كيف نجا "بن مبارك" من حبل الإقالة ولماذا تأجل التعديل الوزاري؟
عاد بن مبارك إلى عدن يوم الأربعاء بعد غيابه عنها حوالي ثلاثة أشهر، وهي فترة ذهبت الترجيحات إلى أنه لن يعود، إذ كان قرار إقالته قد صار بحكم المبتوت فيه.
إقالة بن مبارك وتعيين رئيس جديد للحكومة ظلت نقطة حاضرة بشكل متكرر في اجتماعات ونقاشات أعضاء مجلس القيادة، إلا أنه ومنذ مطلع العام الجاري ربما صار الموضوع الأكثر حضوراً وإلحاحاً على طاولة المجلس بعد أن وصل رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي إلى قناعة تامة بضرورة إزاحة الرجل وتعيين بديل له.
وحتى تكون الصورة واضحة فإن بن مبارك لم يكن محل رضى الرئيس العليمي بشكل كامل منذ تعيينه مطلع العام الماضي 2024، لكنه كان الأكثر حظاً مقارنة بالمرشحين لذات المنصب من داخل الحكومة نفسها، كان العليمي يميل لآخرين أبرزهم سالم بن بريك وزير المالية لكن الدعم السعودي عزز من فرص بن مبارك وبالتأكيد يظل دعم السفراء الأجانب مرجحاً لكفة الأخير.
ورغم عدم الرضى فقد سارت الأمور في البداية في حدودها الدنيا، رغم العقبات الكثيرة والفجوات التي تخللت العلاقة بين الرجلين، وكان التحدي الأول الذي واجه علاقة الرئيس العليمي برئيس حكومته الجديد هو اتخاذ العليمي قرار تعيين شايع الزنداني وزيراً للخارجية رغم عدم موافقة رئيس الوزراء بن مبارك بعد أن ظل المنصب شاغراً لأكثر من ثلاثة أشهر.
ورغم محاولة الطرفين إظهار العلاقة على ما يرام فإن الاحتكاكات التي حدثت بين الرئيس العليمي وبين بن مبارك كانت تطفو إلى السطح أحياناً وتتطاير شظاياها عبر وسائل الإعلام، وأحياناً تظهر الاحتكاكات بين بن مبارك وأعضاء آخرين في مجلس القيادة تصطدم مصالحهم بالإجراءات التي يفرضها الأخير في محاولة لنيل جزء من الاستقلالية في تسيير الأعمال التنفيذية.
دوماً كان الحديث عن الفساد أو محاربة الفساد وتفاصيل تتعلق بصدور أو رفض توجيهات مالية بالصرف هو العنوان الأبرز للخلافات والاحتكاكات، خاصة أن مجلس القيادة يضم إلى جانب الرئيس سبعة أعضاء يسعى كل واحد منهم للحفاظ على مصالح الكيان الذي يمثله ويحاول فرض نفوذه من خلال إصدار التوجيهات للحكومة سواءً على مستوى رئاستها أو الوزارات بشكل منفرد.
في نوفمبر الماضي شهدت رئاسة الوزراء في عدن خلافات بين مدير مكتب رئيس الوزراء أنيس باحارثة وأمين عام المجلس مطيع دماج، وحينها تبعثر للسطح ما لا يمكن إخفاؤه، وفي 26 نوفمبر تحديداً، استدعى مجلس القيادة بن مبارك إلى الرياض لمناقشته حول هذه القضية، وهو تاريخ مغادرته الأخير للعاصمة المؤقتة عدن حسب تتبع أخبار أنشطته في الوكالة الحكومية. وظلت هذه الجزئية تشغل أجندة المجلس في أغلب جلساته وبعد أن توصل المجلس لقرار أخير بإغلاق هذا الملف من خلال إنهاء خدمات أطراف الأزمة وإحالة "باحارثة" نظرياً للتحقيق، فإن ملفات الفساد التي ظهرت على هيئة تقارير من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وتضمنت تورط مسؤولين سابقين وحاليين بقضايا فساد بعشرات الملايين من الدولارات كان لافتاً، والأغرب كان نشر تلك الأخبار عبر وكالة الأنباء الحكومية (سبأ) مع علم المسؤولين في أعلى الهرم بانعدام قدرتهم في هذه اللحظة الرخوة على محاسبة الفاسدين أو إحالة أي متهم للمحاكمة.
