استنزاف”.. مقاومة مسلحة غير منظمة تتشكل في مناطق الحوثيين
تتشكل عمليات مقاومة شعبية غير منظمة ضد جماعة الحوثي المسلحة في مناطق سيطرتهم، مع استمرار الحركة في استخدام آلة العنف لترسيخ سلطتها التي فشلت في إدارة مؤسسات الدولة وتقديم الخدمات للمواطنين الذين يتزايد غضبهم بمرور الأيام.
وعادة ما تبعث الجماعة بكبار قادتها لاحتواء القبائل، بما في ذلك مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي للجماعة الذي اجتمع عدة مرات في سبتمبر/أيلول بشيوخ قبائل محافظات ذمار وصنعاء وعمران وصعدة وحجة، مكرِّراً في اجتماعاته أن أولوياتهم “مواجهة العدوان والحفاظ على الجبهة الداخلية وإصلاح مؤسسات الدولة”. لكنه بالمقابل هدّد بأن “المخالفين للقانون سيتعرضون للردع بالقوات المسلحة”.
“حتى العبيد لا يعاملهم أسيادهم كما تعامِل سلطةُ صنعاء (الحوثيُّ) الشعبَ اليمنيَّ”، هكذا كَتب أحد شيوخ قبائل دهم البارزين الذين لم لم يشتبكوا بَعْدُ مع الحوثيين، لكنه يستخدم صفحته على فيسبوك لانتقاد الجماعة.
عمليات مقاومة غير منظمة
في التاسع من أغسطس/آب قُتل أحد المقاتلين الحوثيين يدعى “حمدي جباري”، برصاص مسلحين قبليين، بعد أيام قليلة من قتله مواطنا يدعى “حسين المرادي” أمام زوجته في مديرية الرضمة شمال شرق محافظة إب (وسط االبلاد). كان “جباري” قد قتل قبل أكثر من عام والد الضحية وعمه بتأييد من قادة الحوثيين في المحافظة التي كانت تعاني من رفض “عائلة المرادي” لسياساتهم.
في قرية “حمة صرار” التابعة لمديرية ولد الربيع بمحافظة البيضاء (وسط) يستمر التوتر منذ مطلع الشهر الحالي بعد أن قتل رجال القبيلة أربعة من مسلحي الحوثي وأصابوا خامس انتقاماً لمقتل اثنين من أبناء القرية الواقعة في نطاق قبائل رداع. حشد الحوثيون قواتهم ومدرعاتهم على تخوم القرية وفرضوا حصارا خانقاً عليها منذ السابع من الشهر وحتى كتابة التقرير حيث منعت دخول الدواء والمواد الغذائية الى القرية، كما تمنع وصول المواطنين الى مزارعهم. يشترط الحوثيون على القرية تسليم رجال القبيلة الذين انتقموا من مسلحي الجماعة.
ويعاني الحوثيون بشدة في محافظة البيضاء خاصة قبائل “قيفة رداع”، ففي مارس/آذار الماضي قام شخص يدعى عبد الله إبراهيم الزيلعي بقتل قاتلَ شقيقه فوق عربة عسكرية للحوثيين في مدينة رداع، فأطلق النار عليه وقتله وشخصا آخر بجانبه، وجرح عنصران آخران. وردت عليه مليشيا الحوثي بتفجير سلسلة من المنازل على رؤس ساكنيها أسقطت عشرات القتلى والجرحى من المدنيين، لكنها فشلت حتى الآن في الوصول إلى الزيلعي.
في نهاية يوليو/تموز منعت قبائل مديرية مجزر بمحافظة مأرب الحوثيين “آل شكر” من إقامة معسكرات تدريب وثكنات في مناطق القبيلة. وكان الحوثيون قد سيطروا على أراضي تابعة للقبيلة وأقاموا فيها معسكرات وأبراج مراقبة و”أعرام ترابية”.
في محافظة عمران، أراد الحوثيون اقتحام مسجد في مديرية صوير (قرية منجزة، عزلة الذيبة) شمالي مدينة عمران، في منتصف يوليو، للبحث عن مطلوب رفض مسلحو القبيلة السماح لهم بانتهاك صلاة الجمعة، فاندلعت اشتباكات أدت إلى مقتل وإصابة 14 شخصاً بينهم نساء، 7 منهم من الحوثيين. وقتل خلالها “حمود أبو سعيد” الرجل الذي قاوم الحوثيين مراراً. كانت هذه الحادثة ضمن سلسلة من الحوادث بدأت مع قيام مسلحين قبليين في مايو/أيار بقتل مشرف حوثي داخل إحدى المدارس في المديرية. ولاحقاً اشتبك رجال القبائل مع القيادي الحوثي فهد الذيفاني، وعلى إثر ذلك شن الحوثيون حملة ملاحقة تشمل قبائل “ذو قزان، وذو زايد، والمشراقي” في المديرية ويقولون إن ذلك للبحث عن المطلوبين.
وقبل هذه الحادثة بأسابيع (يونيو/حزيران) هاجم مسلحون من قبائل “غولة عجيب” إدارة الأمن في مدينة ريدة جنوب شرق مدينة عمران، بعد أن اختطف قيادي حوثي يكني نفسه ” أبو عبدالحميد” الشيخ القبلي حميد قاسم عويدين ووضعه في سجن إدارة الأمن وهو مصاب برصاص الحوثيين خلال اختطافه.
وفي محافظة ذمار جنوبي صنعاء رفضت قرية الزور التابعة لقبيلة الحدا في نهاية يوليو قراراً تنفيذياً من الحوثيين بشأن قضايا قتل بين القرية وقرية مجاورة بسبب المراعي. ونتيجة لذلك شن الحوثيون مطاردة واعتقال لأبنائها من الأطفال والشيوخ والنساء من أطراف القرية، ما أدى اشتباكات مع الجماعة المسلحة التي حشدت عشرات المقاتلين والآليات؛ وقتل وجرح عدة أشخاص من الطرفين.
كما قتل ضابط حوثي وأصيب ثلاثة من عناصرهم باشتباك مع مسلح قاوم حملة حوثية للقبض عليه في الثامن يوليو/تموز، واعترف الإعلام الأمني التابع لداخلية الحوثيين بمقتل مدير بحث مديرية المغلاف بمحافظة الحديدة ياسر عبدالله عبده مقبل الهبوب نتيجة إصابته بثلاث طلقات نارية في الصدر، وإصابة ثلاثة من عناصرها هم حافظ حسن محمد مرجان بره، وحمدي احمد أحمد إبراهيم، وعمار احمد يحيي حسين عمار. وذكر بيان الحوثي أن المسلح قاوم الحملة الحوثية على منزله وقاتل حتى الموت و يدعى علي مهدي على حفضي.
عملية المقاومة التي قام بها مهدي حفضي في الحديدة ليست الأولى من هذا النوع، بل سبقتها سلسلة أخرى من عمليات المقاومة المسلحة الفردية أوقعت قتلى حوثيين، بينهم عناصر قيادية.
وفي 12 مايو الماضي تصدى شخص يدعى محمد صادق السناوي ببسالة ل حملة حوثية بقيادة مدير أمن مديرية ماوية المعين حديثا المدعو “أبو الذهب ” اقتحموا منطقة شرمان عزلة الخرابة بهدف اعتقاله أو قتله لكنه تصدى لهم وقتل منهم 8 أفراد وجرح أكثر من عشرة، وقاتل حتى الموت، مع شخصين آخرين، وكان السناوي وفق مصدر عسكري مطلع سجينا سابقا لدى مليشيا الحوثي.
في فبراير/شباط تصدى شخص يدعى صدام الطويل وشقيقه في منطقة ميتم بمحافظة إب لحملة عسكرية حوثية يقودها قيادي حوثي كبير قائد التدخل السريع ويدعى أبو طار النهمي. وأسفرت الاشتباكات بين الشقيقين والحملة الحوثية عن مقتل القيادي الحوثي أبوطارق النهمي وثلاثة من عناصره، بالإضافة إلى صدام وشقيقه اللذان قاتلا حتى الموت ضد آلة البطش الحوثية.
