قميص " الحمادي "!
يراد للشهيد عدنان الحمادي قصة مشابهة، لمثل تلك القصص التي يريد لها كاتبها أو الفيلم الذي يريد له مخرجه، نهاية غامضة، حيث يسوق البعض سيناريوهات تتسم بالغموض، في محاولة لتمرير مخططات استكمال تمزيق المناطق المحررة، بمعنى أوضح، فإن الجهات التي حاولت أن تتخذ من حياة الحمادي جسراً لتحقيق مطامعها، تريد الآن استغلال موته كوسيلة لتنفيذ مآرب خاصة بتدمير النسيج الإجتماعي لتعز.
لقد اكتسب الحمادي شعبيته من سيرته العسكرية، وهي سيرة ارتبطت بمقاومة مليشيا الحوثي خلال اجتياحها لمدينة تعز؛ بعيد انقلابها على السلطة، حيث شكل قلة من العسكريين الأحرار؛ أمثال الحمادي ويوسف الشراجي، رفقة قادة المقاومة؛ أمثال حمود المخلافي، حائط صد منيع ضد مليشيا الحوثي، وسجلت معارك الدفاع والتحرير نموذجاً نادراً لمدينة ترفض الخضوع لغير الدولة.
وكغيرها من حركات المقاومة في العالم، بقدر ما سطرت مقاومة تعز تاريخاً مشرفاً من وقائع حسن السلوك المنضبط بقيم الدولة والجمهورية، ارتكبت أيضاً وقائع سوء سلوك لا علاقة لها بتلك القيم، وكانت تلك السلوكيات غير المنضبطة؛ على قلتها، طبيعية جداً، نتيجة لانخراط السيء والجيد والكفؤ ومنعدم الكفاءة في طريق مقاومة الحوثي، وهذا الانخراط غير المتزن شكل أزمات لاحقة ألصقت بجدار المقاومة الأبيض نقاط سوداء.
كان يمكن تفادي تلك النقاط السوداء عند تأطير تشكيلات المقاومة في ألوية عسكرية، بوضع معايير دقيقة تستثني من الانضمام للجيش، المجموعات الأمنية المنفلتة والجماعات الدينية المتطرفة والشخصيات المتهمة بالقتل، لكن القيادات العسكرية؛ بلا استثناء، تساهلت في هذا الأمر الخطير، وهو ما أنتج أزمتين ضربتا تعز من الداخل، الأولى مرتبطة بقبول قادة الجيش تدخلات الأحزاب السياسية في شؤونها العسكرية، ما أظهر الجيش بصورة التبعية الحزبية، والثانية انسياقها وراء التغطية على مجموعات أمنية منفلتة؛ كمجموعة غزوان، أو جماعة إرهابية متطرفة؛ ككتائب أبو العباس.
أدت سياسة التسييس والتغطية على القوى الخارجة على القانون، إلى دخول أطراف إقليمية في خط نار التفريق بين أخوة المقاومة ورفقاء السلاح العسكري، فبينما قبلت قيادات في محور تعز السكوت أو التواطؤ مع حالة الفوضى الأمنية التى ضربت مدينة تعز، تماهى اللواء (35) مع الأجندة الإماراتية وقبل توفير الغطاء العسكري لكتائب أبوالعباس، التي تعمل وتنشط؛ ولا تزال، تحت غطاء اللواء.
في هذا السياق فإن أغلب قادة الجيش بتعز، كل بحجمه وتأثيره، ارتكب أخطاء عسكرية أثرت سلبا على مسار التحرير وسمعة الجيش، وأدى القبول بالضغوطات السعودية والاماراتية، إلى انقسام جغرافي للجيش، ألوية منضوية تحت إطار المحور مقرها المدينة، واللواء (35) الواقع في ريف الحجرية، ما ظهر وكأن هناك جيشان بتعز وليس جيشاً واحداً، وأدى ذلك لنشوب صراع ميداني بين اللواء والمحور، كان نقطة الخلاف فيه كتائب العباس.
كان نافخ الكير بين المحور واللواء (35)، لوبي الإمارات، وهو خليط من حزبيين وإعلاميين، عملوا ضمن خطة مدعومة في مسارين متوازيين، الأول تصوير أن الجيش الوطني هو فقط اللواء (35) وبقية الأولوية جيش الإصلاح، وأن الحمادي هو الوطني الوحيد من بين قادة الجيش، مع أنهم كلهم يعملون في سياق مشروع واحد وضمن إطار الشرعية، ومعينون بقرارات جمهورية، ولكل منهم إيجابيات وسلبيات، ولا أحد منهم منزه عن الخطأ، والمسار الثاني تمثل بدفع اللواء (35) لخوض معارك مع قيادة المحور للدفاع عن كتائب العباس، كمقدمة لصراع مناطقي يهدف لفصل الحجرية عسكرياً وسياسياً عن المدينة، وكان المخطط يراد له السير باتجاه بناء تحالف بين اللواء والمليشيات المتمردة على الشرعية؛ كقوات طارق.
لقد رفض الحمادي، كما تؤكد مصادر مقربة، الانخراط ضمن المخطط الأخير الرامي لتفجير الوضع في الحجرية، وتواترت أنباء عن ضغوطات إماراتية تعرض لها قبيل مقتله، وبغض النظر عن صحة هذه الأنباء، فإن الحمادي رغم كل الاعتراضات التي سجلت عليه، لم يكن من ذلك النوع الذي يمكن أن يساوم على بيع شرفه العسكري على حساب بلده ومنطقته.
الآن، نفس الطرف؛ الخليط من موالين لعائلة المخلوع صالح والمصابين بـ فوبيا الإصلاح، يعمل بكل جهد ودأب لاستثمار مقتل الحمادي لصالح إنجاح الخطط الهادفة لتمزيق تعز، بعد أن فشل في تحقيق ذلك المخطط إبان حياة الشهيد، ويمكننا أن نلحظ ذلك بوضوح في الاتهامات المتسارعة لتحميل محور تعز، أو الإصلاح، مسؤولية مقتل الحمادي، لقد أطلقت تلك الاتهامات حتى بعد ساعات من الاعتداء الآثم على الشهيد.
لقد بات واضحاً أن البعض يريد احتكار الحديث باسم قضية الشهيد الحمادي، مع أنه قائد في الجيش ويعبر عن دولة، وليس قاطع طريق، والدولة هي المسؤولة بشكل مباشر عن التحقيق حول حقيقة مقتله، كما أن الحمادي ليس مجرد عابر سبيل، حتى يتم سرقة قميص دمه المسفوك غدراً، في محاولة لتفريق دمه بين رفقائه في النضال والمقاومة.
ما يمكن تأكيده، أن على محبي الشهيد عدنان الحمادي، وهم هنا تيار عريض يبدأ من الحجرية ويمر بمدينة تعز ولا ينتهي باليمن كلها، أن لا يسمحوا لتحويل قضية الحمادي ودمه، إلى قميص يتخذ منه أعداء تعز لافتة لتمرير خطط ضد تعز والدولة والجمهورية.
إن الحفاظ على وحدة التراب التعزي، والوقوف ضد أي مخطط تمزيقي وتفتيتي، هو أكبر وفاء للشهيد وأهم انتصار لدمه.
*نقلا عن المصدر أونلاين
التعليقات