تحت ذريعة الاختلاط .. مليشيات الحوثي تغلق بوابة كلية التربية بجامعة صنعاء
ها هي السعودية تعيد الزخم من جديد إلى اتفاق الرياض المتعثر الذي كان قد أتم التوقيع عليه بضغط شديد منها، في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، لتأمين مخرج سياسي للانقلاب الذي دبره التحالف السعودي الإماراتي ضد الشرعية في العاصمة السياسية المؤقتة عدن؛ عبر المجلس الانتقالي وقوات ومليشيات تعمل ضمن مشروع فصل جنوب اليمن عن شماله.

فقد أعلن هذا التحالف عن استيفاء الترتيبات اللازمة لتنفيذ آلية تسريع اتفاق الرياض اعتبارا من يوم الخميس الماضي، العاشر من كانون الأول/ ديسمبر 2020، وحدد خطوات العمل ضمن التحرك الجديد على مسار الرياض، بأن يتم الإعلان عن الحكومة في غضون أسبوع، مشترطاً هذه المرة اكتمال تنفيذ الشق العسكري الذي يتضمن إخراج القوات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي من عدن، وتنفيذ فصل القوات العسكرية في أبين وإعادة انتشارها في جبهات القتال مع الحوثيين، وكل هذه الخطوات ستتم تحت إشراف قوات التحالف وخصوصاً القوات السعودية.

يمكن القول إن التحرك الجديد، يوفر هذه المرة ما يمكن اعتباره الحد الأدنى من تطلعات السلطة الشرعية المغلوبة على أمرها، ويُبقي الالتزام بتنفيذ الشق العسكري معلناً، على عكس المبادرات التي تناسلت من اتفاق الرياض على مدى أكثر من عام على توقيعه، وحاولت تجنب إعلان التلازم الشرطي بين تشكيل حكومة المناصفة وبين تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض   .

لقد عكس هذا التأكيد على تلازم الشقين العسكري والسياسي ضمن اتفاق الرياض حاجة السعودية لمواجهة تداعيات انتقال السلطة في واشنطن وأولويات الإدارة الجديدة؛ التي يبدو أنها محملة بضغائن كثيرة حيال العهد السعودي الجديد، وعكس بالقدر نفسه حاجة الرياض للجم طموح أبوظبي ومخططاتها التي تستهدف إغراق المملكة في المستنقع اليمني، رغم أن قطبي التحالف يتحركان ظاهرياً ككتلة موحدة الأهداف في الساحة اليمنية والإقليمية.

ومع ذلك فإنه لا توجد ضمانات حقيقية يمكن أن تجعل هذا الالتزام يتحقق على أرض الواقع، لأن تنفيذ الشق العسكري سيبدد - بمستويات معينة - القوة العسكرية للمجلس الانتقالي، وسيضعف قبضته على عدن، وسيؤسس لنموذج لا يمكن التراجع عنه في معظم المناطق التي نفذ فيها الانتقالي انقلابات على السلطة الشرعية وأحل نفسه بديلاً عنها، مثلما حصل في محافظة أرخبيل سقطرى وفي محافظة الضالع على سبيل المثال.

لقد تسبب إعلان التحالف عن استيفاء الترتيبات اللازمة للبدء في تطبيق آلية تسريع تنفيذ اتفاق الرياض ردود فعل متضاربة ومشوشة حيال مصداقيته، بالنظر إلى أن المراقبين للمشهد اليمني خبروا جيداً نوايا التحالف السعودي الإماراتي، وازداد يقينهم بأن اتفاق الرياض يمثل بحد ذاته كارثة سياسية على السلطة الشرعية وتهديداً وجودياً للدولة اليمنية، لأنه يؤمّن موطئ قدمٍ للمشروع الانفصالي في الحرم السلطوي للدولة اليمنية، ويؤدي إلى تعويم السلطة الهشة للشرعية، ويُحَوِّل هذه السلطة إلى تركةٍ متنازعٍ عليها، وهو أمر سيعزز من قبضة التحالف على السلطة ويسهل عليه توجيهها حيث تريد طموحاته وأولوياته السياسية والتكتيكية والاستراتيجية.

