خرافة الولاية وادعاءات الحوثيين
فلسفة الهزيمة

قد يعجب البعض من العنوان, فمتى كان للهزيمة فلسفة؟, وأي فلسفة هذه التي نتجت عن الهزائم طوال التاريخ الفلسفي الإنساني؟, غير أني لم أبتدع هذا المصطلح, بل هو مأخوذ من الدكتور عبدالستار قاسم, في إحدى مقالاته المنشورة, المصدرة بنفس العنوان, حيث يقول فيها: "نحن العرب من أحق الناس في الكتابة عن فلسفة الهزيمة, لأن الهزائم تلاحقنا على مختلف المستويات, وفي مختلف المجالات, بالرغم من ذلك لا نكتب بصراحة ووضوح, ويبدو أننا نفضل تحويل كل هزيمة إلى نصر بحيث تضيع الهزائم في زخم الخطابات الرنانة", وهذه التفاتة مميزة -من كاتب تميز بطرحه في هذا الباب, فقد ألف كتاباً جامعاً في هذا الباب بعنوان ( الطريق إلى الهزيمة)-, تفتح لنا آفاقاً عديدة للتأمل والتفكر, وخاصة أننا في العصر العربي المهزوم, فالمواطن العربي يعيش الهزيمة في قوته, وفي كرامته, وفي وطنه القطري, وفي وطنه العروبي, وفي كيانه الإسلامي الجامع, فمنذ عقود من الزمن ما زالت الهزائم تتوالى على الإنسان العربي المكسور, بدءا من الهزائم العسكرية, إلى القهر الذي يعانيه المواطن العربي كل يوم, إلى الهزائم الكروية, إلى الهزائم الاقتصادية, والهزائم الفكرية والعلمية, التي جعلت أمتنا عاقر أن تلد مفكراً أو فيلسوفاً أو عالماً نفاخر به بين الأمم, مما يحتم على كل باحث أو كاتب أن يمعن النظر في قراءة أبعاد الهزيمة العربية, ويتفكر في أسبابها, ومظاهرها ونتائجها, لعل هذا يسهم في بناء تصور فكري متماسك يمكن الإنسان العربي من الخروج من وحل الهزيمة، وحالة الانكسار.

وفي هذه المقالة سنحاول أن نبين بعض أسباب الهزيمة العربية, التي تكرس ثقافة الهزيمة في التصور العربي, وتجعلها جزءا من ثقافته وكينونته, ولعل أبرز أسباب الهزيمة العربية في العصر الحديث ما يلي:-

أولا: الكيان الصهيوني الغاصب, فوجود هذا الكيان في الجسد العربي, يعد أبرز مظاهر ومؤشرات الهزيمة العربية, وخاصة أن الحكومات العربية دخلت معه في حروب عدة خرجت منها مهزومة منكسرة, سوى انتصار منقوص عام 73م في حرب أكتوبر, بل إن الهزيمة الكبرى كانت في أبهى صورها في عصر العنتريات الفارغة فيما أسمي حرب النكسة سنة 67م, التي هزمت إسرائيل فيها العرب خلال ستة أيام فقط, فهذه الهزائم المتوالية أحدثت هزيمة كبيرة في الوعي العربي, وخاصة مع التفوق التكنولوجي والعسكري الصهيوني المتنامي يوما بعد يوم, مع التخلف العربي الذي لا يماثله تخلف في الدنيا, كل هذا جعل الشعور بالهزيمة في الوعي العربي متأصلاً, لولا وجود المقاومة الفلسطينية التي تبين صمود الإنسان العربي, وأنه لن يرضى بالضيم دوماً.

ثانياً: الاستبداد السياسي الذي يمثل امتدادا حقيقياً للاحتلال الأجنبي للأوطان العربية, يجعل الإنسان العربي مهزوماً أمام طغمة حاكمة, لا تهتم سوى بمصالحها, ولا يهمها من أمر الأمة شيء, وهذا الشعور بالهزيمة لا يعني أن ينكفأ العربي على نفسه, ويندب حظه, ويلعن بلده, بل ولد عند الإنسان العربي الشعور بالضيم, وأنه يملك حقاً مسلوباً ينبغي الثورة لاسترداده, فثار العرب في ربيعهم المستمر إلى يومنا هذا, ومع كل محاولات التصدي لهذا الربيع العربي, الذي أظهر أن الشعوب العربية حية لا تستلم ولا تنهزم, فقد استمر وانتقلت عدواه من بلد إلى بلد, كموج هادر لا يمكن لأحد الوقوف أمامه.

ثالثاً: المؤامرات الغربية, فقد جند الغرب كل أدواته وأساليبه المباشرة وغير المباشرة في سبيل إضعاف الشعوب العربية, وإنهاكها, في سبيل استغلال ثرواتها, واستنفاذ مقدراتها وخيراتها, دون أدنى اهتمام بأي قيم أو معايير إنسانية, وحين وجد الإنسان العربي في خضم هذه المؤامرات والألاعيب الدولية, لم يجد في مقدوره التصدي لها, لفارق الإمكانات, وانقسام الصف العربي, ولأن أدوات الغرب المتآمر هي النخبة الحاكمة في بلداننا.

  • عدم رغبة الإنسان العربي بالاعتراف بهزيمته الحضارية, وهذا من أهم أسباب استفحال الهزيمة وتجسيدها, ولعل أبلغ مثال على ذلك, تسمية العرب لهزيمتهم سنة 1967 أمام الكيان الصهيوني بالنكسة, وأنها مجرد نكسة صغيرة حدثت في غفلة من الزمن وانتهت, في حين أنها كان نكبة وهزيمة عربية جديرة بالدراسة لأخذ الدروس والعبر منها, وتفادي أسباب الوقوع في مثيلاتها, فقد كانت حرباً في ستة أيام حاسمة, ضاعت فيها القدس الشرقية, والضفة الغربية, وقطاع غزة, وشبه جزيرة سيناء, وهضبة الجولان, دمر فيها الصهاينة 416 مقاتلة عربية, فقد خسرت الجيوش العربية المشاركة في الحرب 80% من عتادها, وقتل فيها 20,000 عربي, وجرح 40,000, وأسر 5,000, وهجر ما يقارب 400 ألف من ديارهم, ونزح 100 ألف داخل أوطانهم, في حين قتل من الصهاينة 700 وجرح 2,500, وأسر 20 فقط.
  • التخلف الثقافي العربي, فالنخبة الثقافية العربية هي إما نخبة منتفعة تمجد الحاكم وتسبح بحمده, أو نخبة قصارى جهدها إعادة تدوير الإنتاج الثقافي للغرب, أو الارتهان لأطروحات سلفية سابقة لا تتناسب مع احتياجات الجيل, وهذه التخلف الثقافي جعل النخبة الثقافية غير قادرة على مجرد توصيف القضية العربية, والبحث عن مكامن القوة والضعف, وفي هذا يقول جورج حبش: " قد تواجه هزيمة عسكرية أو اثنتين وهذه مشكلة, ولكن في تقديري ليست كارثة, فقد يلي الهزيمة العسكرية, كما حصل في عام 1967م, انهيار سياسي, وهذه مشكلة مضاعفة, ولكنها أيضاً ليست كارثة, فالأمور ستعود للاستقامة, ولو بعد حين, ولكن الكارثة تحدث, عندما تنهار الجبهة الثقافية, إن هذا الانهيار, يمتد ليصل إلى عمق الإنسان, نعم الإنسان الذي يشكل الأساس, لأي نصر عسكري, أو سياسي, إذاً فخطورة الانهيار الثقافي تنبع من كونه يصيب البنية الداخلية الذاتية للمجتمع, ويدمر الروح المعنوية, والإرادة والتصميم".
  • ضعف المؤسسة الدينية في التجاوب مع حاجيات الجيل وإشكالياته, وقصورها عن إقامة خطاب ديني يتناغم مع تطورات العصر, ومشاكله المعقدة, مما يجعلها تظهر بمظهر المتخلف والضعيف في الاستجابة للتحديات والإشكالات الراهنة.
  • ضعف الوعي السياسي عند الإنسان العربي, فعلى مستوى النخبة نجد أن أدوات الرصد والتحليل, ومراكز البحوث والدراسات تكاد تكون شبه منعدمة, فقصارى جهودهم أنهم يجيدون حبك الكلام, ورصف العبارات في قالب وصفي يشعر من خلاله الإنسان البسيط أنه غاية الإحاطة, ومنتهى التحليل, في حين أنه لا يعدو أن يكون استنباطات شخصية, وقراءات ذاتية, لا تستند إلى أي دراسات إحصائية ممنهجة, مما يجعل تحليلاتهم قاصرة عن وصف الواقع, يعتريها الخطأ في غالب الأحيان, أما الإنسان العادي فقد شغله حكامه بلقمة عيشه, ويبذلون كل مقدرات الأمة في سبيل سلب وعيه, واستغفال فكره عن طريق إعلام نفعي مرتزق, يسخر كل أهدافه في تمجيد القتلة والفاسدين وشيطنة المصلحين والصالحين.

ولهذه الأسباب مظاهر تعبر عن الهزيمة الحضارية للأمة في أكبر تجلياتها,  ومظاهر الانهزام العربي أكبر من أن تحصر, بدءاً من التواكل العربي, وعدم وجود المبادرات الفردية أو الجمعية في البناء والتطوير, وضعف ثقافة المساءلة والمحاسبة والنقد الذاتي كأداة من أدوات التقييم والتطوير, ونحو ذلك من مظاهر الانهزام الحضاري التي يمكن عدها أسباباً للانهزام في بعض الأحيان في أمتنا العربية.

خلاصة القول أن الهزيمة العربية المستمرة ما زالت ترزح بثقلها على كاهل هذه الأمة ووعيها, وهذه المقالة ليست إلا مجرد دعوة للتفكير وإعادة النظر في أبعاد هذه الهزيمة العربية, لعلنا نسهم في إعادة بناء العقل العربي, عله يستوعب أبعاد هزيمته, ويدرك من خلالها محركات نهضته, فما زالت لدينا بقية أمل نتمسك من خلالها بعودة أمتنا إلى مكانتها الحقة, وأنها ستعود سيرتها الأولى, فلن يخلف الله وعده.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.