منذ يناير الماضي تصاعد الحديث عن إقالة بن مبارك، وذهبت كثير من المنصات الإعلامية لنشر تكهنات بأسماء البديل بل وصل الأمر حد نشر بقوائم البدلاء في الوزارات التي من المقرر أن يشملها التعديل. "المصدر أونلاين" تابع هذه التسريبات وفي كل مرة تواصلنا فيها بالمصادر الحكومية خلال شهر فبراير الجاري على الأقل، كانت المعلومات التي نتوصل لها أن التغيير بات حتمياً وأن ما يجري هو نقاش حول اختيار البديل من بين ثلاثة مرشحين مطروحة أسماؤهم أمام المجلس.
ما الذي حدث في اللحظات الأخيرة حتى طُوي ملف التغيير بهذه السرعة، وظهر بن مبارك في عدن فجأة بعد ساعات من اجتماع سفراء الاتحاد الأوروبي مع عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي وعضو مجلس القيادة، الذي عاد هو الآخر مطلع الأسبوع الجاري قادمًا من العاصمة الإماراتية أبو ظبي، وأقام هذه المرة في قصر معاشيق على غير المعتاد؟.
تفيد المعلومات بأن المرشحين المطروحة أسماؤهم كبدائل لبن مبارك لم يكن أيٌّ منهم يمتلك المؤهلات والقدرات التي تجعله يبدو بارزًا أو يحظى بقبول شعبي. إضافةً إلى ذلك، لم يقتنع المسؤولون السعوديون بفكرة الإطاحة ببن مبارك، رغم أنهم في البداية أبدوا مرونة تجاهها، وانتظروا تقديم مرشحين يمكن التعويل عليهم لتقديم أداء يفوق بن مبارك أو حتى يساويه، سواءً من حيث الديناميكية أو السمعة، وهو ما لم يحدث. فكل الأسماء التي طُرحت افتقرت إلى النزاهة، كما أن أداءها في المناصب الوزارية التي شغلتها خلال السنوات الماضية لم يكن مشجعًا بالقدر الذي يجعل التغيير مبررًا أو يمنح الشعب اليائس قليلًا من الأمل.
بالإضافة إلى أن الفترة التي قضاها بن مبارك في منصبه كرئيس للحكومة تبدو غير كافية للحكم بعدم صلاحيته للاستمرار وهو ما أيده سفراء الدول الغربية المعنية بالملف اليمني.
عاد عيدروس الزبيدي، صاحب اليد الطولى في عدن، مطلع الأسبوع الجاري، إلى القصر الجمهوري في معاشيق وبالتالي فإن سكان قصر معاشيق (غير الدائمين) يرون أن استمرار غيابهم سيمنح الرجل حالة من التفرد في متابعة وتوجيه المؤسسات الحكومية في العاصمة المؤقتة.
وفيما يبدو أن فكرة إقالة رئيس الوزراء وتعيين بديل له تم إسدال الستار عليها، خلال العام الحالي على الأقل، فإن فكرة التعديل الحكومي التي كانت في الأساس واحدة من مطالب بن مبارك ستبقى قائمة وربما تتم خلال الشهر القادم إلا أنها ستبقى منعدمة الأثر سواءً فيما يتعلق بفاعلية مؤسسات الدولة أو في جانب إنقاذ الملف الاقتصادي ووقف انهيار العملة والحد من انعكاساتها على المستوى المعيشي للمواطنين.

التعليقات