وإنها لمناسبة أن أورد هنا خلاصة ما سمعته من مصدر يتمع بعلاقات جيدة مع الأوساط الغربية المنخرطة في خضم الأزمة والحرب في اليمن.

فاستناداً إلى تواصله مع هذه الأوساط، بدا جازماً في تأكيداته أن الأولوية التي يركز عليها التحالف السعودي الإماراتي من وراء الدفع بجهود تنفيذ اتفاق الرياض؛ تتمثل في ضمان تشكيل حكومة تعمل منذ أدائها اليمين الدستورية، على تقليص المساحة التي ينشط فيها الرئيس هادي، وصولاً إلى إخراجه من المشهد السياسي.

أما بديل التحالف وفقاً لهذا المصدر فيتمثل في بناء تحالف هش من التناقضات السياسية والمناطقية يكون المجلس الانتقالي وقواته وهياكله هو نواته الصلبة؛ التي يمكن أن تتجمع في المساحة الجغرافية التي توصف عادة بأنها محررة من جنوب البلاد ووسطها وغربها، ويمكن لهذا التجمع أن يتعامل مع التحدي الحوثي الراسخ في شمال البلاد لكن دون وضوح كامل فيما يتصل بحدود هذا التعامل.

لا يبدو أن الرئيس هادي وحده وفقاً لهذا السيناريو هدفٌ لمخطط التحالف، بل أيضاً القوة السياسية الأكبر في معسكر الشرعية التي يقودها الرئيس، وأعني بها التجمع اليمني للإصلاح. فقد رسم التحالف عبر منظومته الإعلامية ومعلقيه وذبابه الإلكتروني صورةً سيئة عن هذا الحزب واسع الانتشار، واعتمد خطاباً سياسياً وإعلامياً يتسم بالديماغوجية والتسقيط الفج الذي حوله إلى تنظيم إرهابي ومليشيا مسلحة. وبالغ المحسوبون على المجلس الانتقالي وعلى جماعات سياسية وتشكيلات مسلحة مدعومة من الإمارات في استهداف هذا الحزب، واستنكار وجوده في الحكومة واتهامه باختطافها طيلة الفترة الماضية.

وفي المحصلة، فإن الحكومة التي سينتجها اتفاق الرياض ستكون أكثر هشاشة من الحكومات السابقة، فلا هي ستوجه القوة الفعلية نحو الحوثيين لتنهي انقلابهم، ولا هي مؤهلة لتكون حاملاً للمشروع الوطني بثوابته الوحدوية والجمهورية، والديمقراطية، وقراره الوطني المستقل.

وعليه، فإنه لا مصداقية للمبرر المعلن للأطراف المتحمسة لاتفاق الرياض، والذي يتمثل في اعتقادهم بأن الاتفاق سيوحد القوى العسكرية لمواجهة التهديد الإيراني الذي يتجلى في نفوذ الحوثيين وقوتهم العسكرية، لأن الذي أعطى الحوثيين فرصة لنيل كل هذه المكاسب هو التحالف السعودي الإماراتي بتشابكاته الإقليمية والدولية، وأولوياته الأيديولوجية والسياسية الأنانية.

وما ينبغي التأكيد عليه دائماً وأبداً هو أن اتفاق الرياض لم يكن ضرورياً من الأساس، لأن قوات التحالف كان بوسعها منع بروز أي تحد يواجه السلطة الشرعية في المناطق المحررة، لكنها وعلى العكس من ذلك، مارست مستوى من الخداع الاستراتيجي، لتضع كل هذه التحديات أمام السلطة الشرعية، وتوفر الإمكانيات الهائلة للمشروع الانفصالي ليظهر بهذا الصلف.

كل ذلك يحدث فيما لا يزال هذا التحالف يدعي التزامه الكامل بوحدة التراب الوطني لليمن ودعمه للسلطة الشرعية، لكنه لا يتوقف عن إعادة تشكيل هذه السلطة وإفراغها من مضمونها الوطني والتزامها الوحدوي.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية