ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

الدراما الرمضانية بين الإخوان والحشاشين

عودتنا الدراما العربية في رمضان، على إثارتها للجدل خاصة في ما يتعلق بشؤون الحركات والجماعات الإسلامية، فتخلق حالة من الانقسام بين مقاعد المتفرجين، ما بين مؤيد ومعارض. نصيب الدراما المثيرة للجدل في رمضان عبّر عنه مسلسل «الحشاشين»، إخراج بيتر ميمي وبطولة الفنان كريم عبد العزيز، بعد تعاونهما في مسلسل «الاختيار»، الذي اعتمد الرواية الرسمية المصرية في قضية الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين.

المسلسل التاريخي يتناول حياة زعيم جماعة الحشاشين حسن الصباح، وهي جماعة باطنية، تاريخها حافل بالاغتيالات والتصفية الجسدية ضد خصوم الجماعة، في ظل انقياد تام ومطلق لزعيمها حسن الصباح، الذي استخدم المخدرات في تغييب عقول تابعيه، ليعزز في عقولهم أن مفتاح الجنة بيده، وهو أحد الآراء التاريخية التي فسرت سبب تسميتهم بالحشاشين، ومن ثم كانوا يطيعونه في كل ما يأمر، من دون مناقشته، لأنه بزعمهم سبيلهم إلى الفوز بالجنان.

لن أتحدث عن مضمون العمل الفني ومدى مطابقته للحقائق التاريخية، لأنني ببساطة لم أشاهده، وإنما تابعت أصداءه وردود الفعل من المعارضين والمؤيدين، وهو ما أسلط عليه الضوء في هذه السطور.

ما إن انطلق المسلسل حتى بدأت الإسقاطات السياسية، وانبرت الشخصيات والمنابر الإعلامية والثقافية التابعة والموالية للأنظمة المعادية لثورة الربيع العربي، تعقد ما تراه أوجه التشابه بين جماعة الحشاشين وجماعة الإخوان المسلمين، وتطنطن حول استفزاز المسلسل لجماعة الإخوان، وكيف أنهم يهاجمون هذا العمل الفني، لأنه كشفهم، وبيّن طبيعة التنظيمات السرية التي من ضمنها الإخوان. لفت نظري أن إحدى الصحف أثناء تناولها لهذه القضية وإسقاطها مضمون المسلسل على الإخوان، أنها ذكرت حراك يناير 2011 بصيغة «اضطرابات»، بينما ذكرت حراك 30 يونيو 2013 بصيغة «ثورة»، وذكرت الصحيفة نفسها، أن جماعة الإخوان دفعت عناصرها لتعاطي الترامادول المخدر للاعتصام في الميادين، وتنفيذ الاغتيالات كما كان يفعل الحشاشون، وهذا كافٍ جدا في معرفة توجهات مثل هذه المنابر الإعلامية وكيفية تعاطيها مع الأحداث.

 

"يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين هي العدو الذي تُستعاد عداوته لإلهاء الجماهير عن تقييم واقعها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي"

 

نتفق أو نختلف مع فكر جماعة الإخوان المسلمين، لكن التاريخ والواقع لن يدعا لأي منا مجالا للخلط بين الحشاشين والإخوان، وأي محاولة من هذا القبيل سيظهر مدى تكلفها وتعسفها، وبيان ذلك من عدة وجوه:

*أولا: جماعة الحشاشين جماعة طائفية نشأت في إيران، وزعيمها حسن الصباح كان تابعا للإمامية الإثنى عشرية ثم تحول إلى الإسماعيلية، ما جعلها تصطدم بالمناخ العام السني الذي تمثله الدولة السلجوقية والدولة العباسية والخوارزميون والأيوبيون، خاصة أن جماعة الحشاشين قامت بتصفية عدد ضخم من المعارضين الذين يستنكرون دعوتهم، لإثارة الرعب في القلوب. أما جماعة الإخوان، فقد كانت جماعة دينية اجتماعية اعتمدت الحل الإسلامي لكل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولم تأت بمنهج يشذ عن المناخ السائد في الأمة، إنما كانت أحد مشاريع إحياء الخلافة التي ألغيت في الربع الأول من القرن العشرين.

*ثانيا: قضية الطاعة كانت في منهج الحشاشين طاعة مطلقة، ناشئة عن تقديس مطلق للإمام تصل إلى التأليه واعتقاده العلم بالغيب وأنه السبيل إلى دخول الجنة. أما قضية السمع والطاعة في الإخوان، التي يعبر عنها بالبيعة، فلم يكن لها هذا الشكل الكهنوتي، وإنما كانت إجراء تنظيميا لضمان تسيير أعمال الجماعة، بصرف النظر عن مدى صحة تكييفها الفقهي، ولم تكن قضية عقدية بدليل أن العديد من رموز وكوادر الإخوان قد تركوا الجماعة دون أن يُكفروا أو يُستهدفوا.

*ثالثا: جماعة الحشاشين كانت تغتال معارضي دعوتها، وتقوم بتصفية الرموز السياسية والسنّية، التي تعارض أفكارها ونهجها، وشكّلت فرقة من الانتحاريين الذين لو طلب من أحدهم ذبح أبيه لفعل، وسميت بالفدائيين.

وبالنظر بإنصاف إلى واقع جماعة الإخوان المسلمين، سيظهر لنا في يسر أنها رغم الضربات التي تلقتها على مدى عقود، كانت ترفع شعار السلمية، إلى الدرجة التي أدت إلى امتعاض كثير من شبابها تحت وطأة الهجوم على الجماعة، فلم تدعُ قياداتها يوما لحمل السلاح في وجوه الأنظمة ومؤسساتها.

أما من يريد محاكمة الجماعة بإحدى حقبها التي تضمنت ما يعرف بالتنظيم السري للإخوان، الذي كان في فترة متقدمة من حياة الجماعة، فقد أُنشئ بالأساس لمواجهة الاحتلال البريطاني لمصر والصهاينة في فلسطين، وليس موجها للداخل المصري، بدليل أنه كان من أعضائه جمال عبد الناصر الرئيس المصري الأسبق، وخالد محيي الدين عضو مجلس قيادة الثورة باعتراف هذا الأخير. أحد أعضاء هذا التنظيم اغتال رئيس الوزراء المصري النقراشي باشا، الذي حل الجماعة ونكّل بها، وتبرأ حسن البنا من هذا الفعل بمقال شهير عنوانه «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين»، وسواء كان الاغتيال عملا فرديا أو مؤسسيا، تمت التغطية عليه بالتبرؤ من فاعله، فهو في النهاية خطأ كبير، ولكن يبقى اغتيال النقراشي وسلفه أحمد ماهر والقاضي الخازندار، غير كافٍ في أن توجه إلى الجماعة عبر تسعين عاما تهمة العنف والتصفية الجسدية.

وإننا في هذا المقام نتساءل: أين جماعة الإخوان التي لا تزال الأنظمة تخلق جولات وهمية من الصراعات معها؟ هم في القبر أو السجن أو المنفى، ولكن يبدو أن هذه الجماعة هي العدو الذي تُستعاد عداوته لإلهاء الجماهير عن تقييم واقعها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وإشعار الجماهير بالنعمة العظيمة التي أسدتها الحكومات لشعوبها وهي القضاء على جماعة الإخوان المسلمين، وما أسرع استجابتنا لمحاولات تغييب العقول، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.