التحول السياسي في رؤية الجاليات اليمنية: كلمة أمير غالب كنموذج
استمعت إلى فيديو نشره الدكتور أمير غالب، حاكم مدينة هامترامك في ولاية ميشيغان الأمريكية، حول الجدل الذي أُثير عقب لقائه مع الرئيس السابق دونالد ترامب، وتحالفه مع الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة. الدكتور أمير غالب هو من اليمنيين القلائل الذين نجحوا في اختراق الساحة السياسية الأمريكية، كأول يمني يتولى منصب عمدة في مدينة أمريكية. الكلمة التي ألقاها واستمرت لمدة 25 دقيقة، تناولت العديد من القضايا بلغة سياسية بسيطة ومفهومة للجميع، ويمكن القول إنها تشكل نقطة تحول سياسية مهمة للجاليات اليمنية في الخارج عامة، وللولايات المتحدة الأمريكية خاصة.
بغض النظر عن الموقف من ترامب، فقد ركز الدكتور أمير في كلمته على معيار أساسي ومهم في التعامل مع السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، وهو مصلحة الجالية كأولوية، بعيدًا عن الولاء المطلق لحزب أو فريق معين. السياسة ليست دينًا، بل هي مصالح متغيرة، وهو ما يدركه السياسيون في الغرب. بناءً على ذلك، فإن المصلحة يجب أن تكون المعيار الجديد للتحالفات الانتخابية الموسمية، بما يضمن بقاء الجالية اليمنية ضمن دائرة اهتمام الأحزاب في كل انتخابات، سواء رئاسية أو تشريعية.
هذا التوجه الاستراتيجي، في اعتقادي، يتطلب جهدًا مضاعفًا من المؤمنين به لتنظيم الجالية بشكل ذاتي ومؤسسي، بحيث تصبح كيانًا سياسيًا ذو مرجعية واضحة. ولا نقول هنا مرجعية موحدة، ولكن متفاهمة على الأقل في إطار المصالح العليا للجالية. من الضروري رسم الخطوط العريضة للمصالح الثابتة والمتغيرة التي ستحدد بوصلة التحالفات المستقبلية.
اتسمت كلمة الدكتور أمير بالوضوح السياسي، حيث تحدث بشكل صريح عن الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذا التوجه الجديد، مؤكدًا أن الارتماء السياسي في حضن حزب معين بشكل دائم يفسد العلاقة ويضر بها. وأوضح أن علاقته بالحزب الديمقراطي، الذي كان من المفترض أن يدعمه في مسيرته السياسية، قد تعرضت للتصدع بسبب فقدان الحزب للاحترام المتبادل، مشيرًا إلى تصرفات بعض الأعضاء النافذين في الحزب التي وضعت العراقيل أمام نجاحه متمثلة في عرقلة تمويل بعض المشاريع ، وعدم احترامهم لمنصبه كعمدة المدينة اثتاء زيارتهم للمدينة دون اللقاء به .
نقطة هامة أشار إليها الدكتور أمير في كلمته هي أهمية القيم الأخلاقية والمبادئ الثابتة للجاليات اليمنية، التي تنطلق من التنوع الديني والثقافي الذي يحميه الدستور الأمريكي. فموقفه من قضايا مثل غزة أو وبعض القضايا ذات الخلفية الاخلاقية. والدينية هو موقف أخلاقي يجب احترامه طالما أنه ضمن إطار الدستور وقيم التعددية. هذه المواقف تعزز التنوع وتفتح الباب لنقاش أوسع، وتمنح الجاليات اليمنية تميزًا واحترامًا خاصًا في بناء تحالفاتها السياسية.
.يتعلق بالقضايا اليمنية، أوضح الدكتور أمير فلسفة تستحق التقدير. فهو ابن النظام السياسي الأمريكي الذي هاجر إليه، كما أنه ابن الأرض اليمنية التي غادرها، ولهذا فإن عليه مسؤوليات تجاه الجالية اليمنية والعربية والأمريكية التي انتخبته ، وهذا لا يمنع أن تبقى قضايا اليمن حاضرة في النقاش السياسي وبناء التحالفات، لكن ليست من مسؤوليته او مسؤولية أي يمني يصل الي موقع تنفيذي حل هذه المشكلة علي حساب وظيفته ، فمشاكل اليمن ليست مسؤولية اليمنيين في المهجر، بل هي نتاج النظام السياسي اليمني والسياسيين الفاشلين في الداخل ، ولا ينبغي انتظار الحلول من اليمنيين في الخارج، بل يجب أن تأتي من الداخل، حيث سيكون الفاعلون السياسيون عونًا لهم في تحقيق أي حل سياسي او النهوض باليمن
العمل السياسي في المهجر يتطلب من اليمنيين المهاجرين إدراك معادلة النجاح والتأثير، والتي تعتمد على بناء القدرات السياسية والمالية والاجتماعية، بالإضافة إلى القدرة على التواصل مع المجتمع الجديد. من الضروري بناء قاعدة اجتماعية وإعلامية راسخة، وهو أمر معقد لكنه ممكن، خاصة إذا تمكن المهاجر من فهم بيئته الجديدة ثقافيًا ولغويًا ، فالمهاجر في اوربا او أمريكا يختلف عن المهاجر الي دول الخليج بهدف تحسين الوضع المادي في اليمن خلال فترة زمنييه محدده ، لذا مهم ان يدرك انه اصبح ابن بلدجديد فتح له افق جديده لفهم الحياة
كما أشار الدكتور أمير إلى أهمية البعد القانوني في الولايات المتحدة، حيث أكد أن الدستور الأمريكي هو أعلى وثيقة دستورية، تحمي حقوق الأفراد وتحكم علاقتهم بالسلطة. هذه الحماية القانونية تقتضي اندماج الجيل الثاني والثالث من المهاجرين في العمل السياسي، وهو ما يتطلب تشجيع الشباب والشابات على الانخراط بصورة أعمق في هذا المجال، بغض النظر عن اختلاف التوجهات السياسية.
ومن خلال كلمة الدكتور أمير، يظهر بوضوح أنه لم يبع الوهم أو يسرف في تقديم الوعود، بل كان واقعيًا في طرحه. فهو يدرك أن المناورة التي يقوم بها لا يمكن أن تضاهي حجم اللوبيات المالية التي تنخرط بقوة في الانتخابات كجزء من استراتيجياتها بعيدة المدى ، وإنما كما كرر اكثر من مرة " الاقتراب من المخاطر قد يكون وسيلة للشعور بالأمان، وفتح نوافذ جديدة يعد إنجازًا، لكن نتائجه لن تظهر فورًا. فتح النوافذ هو جزء من عملية سياسية طويلة الأمد ويعد عنصرًا إيجابيًا. هذا هو جوهر العمل السياسي في بيئة مليئة بالتحديات والمنافسات التي تتنازعها قوى المال والسلطة ، وهذه وجه إيجابي من أوجه الواقعية السياسية التي سمة أساسية لأي سياسي يسعى إلى التغيير وكسب النقاط على المدى البعيد. فالسياسة لا تُحسم بضربة قاضية واحدة.
أكد الدكتور أمير على قيمة التنوع والاحترام المتبادل في العمل السياسي، مشيرًا إلى أن الخلافات السياسية يجب أن تكون مصدرًا للتعلم والنمو وليس للتفرقة والانقسام. وهو الذي اتي الي كرسي العمدة من خلال تنافس صحي مع مرشح يمني اخر ، وقدما نموذج مشرف للتنافس الديمقراطي ، حيث تعانقا وقدما الخاسر التهاني للفائز في سلوك مفقود في بلداننا العربية وهي تجربة مشرفه للتنافس الصحي.
أخيراً ، الكلمة التي ألقاها الدكتور أمير غالب تعكس رؤية سياسية ناضجة ومتزنة للجالية اليمنية في أمريكا ، بغض النظر عن تباين المواقف ، والمبررات ، ورغم التحديات التي تواجهه، فإنه يقدم نهجًا جديدًا في التعامل مع السياسة يعتمد على المصلحة العامة والتحالفات المتغيرة. هذه الكلمة تمثل دعوة لأبناء الجالية إلى توحيد جهودهم وتنظيم أنفسهم لتحقيق أهدافهم السياسية والاجتماعية في الولايات المتحدة.
التعليقات