ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

التسرب النفطي وإهمال الشركات يفتكان بصحة اليمنيين.. بؤر للأورام والتشوهات والأمراض المستعصية

يسافر ناصر عويضان (65 عاما) من مدينة حريب بمحافظة مأرب (173 كيلومترا شمال شرق العاصمة صنعاء) إلى مدينة المكلا قاطعا 542 كيلومترا لتلقي العلاج الإشعاعي، بعد إصابته بسرطان البروستاتا وأورام خبيثة أخرى في العظام والدم والعمود الفقري.

في مدينة حريب التي يبلغ تعدادها نحو 35 ألف نسمة، أصيب 3 آخرون من عائلة ناصر أيضا، كما شخّصت 11 حالة بسرطان الرئة والجلد والعين والبروستاتا، وأصيب العشرات بالفشل الكلوي وأمراض تنفسية وجلدية، جراء التلوث النفطي الناجم عن عمليات استكشاف النفط وإنتاجه في محيط مدينة حريب والمناطق المجاورة لها.

يؤكد أحمد ناصر عويضان أن هذه الحالات المشابهة لحالة أبيه ظهرت وانتشرت في المدينة، بالتزامن مع حوادث تسرب ودفن النفايات النفطية ومخلفات الحفر الناتجة عن أنبوب النفط بالقطاع (18) في مأرب، التابع لشركة "صافر" لاستكشاف النفط وإنتاجه، التي تبعد 100 كيلومتر عن أقرب تجمع سكني في مديرية حريب.

لم تقتصر الآثار الناتجة عن عملية تسرب النفايات النفطية ودفنها على البشر، بل امتدت آثارها إلى المزارع والآبار المحيطة أيضا؛ فالأراضي الزراعية تضررت، والمياه الجوفية تم سحبها من الآبار حيث تستخدم بشكل كبير في عمليات استكشاف النفط وإنتاجه، وأما ما تبقى منها فأصبحت البقع النفطية تظهر عليها، يقول أحمد: "كنا نأكل من خيرات أرضنا، وبعد أن تم سحب الماء وتلوث الباقي، أجدبت الأرض".

في مديرية الروضة بمحافظة شبوة (585 كيلومترا شرق العاصمة صنعاء) التي تضم نحو 6 آلاف نسمة، فقد تركي بن حبتور (45 عاما) أجزاء كبيرة من مزرعته، بسبب وصول كميات كبيرة من النفط المتسرب من الأنبوب الممتد من قطاع عياد (شمال عتق) حتى ميناء النشيمة بمديرية رضوم على خليج عدن إلى المزارع والآبار المائية المحيطة بها.

كانت مزرعة حبتور منتجعا سياحيا للعائلات، وتنتج التمور والمانغو والخضروات اليومية، غير أن التلوث بسبب التسربات النفطية أثر علبها فأجدبت وانخفض إنتاجها إلى الربع، وفق تقديره.

يقول بن حبتور إن وضعه المادي تدهور، وهو يفكر جديا في ترك عمله في الزراعة والاتجاه إلى عمل آخر. ويستعرض مع معد التحقيق صورا لمزرعته والبئر الموجود فيها، مبينا الآثار والبقع النفطية للتسرب النفطي وأن "أوراق قضيته أصبحت جاهزة لمقاضاة شركة "ييكوم" (YICOM) النفطية المالكة لأنبوب عياد النشيمة".

وتشير الدراسات العلمية إلى أن تسرب النفط الخام على التربة السطحية يؤدي إلى انبعاث العديد من الغازات ومنها غاز الميثان والإيثان وأكسيد الكربون والكبريت والغازات الأخرى متعددة الحلقات مثل غازات "بي تي إكس" (BTX) وهي من أشد الغازات سمية وتسبب سرطانات الجهاز التنفسي، إضافة إلى انطلاق غاز كبريت الهيدروجين شديد السمية، الذي يؤدي استنشاقه إلى اضطرابات تنفسية ويؤثر على الأعين والأغشية المخاطية في الأنف والحنجرة ويضر بالشعب الهوائية.

وتحتوي المياه المرافقة للنفط نسبا عالية من المعادن الثقيلة والأملاح المنحلة التي تضم عناصر مشعة تترسب على سطح التربة، ويؤدي التعرض لهذه المواد إلى مخاطر الإصابة بالسرطان وتليف الكبد أو الكلى وأمراض أخرى على المدى الطويل.

كما أن المركبات الضارة التي يحتويها النفط وهي ملوثات عضوية أو غير عضوية سامة -مثل مركبات الفينول والسيانيد والكبريتيدات وأيونات المعادن السامة والمواد الذائبة- تلوث التربة تلوثا خطيرا، وتجعلها غير صالحة للحياة النباتية والحيوانية على المديين القصير والمتوسط.

على مدار 3 أشهر، تنقل معد التحقيق بين محافظتي مأرب وشبوة والتقى بالعديد من ضحايا النفايات النفطية، الذين أكدوا جميعا وجود حوادث تسرب ودفن للمخلفات النفطية، واستعرضوا معه صورا للمزارع المتضررة والتقارير الطبية التي تثبت إصابتهم بأمراض مختلفة والقضايا التي تم رفعها ضد الشركات النفطية.

 

إحدى هذه القضايا رفعها عويضان رفقة 55 أسرة في المحكمة الابتدائية بمحافظة مأرب ضد شركة "صافر لاستكشاف وإنتاج النفط"، المشغلة للقطاع النفطي (18) مأرب، حيث يطالبون فيها برفع الضرر الناتج عن عملية التلوث وتسرب المخلفات النفطية ودفنها بطريقة مخالفة، والتعويض عن الأضرار الناتجة عن ذلك.

عويضان وبن حبتور، حالتان من مئات الحالات التي تضررت بشكل مباشر من تسرب ودفن المخلفات النفطية بمحافظتي مأرب وشبوة من قبل الشركات النفطية العاملة في اليمن، في مخالفة للمواد (22، 53، 57، 79) من قانون رقم (26) لسنة 1995بشأن حماية البيئة، واتفاقية بازل التي صادقت عليها اليمن، إضافة إلى عدم التزام هذه الشركات بتنفيذ المادة 85 من قانون حماية البيئة، والقصور في اتباع البروتوكول العالمي للتخلص من النفايات النفطية، وانعدام رقابة وزارة النفط والمعادن والهيئة اليمنية لحماية البيئة، وتهرب القضاء من النظر في القضايا المرفوعة ضد الشركات النفطية.

تتبّع معد التحقيق قصص 17 عائلة من محافظتي مأرب وشبوة تضرر أفرادها بشكل مباشر من عملية التسريب ودفن المخلفات النفطية عشوائيا. وتبين أن 9 منها قامت برفع قضايا ضد الشركات النفطية لرفع وجبر الضرر، وأن 19 شخصا تعرضوا لأضرار صحية ناتجة عن عملية التسريب النفطي. وتوزعت الأضرار الصحية الناتجة بين السرطانات والفشل الكلوي والربو والأمراض الجلدية والتنفسية الأخرى.

تؤكد مكاتب الصحة العامة والسكان في محافظتي مأرب وشبوة -بناء على متابعات وعمليات رصد للحالات ودراسات جارية لجهات ومراكز من ضمنهم مركز الخراز- أن المديريات الواقعة بالقرب من الأنبوب النفطي وأماكن تسرب ودفن المخلفات النفطية ارتفعت بها نسب الإصابة بالأمراض التنفسية والجلدية والسرطانات بسبعة أضعاف مقارنة مع غيرها من المدن.

وأثبتت المقابلات -التي أجراها معد التحقيق- أن 6 عائلات تركت مزارعها ومنازلها وهجرتها إلى مناطق أخرى. وتبين أيضا أن العائلات مجتمعة تعرضت مزارعها والمياه الجوفية في آبارها للضرر، وانخفض مستوى الإنتاج الزراعي لديها بنسبة 70% في المتوسط.