لا يستطيع الحوثيون التخلي عن العنف
وقال الباحث سلمان المقرمي في تحليل موسع حول تصاعد الاحتجاج القبلي ضد الحوثيين إن الحركة تعتمد “على مبادئ الطاعة المطلقة حسب تعاليم الإمامة في مذهب الزيدية الجارودية، وهو ما يعقّد جهودها لنيل التأييد الشعبي أو التوصل إلى تفاهمات فعّالة مع القبائل. بالمقابل ترفض القبائل هذه النظرة الإمامية المطلقة، معتقدةً أن التظاهرَ والاحتجاجَ وسائلُ ضغطٍ وتعبيرٍ عن الرفض لأي تعدّيات”.
وأضاف أن الحوثيين يجدون “صعوبةً في إدارة خلافاتهم مع القبائل بلا استعمال للقوة، ما وسَّع الشرخ بينهم وبين القوى القبلية، بما فيها تلك التي أمَدَّت جماعةَ الحوثيّ بالمقاتلين. الجديد في الأمر هو أننا بِتنا نرى احتجاجاتٍ تجاوزَت المطالب القبلية المتعلقة بالوضع الاقتصادي إلى المطالبة بتغييرات سياسية أكثر شمولاً قد تهدد في جوهرها مستقبل حُكم الجماعة أو قد تُفاقِم من حِدّة الصِدام بين القبائل والحوثيين إلى درجاتٍ لا تُحمَد عُقباها”.
الهجمات الاستنزافية تهدد بنيان الجماعة وحكمها
وأدت الهجمات المسلحة ضد الحوثيين الذين يستخدمون “البطش” و”العنف” لمواجهة غضب القبائل وترسيخ سلطتهم في مناطق سيطرتهم مع تنامي الرفض لاستمرار إدارتهم لمؤسسات الدولة، إلى استشعار قيادة الجماعة الحوثية مخاطر حقيقية على استقرارها وقبضتها الأمنية.
تمكنت الحركة المسلحة من السيطرة على القبائل خلال سنوات الحرب الماضية بمزيج من التهديدات بالتدمير إلى الاسترضاء خاصة ما تعرف بقبائل طوق صنعاء، وفي ظل خشية الحوثيين من تغيير حيادها أو ولائها لهم إلى الحكومة المعترف بها دولياً كان الغضب من حكم الجماعة يختمر ويتصاعد بمرور الوقت.
وقال شيخ قبلي بارز في محافظة ذمار لـ”يمن مونيتور”: لا نريد الحكومة في عدن لكننا لا نريد الحوثيين أكثر، جربنا إدارتهم وسلطتهم تسع سنوات، تجربة المجرب إهانة لكل شيوخ القبائل.
وتوقع الشيخ القبلي أن تتكرر عمليات مقاومة الحوثيين “لم يقدموا أي شيء للناس، واستمروا في مصادرة أموالهم وقراهم والجبايات، لا يدفعوا رواتب ولا يساعدوا محتاج، ولا يوقفهم عُرف، ولا أحكام، ولا يوجد قانون إلا ما يقرره مشرفو الجماعة.
وكتب القيادي الحوثي محمد البخيتي تعليقا على ما جرى في رداع في مارس/أذار: “هذا التوقيت بالذات مؤشر خطير على وجود الكثير من المظالم التي يجب على انصار الله التحرك العجل لحلها، قبل ان تتسبب في تبديد اسباب النصر”.
كما كتب عضو مجلس النواب الموالي للحوثيين والمقرب من إيران أحمد سيف حاشد الذي انتقد مؤخرا طريقة الحكم الحوثية “إذا لم يحدث تغيير حقيقي في منظومة الحكم الراهنة في صنعاء بعد الذي حدث في رداع، فإني أرى عاصفة كبيرة أو قيامة باتت تقترب”.
وأمام هذه الهجمات كشفت مصادر حوثية مطلعة عن زيادات كبيرة في حجم التمويل، فوفق تسريبات صحفية فإن جماعة الحوثي رفعت موازنة عناصرها الأمنية في رداع من 120 مليون ريال بالطبعة القديمة شهريا إلى 180 مليون ريال في أبريل/نيسان بعد أسبوعين فقط من تفجير المنازل في رداع؛ ولاحقاً رفعتها إلى 220 مليون ريال، مع نشر عدد كبير من عناصرها في المدينة.
كما أرسلت الجماعة بتعزيز مالي لمشرفيها الأمنيين في الجزء الشمالي والجنوبي من تعز (300 مليون ريال) خارج الموازنة بعد أسابيع قليلة من حادثة “السناوي” بمديرية ماوية التي قاتل فيها حملة حوثية حتى الموت في مايو الماضي.
مخاوف توسع رقعة العمليات
تبدو عمليات المقاومة غير المنظمة مشكلة تؤرق الحوثيين في مناطق سيطرتهم مع توقف الحرب مع الحكومة المعترف بها دولياً بموجب هدنة ابريل/نيسان 2022، لذلك لجأت لإجراءات أمنية أكثر تطرفاً، وإجراءات سياسية لاستهداف مشرفيهم الذين يثيرون غضب السكان. وأنشأ الحوثيون جهاز مخابراتي جديد بين أوساط المجتمع باسم “التعبئة العامة”، للحد من حرب الاستنزاف ضدها.
وقال الصحفي والباحث عدنان الجبرني الذي يراقب سلوك الجماعة منذ سنوات في تقرير له “حوّل عبدالملك الحوثي مهمة مشرفيه على المحافظات الى مسمى تعبوي، وحول المجلس التنفيذي الذي يعد أكبر مجالس الجماعة الى مسمى “مكتب التعبئة”، كل تلك القرارات تنظيمية داخلية كالعادة، وبناء على ذلك سخّرت الجماعة موارد ضخمة للتعبئة على مستوى كل قرية وعزلة ومديرية في جميع المحافظات التي تسيطر عليها الجماعة شمال البلاد، بما فيها العاصمة صنعاء.. على طريقة الباسيج الإيراني”.
بالتزامن مع ذلك أنشأت المليشيا الحوثية جهازا آخر للرقابة على صفوف منتسبيها يقوده علي حسين الحوثي (نجل مؤسس جماعة الحوثي) وفق مصادر مطلعة.
وبحسب المصادر فإن الجهاز يسمى جهاز استخبارات الشرطة ومكافحة الإرهاب، وقد تم تجهيزه في الأسابيع القليلة الماضية، وبدأ تنفيذ سلسلة من عمليات الخطف بصنعاء بمن فيهم موالين لهم.
في منتصف 2023 تقول مصادر لـ”يمن مونيتور” شنت الجماعة حملة اعتقال للمئات من مسؤوليهم ومشرفيهم، وظلوا في السجون بين عدة أسابيع وأشهر، اتهموا بالفساد المالي والقتل وجرائم متعددة، أعيد تدوير معظمهم بين المحافظات والمناصب، فيما تم إقصاء عدد قليل منهم. حاول الحوثيون بذلك إسكات غضب السكان ومنع توسع رقعتها لكن بمرور عام على تلك الحملة عادت الأمور إلى حالها ولم يتصاعد إلى غضب السكان في مناطق سيطرتهم.
وقال شيخ قبلي ثان من عمران لـ”يمن مونيتور”: لم يتغير أي شيء مع وجود مشرفين جدد تغير الأشخاص وبقى السلوك على حاله.
ويضيف: زادت الجبايات والاستفزازات وجرائم مشرفي الجماعة ومصادرة مزارع الناس، وإدارة الخلافات الحدودية بين أراضي ومراعي القبائل وفي معظم الوقت يدفعونهم للإقتتال ويتدخلون لمصادرتها وضمها إلى أملاكهم.
تحدثت معظم المصادر في التقرير شريطة عدم الكشف عن هويتهم خشية انتقام الحوثيين.
التعليقات