شريعة الغاب

المتتبع لمجريات الأحداث على الساحة الدولية يجدها طافحة بالتناقضات وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين في كافة القضايا والأزمات والحروب؛ يتم ذلك وفقاً لرغبات ومصالح القوى الإمبريالية صاحبة اليد الطولى في التحكم بالقرارات الدولية إنفاذاً أو نقضاَ؛ حيث تتوزع هذه القوى الأدوار وتتبادل المصالح على حساب قضايا ومصائر الشعوب المغلوبة في جميع أنحاء العالم. أسقطت هذه القوى أنظمةً شرعيةً ودعمت انقلاباتٍ عسكريةً وجماعاتٍ مليشاويةٍ وجنرالات متمردة بغية تحقيق مصالحها وتثبيت وجودها هنا أو هناك. تمارس قوى التسلط أعمالاً وترتكب جرائم في خرق واضح للقانون الدولي؛ ثم تلحقها المؤسسات الدولية لشرعنة تلك الجرائم، وحين تضغط بعض الدول في هذه المؤسسات من أجل تبني قرارات ضد مصالح قوى الاستعمار؛ تسبقها هذه القوى لإبطالها بحق النقض (الفيتو). يشن الكيان الصهيوني حرب إبادة على قطاع غزة؛ جاهرت كلٌ من الولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول العظمى بمشاركتها في هذه الحرب، وأكد الرئيس بايدن أنه صهيوني، وقال الرئيس مانويل أنه يهودي، وتقاطر معظم زعماء الدول الغربية إلى إسرائيل، وأرسلوا شحناتٍ عسكريةً مهولة، وأمروا قادة الدول العربية التزام الصمت وعدم الخوض في مجريات الحرب على غزة إطلاقاً؛ وبالفعل التزم القادة العرب بتلك التوجيهات ونفذوا تلك الأوامر؛ وفي كل مرة يقدّم بعض الأحرار في مجلس الأمن مشاريع قراراتٍ تُدين الحرب على غزة وتدعو إلى وقفها؛ يكون الفيتو الأمريكي لها بالمرصاد. يرسلون أحدث الأسلحة للكيان الصهيوني، ويمنعون دخول الخبز والماء إلى قطاع غزة. وقد اعتبر أسود الغابة احتجاز حماس لعدد من الصهاينة ـ بغرض التبادل ـ عملاً ارهابياً بحتاً؛ ويرون أن اعتقال الكيان الصهيوني لأكثر من ستة آلاف فلسطيني ـ مضى على بعضهم عقود من الزمن في السجن ـ أمراً مبرراً. في الدول العظمى لا صوت يعلو فوق صوت الشعب، في حين أنه لا معنى لإرادة الشعوب المقهورة التي لا تطمئن تلك الدول لرعاية هذه الشعوب لمصالحها والدفاع عن نفوذها. يرى هؤلاء الطغاة دولة الاحتلال الإسرائيلي أنموذجاً للديمقراطية والحداثة يجب دعمه، ويعتبرون قوى المقاومة لهذا الاحتلال منظماتٍ إرهابيةً يجب محاربتها.

عندما يُقدم أحد المتطرفين من غير المسلمين على قتل عشرات المسلمين من الأقليات؛ يعلّلون ذلك بأن الجاني يعاني من أمراضٍ نفسية، وعندما يفكر أحد المستهدفين بهذه العمليات في الدفاع عن نفسه يطلقون عليه إرهابياً!

لأكثر من أربعين عاماً (تخوض) الولايات المتحدة الأمريكية (حرباً إعلامية) مع إيران؛ فيما الآلة العسكرية لكلتا الدولتين تعمل بشراسة في عدد من الدول العربية والإسلامية قتلاً وتدميراً؛ وتطلق إيران على الولايات المتحدة (الشيطان الأكبر) وتعتبر الأخيرة إيران دولة إرهابية؛ ومع ذلك لم تخوضا أي حربٍ أو تتواجها في أي معركة.

تتبنّى الأمم المتحدة ما يُسمّى بالتدخلات الإنسانية في مواطن النزاعات والحروب وتدعو الدول إلى دعم هذه البرامج الإغاثية، وتعلن الدول المانحة تبرعاتها بمبالغ مهولة؛ هذه المبالغ يتم توزيعها ابتداءً على قيادة البرامج وإدارتها التنفيذية وفرق العمل والاستشاريين والخبراء والقانونيين والإعلاميين التابعين للأمم المتحدة المنتشرين في الكوكب الأرضي ـ عطاء من لا يخشى الفقر، فيما الفئات المنكوبة المستهدفة من هذه البرامج وهذه التبرعات هي آخر اهتمامات القائمين على هذه البرامج حيث تُعطى كل أسرة سلة غذائية غير مكتملة بعد بحثٍ واستقصاء وبيانات ومعلومات وتسجيلات فيديو وتصوير فوتوغرافي.. إلخ. عمليات الهيمنة والاستحواذ ومصادرة الحقوق وانتهاك الحريات والاستيلاء على ثروات الشعوب من قبل دول الاستكبار؛ تتم تحت غطاء أممي ويرافقها حملات إعلامية ممنهجة عبر وكالات وإذاعات عالمية وقنوات عملاقة شريكة وأخرى مستأجرة. لصوصية ونصبٌ واحتيال تمارسها قوى الاستعمار الحديث في كل المجالات والصُّعد التي تنشئها المؤسسات الدولية.. فقد تحدثت تقارير صحيفة عن مظاهر فساد مالية مهولة في موازنات ومصروفات مبعوثيها إلى أماكن الحروب والنزاع ـ لإطالة أمدها وإذكاء نارها ـ خلافاً لما هو معلن، حيث بلغت موازنة أحد هؤلاء المبعوثين لعام واحد قرابة 17 مليون دولار! ولم يتم الإعلان عن أي (قلقٍ) أمميٍ حيال ذلك.

سِفرٌ من السفور الأممي لم يتوقف إلا إذا تحرك الواقفون المستهدفون من هذا الفساد المشرعن وهذا النفاق المخيف، فيتم التنسيق والاستفادة من الماضي والتخطيط للمستقبل، وتوظيف كل ما هو متاح واستغلال الفرص قدر الامكان بغية تغيير هذا الواقع المرعب.

*من حساب الكاتب على فيسبوك

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية