الذكرى الثلاثون لكورونا !
ها هي الذكرى الثلاثون تحل على العالم بعد انتصاره على أخطر فيروس في العصر الحديث. كورونا وما أدراك ما كورونا، أغلقت فيه المدن والجامعات والمساجد والكنائس وعطلت فيه الأشغال وأصبحت المدن الأكثر ازدحاماً خالية من البشر. وقف برج ايفل وحيداً وغاب المصلون في بيت الله الحرام، ونادى المنادي أن صلوا في رحالكم والآخر أن ابقوا في بيوتكم. وأعلن الحظر بكل مكان، مر عام وكأنه ألف عام انهارت فيه العديد من الدول صحياً واقتصاديا. وخلال عام من المعاناة وبعد أن حصد كورونا قرابة مليون نسمة حول العالم، استطاع العالم التغلب عليه وأصبح كورونا شيء من الماضي في تلك البلدان.
تحل اليوم الذكرى الثلاثون لكورونا، ها هي مدينة ووهان الصينية تزين للاحتفال بالذكرى الثلاثون لتغلبها على كورونا، توزع الكمامات التي أصبحت رمزاً لذلك الزمن، وتملى القدور الكبيرة بحساء الخفافيش لتوزع في عموم المدن الصينية احتفالاً وابتهاجاً بهذا النصر، وفي شوارع تلك المدن ينتشر بائعو الورد وتستقبل المقابر الزائرين المحملين بالورود لزيارة الذين قضوا نحبهم في زمن ذلك الفيروس الخطير. ومن ووهان شرقاً إلى روما غرباً، هي الأخرى تتزين وتعزف الموسيقى في جميع أرجائها وتغني اليوم روما فرحاً لا حزناً بعد ذلك العام الذي حصد فيه كورونا أرواحا كثيرة. وهنا في مكة يرفع الاذان وينادي المنادي حيَ على الصلاة حيَ على الفلاح ونسي الناس صلوا في رحالكم. ويعود الزوار إلى باريس ولم يعد برج ايفل وحيدا كما كان في زمن كورونا فالزوار يحيطون به من كل جانب.
كل بلدان العالم تحتفل بهذا الذكرى الا بلداً واحداً ما زال كورونا ضيفاً عليه لثلاثين سنة يحصد أرواحاً فيه دون أي شفقة. كورونا أصبح من الماضي في العالم الا في تلك البلد ما زال كورونا من الماضي والحاضر وربما المستقبل. كيف لا والعالم قد تغلب على الكوليرا وحمى الضنك من سنوات عديدة وما زالت تلك الأمراض تحصد أرواح الآلاف في هذا البلد. بلد اجتمع فيه ثالوث الموت والحرب والجوع والمرض، فكل مرض يحل على أهل هذا البلد يحصد منهم أرواحاً دون رحمة والعالم بأسره يتفرج ويلتقط بعض الصور لأطفاله ويعلن ان البلد يعيش أزمة إنسانية وصحية، وأكثر ما يمكن فعله هو أن يدين ويستنكر ويتعاطف قولاً لا فعلا وفي الاخير يعلن عن قلقه الشديد ليس أكثر؟!.
بلد أصبحت القضية الإنسانية فيه سلعة تقتات عليها المنظمات الدولية والإقليمية ليس الا. في هذا البلد الذي انهكته الحروب والطائفية والعنصرية، طمع في خيراته وثرواته القريب والبعيد. في بلد لا يمتلك أهله ابسط مقومات الحياة من ماء وغذاء ودواء. فيه تشيع كل يوم عشرات الجنائز بسبب الحرب وأخرى بسبب الجوع وثالثة بسبب المرض. في ذلك البلد جفت دموع الكبار قبل دموع الصغار. نعم أنه اليمن يا سادة وما أدراكم ما اليمن ثلاثون سنة مرت على ذكرى كورونا، وما زال أهل اليمن يبحثون عن أبسطت مقومات الحياة الماء والغذاء والأمان والدواء.
ثلاثون سنة مرت وما زالت الحروب والصراعات العبثية مستمرة لا تنتج الا مزيدا من الكراهية والحروب والفتن بين أبناء هذا الوطن.
ثلاثون سنة مرت ومازال اليمن يعيش في ظلامه الدامس دون أن يرى النور يوماً واحداً.
ثلاثون سنة مرت ومازال ابن الجنوب يحلم بعودة دولته المسلوبة، ومازال ابن الشمال أيضاً يتمنى عودة جمهوريته المخطوفة.
تمر السنوات مسرعة ولم يتعلم اليمنيون من الماضي شيء -مع الأسف-. يحتفل العالم اليوم بذكرى التغلب على كورونا، ونحن مازلنا نحتفل بشعارات وأوهام من الماضي. متى يستيقظ أهل اليمن من سباتهم يا ترى؟! كل عام واليمن والعالم أجمع خالي من الامراض والحروب ويعم فيه الأمن وسلام.
التعليقات