اليمن الكبير|| المهرة بوابة اليمن الشرقية

تقرير خاص: القات في اليمن.. الشجرة التي تبتلع الأرض والماء والإنسان

مقدمة

تحوّل القات في اليمن من نبتة خضراء صغيرة إلى ظاهرة وطنية كبرى تمسّ الاقتصاد والمجتمع والسياسة، بل والحرب نفسها.
فما بين ماضٍ كان يُنظر إليه كرمز للتسلية والتواصل الاجتماعي، وحاضرٍ بات فيه عبئًا على كل بيت يمني، أصبحت شجرة القات اليوم تجسيدًا لأزمة وطن يعيش على حافة الانهيار.


القات في الحياة اليومية

ينتشر القات في كل بيت تقريبًا، ويتناوله الرجال والنساء والشباب والأطفال على حد سواء. جلسات "المقيل" أصبحت طقسًا يوميًا لا ينقطع، تمتد لساعات طويلة من النهار وحتى المساء، تتحول خلالها المدن والقرى إلى حالة خمول عام.
ورغم أن القات يُعطي إحساسًا مؤقتًا بالنشاط، إلا أنه يسلب من الإنسان وقته وصحته، ويعطل عجلة الإنتاج، ويزيد من عزلة الفرد عن أسرته ومجتمعه.


القات والحرب: شجرة تموّل القتال

لم يعد القات مجرد عادة اجتماعية، بل أصبح جزءًا من منظومة الحرب الدائرة في اليمن منذ سنوات.
فالمقاتلون في مختلف الجبهات – سواء في صفوف الجيش اليمني التابع للحكومة الشرعية أو في صفوف ميليشيات الحوثي – يعتمدون بشكل يومي على القات أثناء القتال، إذ يُعتقد أنه يساعد على "التركيز" أو "التحمل"، مما جعل بدل القات بندًا ثابتًا في مصروفات الجبهات العسكرية.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن الحكومة اليمنية أنفقت مليارات الريالات سنويًا على ما يسمى "بدل القات" للمقاتلين، في وقتٍ يعيش فيه البلد أزمة اقتصادية خانقة.
وفي المقابل، توفر ميليشيات الحوثي القات لمقاتليها بكميات ضخمة، وتفرض جبايات مالية على المواطنين لتمويله، رغم أن أغلب الموظفين في مناطق سيطرتها لم يتسلموا رواتبهم منذ عشر سنوات.
ورغم الفقر والجوع، يصرّ كثير من اليمنيين على شراء القات يوميًا حتى لو كان ذلك على حساب قوت أطفالهم، الأمر الذي أدى إلى تفكك أسر ونشوب خلافات وجرائم قتل بين أفراد بسبب القات.


القات واستنزاف الاقتصاد والمياه

تستهلك زراعة القات أكثر من ثلث الموارد المائية في اليمن، وهو بلد يُعد من أكثر الدول عطشًا في العالم.
فبينما تجفّ الآبار وتُهجر الأراضي الزراعية، تواصل مزارع القات التمدد على حساب البن اليمني الشهير، الذي كان يومًا ما مفخرة البلاد وصادرًا رئيسيًا للعملة الصعبة.
وقدّر خبراء أن أكثر من ربع الأراضي الزراعية في اليمن خُصصت لزراعة القات، ما تسبب في انحسار إنتاج الحبوب والفواكه والخضروات.


القات والفقر الإنساني

يُقدّر أن أكثر من 30% من دخل الأسرة اليمنية يُصرف على شراء القات، في بلد يعيش أكثر من 80% من سكانه تحت خط الفقر.
يقضي الرجال ساعات طويلة في المقيل بينما تُترك الأسر بلا رعاية، ويُحرم الأطفال من احتياجاتهم الأساسية.
وأصبح القات رمزًا للفقر المتوارث، إذ ينشأ الأطفال على رؤيته كجزء من الحياة اليومية، في دورة لا تنتهي من الإدمان الاجتماعي والاقتصادي.


خاتمة

القات في اليمن لم يعد مجرد ورقة خضراء تُضغ للمزاج، بل صار أداة حرب واقتصاد وسلوك اجتماعي معقّد يستنزف ماء الأرض وجيوب الفقراء وصحة الإنسان.
ومع استمرار الحرب، تتجذر هذه الشجرة أكثر في جسد اليمن المنهك، لتبقى رمزًا للواقع المرير الذي يحتاج إلى إرادة وطنية قوية تضع خطة شاملة للحد من زراعته واستبداله بمحاصيل تعيد للبلاد مكانتها الزراعية والاقتصادية.


       اليمن الكبير || عين اليمن "عدن"


أقراء أيضاً

التعليقات

أخبار مميزة

مساحة اعلانية

اليمن الكبير || “سقطرى جزيرة الدهشة”



وسيبقى نبض قلبي يمنيا