يقول سالم مرشان الطهيفي، وهو أحد العاملين سابقًا في شركة صافر النفطية، إن الأضرار التي لحقت مزرعته والآبار المحيطة بها جعلته يفكر في ترك المدينة، وإن الدولة لا تهتم بهم، فهي متورطة مع هذه الشركات، وفق تعبيره.

ويضيف الطهيفي أن الشركات النفطية في اليمن استغلت الحرب وضعف رقابة الجهات المختصة ولم تعد تهتم بمعالجة حوادث التسرب والتلوث النفطي، مشيرا إلى شواهد كثيرة على عمليات دفن لهذه المخلفات في محيط الشركات بمناطق صحراوية خالية من السكان، وأيضا بالقرب من التجمعات السكنية.

حصل معد التحقيق على نتائج دراسة مخبرية -تنشر لأول مرة- أجراها مركز الخراز للدراسات البيئية والهندسية بالتعاون مع بعض الجهات العاملة في المجال البيئي، شملت 5 عينات من 5 مواقع في محافظة مأرب، من أصل 94 عينة لمواقع ظهرت عليها آثار دفن المخلفات النفطية أو التسرب النفطي، وادعت الشركات النفطية أنها قامت بمعالجة الضرر ببعض هذه المواقع.

تثبت نتائج فحص العينات وجود نسب كبيرة من المواد الكيميائية الثابتة والمتطايرة في التربة والمياه الجوفية، وهي ناتجة عن المواد والنفايات النفطية. ووصلت الزيادة في بعض المركبات الكيمائية إلى 20 ضعفا عن المعدل الطبيعي، مما قد يتسبب -حسب الدراسة- في فقدان التربة لعناصرها اللازمة للزراعة وعدم صلاحية المياه الجوفية للاستخدام البشري أو الحيواني وحتى الزراعي، بالإضافة إلى الأضرار البيئية والصحية التي بدأت تظهر بشكل غير مسبوق.

يقول أستاذ تقييم الأثر البيئي بجامعة الحديدة الدكتور عبد القادر الخراز (رئيس مركز الخراز ورئيس الهيئة اليمنية لحماية البيئة سابقًا) إن الدراسة أجريت على 64 عينة من التربة و30 عينة من المياه الجوفية، وتم اختيار عينات من المواقع التي ادعت الشركات النفطية أنها قامت بمعالجة ورفع الضرر عنها، وكانت نتائج الفحوصات غير متوقعة، حيث أظهرت وجود المعادن والمواد الكيميائية حتى بالمواقع التي يفترض أنها عولجت من التلوث.

يؤكد الدكتور الخراز أن 50% إلى 70% من الأراضي الزراعية في المناطق الواقعة في محيط الشركات والمنشآت النفطية تضررت بشكل كلي وجزئي. وتحدث مزارعون خلال عمليات المسح الخاصة بالدراسة عن وجود رغوة سوداء تظهر عند هطول الأمطار، يرجح أن تكون أمطارا حمضية ناتجة عن حوادث تسرب ودفن المخلفات النفطية والتلوث.

 

تتم عملية دفن المخلفات النفطية في محافظات الحديدة ومأرب وشبوة وحضر موت، ويؤكد الخراز أنه تم أخذ عينات من هذه المحافظات لفحصها في مختبرات معتمدة وكانت النتائج "خطيرة"، فالشركات النفطية -وفقا للخراز- تقوم بتصريف المخلفات النفطية من دون معالجات علمية، وتمت ملاحظة حفر كبيرة خلال عملية المسح بمتوسط عمق 4 أمتار تدفن فيها المخلفات وتترك بعضها مكشوفة.

يضيف الخراز أنه عند مخاطبة الشركات النفطية لمعالجة عملية الدفن، اكتفت هذه الشركات فقط بخلط المخلفات بالتربة وبقي التركيز الكيميائي والضرر البيئي قائما. وفي تقييم الدراسة لأكثر المناطق عرضة للتلوث البيئي في محافظة مأرب، يقول الدكتور الخراز إن مديرية حريب ومن ثم وادي عبيدة والجوبة، هي أكثر المديريات عرضة للأضرار نظرا لقربها من الأنبوب النفطي. أما أكثر المناطق عرضة لهذه المخاطر البيئية في محافظة شبوة، فهي مديريات بيحان وعسيلان والنشمة وغرب عياد.

اطلع أستاذ البيئة الكيميائية المشارك بجامعة أبين علي سالم السعيدي على نتائج العينات ووصفها بأنها "كارثة"، مشيرا إلى أن تركز المواد الكيميائية بهذا الشكل في التربة، ووجود عناصر مثل الرصاص والنيكل والزنك والكروم بهذه النسب العالية قد يتسبب -وبدرجة كبيرة- في الإضرار بالتربة وبنيتها، وينعكس ذلك على المياه الجوفية والحياة الزراعية بشكل كبير.

ويضيف السعيدي أن أي اختلال في تركز هذه العناصر ولو بنسب منخفضة قد يسبب الإصابة بمجموعة من الأمراض، منها الأمراض العصبية والسرطانات. لكن النسب التي احتوتها العينات كانت مرتفعة فعنصر الرصاص -على سبيل المثال- الذي مصدره الرئيسي النفط ومشتقاته يعد ساما، ويُمتص بسهولة من التربة والنباتات الزراعية، ويتسرب للمياه الجوفية. وفي حال حدوث ذلك، فإنه قد يشكل خطرا بالغا على صحة الإنسان.

من جهته، يؤكد الدكتور يوسف المخرفي -مدير عام مركز البيئة والتنمية المستدامة بجامعة 21 سبتمبر للعلوم الطبية والتطبيقية- أن السرطانات وأمراض المسالك البولية والعصبية وغيرها هي الأكثر ارتباطا بتلوث التربة والمياه والبيئة بالمخلفات النفطية بدرجة أساسية.

وتكمن خطورة حوادث التسرب ودفن المخلفات -بحسبه- في تدمير التربة الصالحة للزراعة تدميرا نهائيا، نظرا لتسبب المخلفات النفطية في قتل الكائنات العضوية وارتفاع حموضة التربة وانسداد مسامها. كما تؤدي المخلفات النفطية إلى الإضرار بالمياه الجوفية ومصارف المياه، نظرًا لقدرتها العالية على التسرب في التربة وتغيير خصائص المياه فتصبح خطرة على الكائنات الحية والحياة البرية. وحسب المخرفي "لا علاج لهذه الأضرار إلا بمنع حوادث التسرب والدفن".

وعن الأمراض التي ظهرت في مناطق المسح، يقول استشاري علاج الأورام السرطانية والعلاج بالإشعاع الدكتور علي الأشول إن هناك احتمالا كبيرا لإصابة الأشخاص المعرضين للمخلفات النفطية بشكل مباشر أو عن طريق وجود المخلفات النفطية في التربة والمياه الجوفية والهواء.

وتتسبب هذه المخلفات -حسب الدكتور علي الأشول- في كثير من الأمراض العضوية، مثل الفشل الكلوي وأمراض الدم والأمراض التنفسية إلى جانب الأورام السرطانية، التي قد تظهر في مراحل مبكرة جراء تركز المواد الكيميائية الخطرة بهذه المخلفات، مثل سرطانات الجلد، والرئة، والدم، والعظام أو حسب التأثير المباشر للإصابة والمنطقة المعرضة له.

من جهته، قال مدير مكتب الصحة بمحافظة مأرب عبد العزيز الشدادي إن المحافظة لا تمتلك أي مركز صحي مؤهل لاستقبال حالات السرطان، وهو ما أدى إلى لجوء هذه الحالات إلى محافظات أخرى مثل صنعاء وحضر موت، مما عرقل وضع إحصائية دقيقة توضح مدى ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان والأمراض التنفسية والجلدية وحالات الإجهاض والتشوهات الجنينية، بسبب التسربات النفطية.

وأضاف الشدادي يتضح -عبر تقارير راصدين وناشطين في مناطق التسرب النفطي- ارتفاع نسبة الإصابة بالكثير من الأمراض، ومنها السرطانات وحالات الإجهاض، والتشوهات الجينية الناجمة عن التلوث في هذه المناطق.

تظهر صور ومقاطع فيديو حصرية -حصل عليها معد التحقيق- عملية التسرب النفطي ومواقع دفن المخلفات النفطية في محافظتي مأرب وشبوة، وتبرز بشكل واضح التسربات والبقع النفطية في الآبار الجوفية، وتضرر الأراضي الزراعية ووجود آثار النفط بالقرب من التجمعات السكنية، كما أظهرت الصور منازل هجرها سكانها للسبب ذاته.

ووفقًا لشهادة مسجلة من صالح عطية (اسم مستعار) -أحد سكان محافظة شبوة الذي يتحفظ على ذكر اسمه الحقيقي لأسباب أمنية- أكد فيها أنه لاحظ سيارات تابعة للمالك الوطني لأنبوب النفط في قطاع 4 بالقرب من منطقة النشيمة، عند الساعة الرابعة فجرا في منتصف فبراير/شباط الماضي، قامت بواسطة مركبات للحفر بإحداث أكثر من 5 حفر كبيرة، طمرت فيها مخلفات نفطية وغادرت.

ويضيف أن كثيرا من أبناء المنطقة قد شاهدوا مثل هذه الحوادث التي لم تعد خافية، فالمزارع والمياه الجوفية تأثرت تأثرا بالغا من عمليات الدفن وتسرب النفط من الأنبوب، وأن الدولة يجب عليها معالجة المشكلة التي كانت موجودة قبل الحرب وتفاقمت بعدها من دون متابعة.

رصد التحقيق 3 تقارير صادرة عن فريق الدراسات البيئية لشركة "أولتارا" للاستشارات، بينت فيها مواقع التسرب النفطي في محافظة شبوة التي بلغت 16 موقعا خلال فترة الحرب من ديسمبر/كانون الأول 2014 وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2020.

وأوضح التقرير نتائج فحوص مخبرية لـ3 مواقع في محافظة شبوة (الصفاة، وتمورة، ولهية) حيث أخذت عينات من التربة من مواقع متعددة بجوار الأنبوب وفي أماكن التسربات والبقع النفطية، وتبين أنها مشبعة بالمواد الهيدروكربونية، وحددت الفحوصات أنواع التربة ونسبة المادة الهيدروكربونية، بالإضافة إلى قياس درجة الحموضة والموصلية الكهربائية فيها.

وفي دراسة للدكتور عبد المنعم حبتور -أستاذ الجيوكيمياء في كلية النفط والمعادن ورئيس هيئة المساحة الجيولوجية بمحافظة شبوة- تبين بعد فحص عينات للتربة في مناطق بمديرية حبان بمحافظة شبوة تسرب كميات من النفط الخام من أنبوب نقل النفط الخام من غرب عياد مديرية جردان حتى ميناء تصدير النفط بالنشيمة.

وكشفت التحاليل أن هناك حالة تلوث واضحة وكبيرة في المنطقة المقابلة لقرية لهية -على ضفاف وادي حبان- تعرضت لها التربة على طول الوادي، ويمكن مشاهدة تلوث التربة على بعد 500 متر من أماكن التسرب، إضافة إلى وصوله لنحو متر في أعماق التربة الرملية.

ويؤكد الدكتور عبد الغني جغمان الخبير الجيولوجي أن الأنبوب النفطي الذي يمر بمحافظة شبوة من قطاع عياد (4) إلى النشيمة متهالك وغير صالح للاستخدام، لتوقفه عن العمل منذ 1994، وقد تم استئناف تشغيله بعد توقف أنبوب رأس عيسى والباخرة صافر في نهاية 2016، وهو ما تسبب بحدوث كثير من حالات التسرب النفطي.

وتشير الدراسات التي قامت بها الشركة، التي عملت على تقييم الأثر البيئي لعدة مواقع في محافظة شبوة، إلى أن العينات والفحوصات والصور المرفقة أثبتت وجود آلاف البراميل التي تسربت وطمرت عشوائيا، حيث كانت العينات كلها مغمورة بشكل كلي بالنفط، حسب جغمان.

من جانبه، يؤكد رئيس مكتب الهيئة اليمنية لحماية البيئة بمحافظة شبوة محمد سالم مجور حدوث عمليات تسرب كبيرة في مناطق غرير وغيل السعيدي وتمورة بمديرية الروضة بالمحافظة، بسبب الأنبوب الناقل بالقطاع 4 بمنطقة "عياد" الذي تسبب في حدوث أضرار بيئية بالغة في الآبار والمزارع، ورغم رفع مذكرات رسمية إلى ديوان رئاسة الهيئة العامة لحماية البيئة ومنها إلى رئيس الوزراء والشركات النفطية العاملة، لم يحدث أي تحرك لحل المشكلة.

عن الشركات النفطية المسؤولة عن حوادث تسرب ودفن المخلفات النفطية، يقول الدكتور عبد الغني جغمان، إن مالك الأنبوب الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية والشركات المصدرة -شركة "أو إم في" (OMV) النمساوية، و"كالفالي" الكندية، وشركة صافر لاستكشاف وإنتاج النفط- هي المسؤولة قانونيا وفنيا عن صيانة الأنبوب ومعالجة حوادث التسرب النفطي، فمن المفترض أن قوانينها ولوائحها الداخلية لا تسمح باستخدام أنابيب تسبب تلوثا بيئيا خطيرا في المنطقة، وتلزمها باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة أي تلوث نفطي كما تقتضي البروتوكولات العالمية.

ويؤكد الدكتور جغمان أن هذه الشركات لم تقم بمعالجة هذه التسربات بمواد بيولوجية وكيميائية تعيد للتربة حيويتها، وإنما اقتصرت جهودها على دفن المخلفات على أقصى تقدير، كما أن الدولة غائبة ولم تقم بواجبها الرقابي والتشريعي تجاه الشركات النفطية، التي تعتبر البيئة خطا أحمر في دولها وتقوم بمعالجة أي تسرب بكل الإمكانيات، لكنها لا تعير الأمر أهمية في اليمن بسبب غياب الدور الحكومي والقوانين الرادعة، على حد تعبيره.

من جهته، حمل سالم مجور الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية مسؤولية حوادث التسرب في المحافظة وحمل كذلك بقية الشركات النفطية مسؤولية حوادث دفن المخلفات النفطية بشكل عشوائي وما ترتب على ذلك من تبعات خطيرة على البيئة والسكان.

وقد تواصلنا في هذا التحقيق هاتفيا وعبر المراسلات الخاصة -لمعد التحقيق- مع وزير النفط والمعادن في الحكومة المعترف بها عبد السلام باعبود للرد على الاستفسارات المرتبطة بالإجراءات التي اتخذتها الوزارة ضد الشركات المسؤولة عن حوادث التسرب النفطي ودفن المخلفات النفطية، وقد اطلع الوزير باعبود على الاستفسارات ولم نتلق أي رد منه حتى نشر هذا التحقيق.

كما راسلنا الشركات المسؤولة عن مد خطوط الأنابيب والمشغلة لها، التي وردت الإشارة إليها في التحقيق، وسألناها عن حوادث التسرب النفطي وعمليات الطمر والمعالجة التي لا تستجيب للمعايير واللوائح المحلية والعالمية المعتمدة، وما ترتب على ذلك من آثار خطيرة على البيئة وصحة المتساكنين، ولم نتلق أي رد أو توضيح حتى نشر هذا التحقيق.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.