برنامج : اليمن الكبير : تعز أيقونة الثورة والحرية والنضال

الشراكة عقد ملزم لا شعار
الشراكة عقد ملزم لا شعار ..
الانتقالي قام بتجريف الشركاء من مفاصل الوزارات والمحافظات التي يحكمها

عبدالرقيب الهدياني

إقرار مجلس القيادة الرئاسي في اجتماعه يوم الخميس بالرياض تشكيلَ لجنة قانونية لمراجعة جميع القرارات الصادرة منذ تأسيس المجلس، بما في ذلك القرارات الأخيرة المنسوبة إلى عضو المجلس عيدروس الزبيدي، يمثل تحوّلًا لافتًا في مقاربة ملف التعيينات وتقاسم السلطة. 

هذه الخطوة لا تُراجع حدثًا عابرًا، بل تفتح ملفًا ثقيلًا تراكمت فيه قرارات وتعيينات ظلّت لسنوات مصدر توتر في بنية الشراكة الحاكمة.

خلال الأعوام الثلاثة الماضية، استفاد المجلس الانتقالي الجنوبي على نحوٍ ملحوظ من الحصّة الأكبر في قرارات التعيين الصادرة باسم الرئاسة، وهو ما انعكس في مفاصل الوزارات التي يتولاها وزراء محسوبون عليه. وقد شهدت تلك الوزارات موجات تحريف وإحلال واسعة لمديرين ومسؤولين لصالح كوادر موالية، في تجاوزٍ صريح لروح الشراكة التي قام عليها مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، وللنصوص الضابطة في اتفاق الرياض وآلية نقل السلطة.

 الصورة ذاتها تكرّرت في المحافظات الخاضعة لنفوذ الانتقالي—عدن ولحج والضالع وشبوة وسقطرى—حيث بدا نمط الإدارة أقرب إلى الاستفراد منه إلى المشاركة.

هذا النهج الإقصائي يُنتج خطابًا سياسيًا يختزل الجنوب في كيانٍ واحد، ويُضيّق المجال العام أمام بقية مكونات المشهد: شركاء المجلس، الأحزاب، القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني.

 وحين تتحوّل الشراكة إلى توزيع أحادي لامتلاك القرار والموارد الإدارية، فإننا عمليًا أمام تآكلٍ تدريجي لمرتكزات التوافق الوطني الذي نشأ عليه المجلس وحكومته.

من هنا، يصبح مطلب الشفافية واجبًا وليس خيارًا. المطلوب كشفٌ شاملٌ ومنهجي لكل التعيينات التي تمّت في الوزارات والمحافظات خلال الفترة الماضية، وبيان الأسس التي قامت عليها، وأثرها على معايير الجدارة والتوازن، ومدى اتساقها مع الاتفاقات المؤسسة للشراكة. فالمصارحة العلنية وحدها هي التي تعيد بناء الثقة وتمنع تحويل الدولة إلى محاصصة مغلقة.

قرار تشكيل اللجنة القانونية خلق بدوره ارتدادات داخل بنية الانتقالي؛ إذ تبدّت مخاوف من مراجعةٍ قد تطال—بأثرٍ رجعي—قراراتٍ سابقة مُنحت لعشرات من قياداته بقرارات جمهورية. ومهما كانت شرارة التوتر الأخيرة—سواء أكانت مجموعة قرارات محدودة القيمة أم غير ذلك—فإن الأزمة الأعمق ليست في عدد القرارات، بل في فلسفة إدارة السلطة: هل هي عقد شراكةٍ مُلزِم، أم تفويضٌ مفتوحٌ لهيمنة طرف؟

على الجميع أن يدرك أن الشراكة لا تُختزل في شخصيتين ولا في تمثيلٍ جغرافي تبسيطي: رشاد العليمي لا يمثّل “كل الشمال”، وعيدروس الزبيدي لا يمثّل “كل الجنوب”. وإذا انزلق الفهم السياسي إلى هذا الاختزال، فإن المسؤولية عن الانسداد الراهن والنتائج الكارثية المترتبة عليه تقع على من أسّس له وروّج له ومارسه، كائنًا من كان.

وبناء على هذا الفهم  فهما وحدهما المسؤلان امام الشعب عما وصل إليه من وضع معيشي صعب وفشل خدماتي شامل،


 الطريق إلى تصويب المسار يبدأ بتدقيقٍ قانوني مهنيّ وشفاف لقرارات التعيين كافة، يتبعه التزامٌ عملي بإعادة الاعتبار لمبدأ الشراكة ومعايير الكفاءة والتوازن، وإطلاق حوارٍ سياسي يشمل كل القوى الحيّة في الشمال والجنوب. ما لم يحدث ذلك، ستظلّ الدولة رهينةَ تقاسمٍ صفريّ يعمّق الانقسام ويؤجّل الاستقرار.

 الشراكة عقدٌ ومؤسسات، لا شعارات؛ ومَن يقبل المراجعة والالتزام بنتائجها يثبت أهليته للحكم، ومن يرفضها إنما يعلن عجزه عن ممارسة السلطة في فضاءٍ وطنيّ تعددي..
اليمن الكبير || “سقطرى جزيرة الدهشة”

أقراء أيضاً

التعليقات

أخبار مميزة

مساحة اعلانية

اليمن الكبير || “سقطرى جزيرة الدهشة”



وسيبقى نبض قلبي يمنيا