سقوط هجليج يربك الخرطوم ويقلب موازين الحرب في السودان: ضربة اقتصادية وعسكرية تُدخل الصراع مرحلة جديدة
أعاد سقوط مدينة هجليج النفطية بولاية غرب كردفان إلى الواجهة سؤالًا ملحًا حول مستقبل الحرب في السودان، بعدما فقدت الحكومة أحد أهم مصادرها الاقتصادية وأكثرها حساسية في المعركة الدائرة مع قوات الدعم السريع.
وتعد هجليج نقطة ارتكاز مالية حيوية للجيش السوداني، إذ اعتمدت الخرطوم على عائدات حقولها النفطية في تمويل العمليات العسكرية وتغطية النفقات الأساسية للدولة. ومع انتقال الحقول إلى سيطرة الدعم السريع وتعليق الشركات الأجنبية نشاطها، يتصاعد الضغط المالي على الحكومة بصورة غير مسبوقة، ما يهدد قدرتها على إدارة الحرب.
ضربة اقتصادية قاسية للخرطوم
يقول الدكتور لقاء مكي من مركز الجزيرة للدراسات إن توقف ضخ النفط "لا يقتصر على حرمان الحكومة من العائدات، بل يضرب البنية الاقتصادية للدولة في لحظة حرجة تحتاج فيها الخرطوم إلى موارد مضاعفة". ويرى أن الجيش انتقل عمليًا من وضعية الهجوم إلى وضعية الدفاع عن ما تبقى من موارده.
أما المحلل السياسي محمد تورشين فيعتبر أن سقوط هجليج يمثل "ضربة مركبة" تستنزف الجيش اقتصاديًا وتعزز نفوذ الدعم السريع سياسيًا، خاصة أنه سبق له السيطرة على مواقع اقتصادية أخرى مثل مصفاة الجيلي شمال الخرطوم.
محاور ضغط متزامنة
ويشير تورشين إلى أن الدعم السريع يتحرك وفق خطة تهدف إلى خلق محاور ضغط متزامنة باتجاه الأبيض والدلنج وكادقلي، ما يضع الجيش أمام جبهات متعددة تتسبب في استنزاف قواه واهتزاز معنويات قواته.
قلق أمريكي متصاعد
التطورات الميدانية الأخيرة رفعت درجة القلق في واشنطن؛ إذ يرى الدكتور كاميرون هدسون، مستشار المبعوث الأميركي السابق للسودان، أن سيطرة الدعم السريع على مواقع اقتصادية كبرى تدفع الولايات المتحدة لإعادة تقييم مقاربتها تجاه الحرب، خاصة مع اقتراب القتال من "منطقة اللاحسم" التي تخشاها واشنطن.
ويضيف هدسون أن التباين داخل مؤسسات القرار الأميركية، بين البيت الأبيض والخارجية والمبعوث الخاص، يعكس غياب إستراتيجية موحدة لمعالجة الأزمة.
انعكاسات إقليمية خطيرة
كما يؤكد محللون أن سيطرة الدعم السريع على هجليج تقوّض قدرة الخرطوم على إدارة علاقاتها الإقليمية، خاصة مع جنوب السودان التي تعتمد على خطوط الأنابيب العابرة للمنطقة، ما قد يفتح الباب أمام توترات جديدة.
الجيش أمام اختبار صعب
يرى لقاء مكي أن فقدان الموارد النفطية يختصر زمن الحرب، فإدارة معركة بهذا الحجم دون موارد ثابتة "أمر مستحيل"، وهو ما سيجبر الجيش – عاجلًا أم آجلًا – على الدخول في مسار تفاوضي، رغم رفضه الاعتراف بالدعم السريع كطرف سياسي.
مرحلة جديدة تُفرض بالوقائع
ورغم غياب رؤية مشتركة بين القوى الدولية والإقليمية حول شكل النظام السياسي المقبل في السودان، إلا أن سقوط هجليج يُعد نقطة تحول كبرى في ميزان القوة، ويدفع بالأطراف كافة نحو مرحلة جديدة تُكتب قواعدها تحت ضغط الميدان لا تحت سقف البيانات.




التعليقات