى يونيو/حزيران 2023، اعترضت الحكومة اليمنية 254 طائرة مسيّرة، و100 محرك لطائرات مسيّرة، وما يقرب من 5 أطنان من السلائف (مواد كيميائية) الخاصة بصنع المتفجرات، ومركبتين لدفع الغواصين وقطعاً متنوعة من المعدات العسكرية.
وفي أعقاب الهجمات على ميناء الضبة النفطية في محافظة حضرموت في أكتوبر/تشرين الأول 2022، خسرت حكومة اليمن إيرادات تبلغ حوالي 1.2 مليار دولار سنوياً. وأدى التحول في الواردات من عدن إلى الحديدة إلى خسارة فادحة في الإيرادات قدرها 637.36 مليار ريال يمني (نحو 2.5 مليار دولار) منيت بها حكومة اليمن خلال الفترة من إبريل 2022 إلى يونيو 2023، في حين حقق الحوثيون مكسباً كبيراً.
ويقدر مجموع الخسائر في الإيرادات بسبب الحظر المفروض على شراء غاز الطهي من حكومة اليمن بنحو 46 مليار ريال يمني (نحو 184 مليون دولار) سنوياً.
ولفت التقرير إلى أنه في ظل الآلية الجديدة التي بدأ تنفيذها في مارس/آذار 2023 لتحصيل الإيرادات في منافذ الجمارك البرية، بدأ الحوثيون يتعاملون مع المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة باعتبارها أرضاً أجنبية للأغراض الجمركية، ما أدى فعلياً إلى تقسيم اليمن إلى بلدين.
وأكد التقرير أن تنظيم "القاعدة في شبه الجزيرة العربية" يحافظ على وجود قوي في محافظتي أبين وشبوة، مع استمرار عملية "سهام الحقيقة" التي أطلقها التنظيم، وشنّ التنظيم عمليات كر وفر مخططاً لها جيداً ضد القوات الحكومية والقوات التابعة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي".
وحقق فريق الخبراء المعني باليمن في العديد من الهجمات التي ارتكبتها أطراف النزاع المختلفة. ووفقاً للبيانات التي اطلع عليها الفريق، وقعت 1436 إصابة بين المدنيين، وكان من بين المصابين 253 طفلاً، ووقع 341 هجوماً على الهياكل الأساسية المدنية، لا سيما المباني السكنية والمركبات، وذلك منذ بداية ديسمبر 2022 حتى نهاية أغسطس 2023.
وأشار التقرير إلى أن المدنيين في اليمن يتعرضون للتهديدات المتعلقة بالألغام الأرضية والأجهزة المتفجرة يدوية الصنع والذخائر غير المتفجرة، وفي الفترة من 1 ديسمبر 2022 إلى 31 أغسطس 2023، أسفرت الحوادث التي تنطوي على متفجرات من مخلفات الحرب، بما في ذلك الألغام الأرضية والذخائر غير المتفجرة عن 417 إصابة بين المدنيين، منها 140 حالة وفاة و277 إصابة بجروح.
وأكد التقرير أن جميع أطراف النزاع قامت بأعمال الاحتجاز التعسفي أو الإخفاء القسري التي طاولت رجالاً ونساء وأطفالاً، وذلك في المقام الأول بسبب ارتباطهم المتصور بأطراف معارضة، أو لأغراض مكافحة الإرهاب، أو للحصول على فدية.
وحقق الفريق في عدة حالات لرجال ونساء وأطفال محتجزين أو مخفيين قسراً، تعرضوا ولا يزالون يتعرضون للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
هدنة هشة في اليمن
وحول هذا التقرير، اعتبر المحلل السياسي سعيد عقلان، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن مضمون تقرير لجنة الخبراء يؤكد أن اليمن يعيش في ظل هدنة هشة، ولا توجد مؤشرات للتعافي في الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، بل هناك تأجيل أو ترحيل للمشاكل، بدليل أن استعراض القوة والتحشيد والتهديد بالأعمال العسكرية لا تزال حاضرة.
وأضاف أن "هناك حرباً اقتصادية تلقي بظلالها على المواطنين، ولم يحصل تعافٍ للوضع الاقتصادي لا في مناطق الحكومة الشرعية ولا في مناطق سيطرة الحوثيين، بالإضافة إلى أن بوادر التوجه إلى حل سياسي ينهي الأزمة السياسية تكاد تكون ضعيفة إن لم نقل منعدمة".
ورأى عقلان أن التقرير جاء في فترة الهدنة المعلنة، إلا أن مضمونه يعد امتداداً للتقارير السابقة، فما زال هناك تصعيد وتحشيد عسكري، وسقوط قتلى في مختلف المناطق، خصوصاً من المدنيين، وما زال هناك انقسام اقتصادي يؤثر على المواطن بالدرجة الأولى. وأشار إلى أن جميع الأطراف لا تزال تمارس انتهاكات حقوق الإنسان بنفس وتيرة الفترات السابقة التي سبقت الهدنة المعلنة برعاية الأمم المتحدة في 2 إبريل 2022.
التعليقات