الجبن البلدي.. وجبة يمنية شهية وصناعة تتوارثها الأجيال
على الرغم من اندثار الكثير من الصناعات والحرف اليدوية اليمنية القديمة، إلا أن صناعة الجبن البلدي في مدينة تعز ظلت صامدة لعشرات السنين، وما تزال مشهودةً حتى الآن وبطرقها التقليدية، ولم تستطع المنتجات المستوردة أن تحل مكانها، حيث أنها تعد واحدة من أهم المأكولات الشعبية التي يتميز بها المطبخ اليمني، ويقبل عليه المئات لمذاقه المتميز ومكوناته الطبيعية.
ويُصنع الجبن البلدي اليمني، من حليب الأغنام والأبقار، ومدينة تعز هي مصدره الحصري، ويأتي من مناطق كثيرة فيها أبرزها؛ مديرية مقنبة شمال غرب تعز، وأجزاء من ريف جبل حبشي، ومن مختلف القرى في منطقة "البرح"، التي تعد المصدر الرئيسي للجبن البلدي.
يقول الحاج "فرحان غالب هزاع"، أحد بائعي الجبن البلدي، إنه منذ أكثر من 40 سنة، وهو يعمل في بيع وشراء الجبن، وورث ذلك عن أبيه، ويعد حالياً، من أكبر الموزعين للجبن في السوق التعزي.
وللجبن أنواع وأسماء عدة، كما يقول هزاع، وهي العوشقي وهو أشهرها، و الهامليي، والقاحزي، والعوب، وتعود الأسماء الى المناطق التي يصنع فيها الجبن، ولا اختلاف في صناعتها ومذاقها.
وعن أسعار الجبن، قال هزاع إنها في فصل الشتاء ترتفع بسبب قلة إنتاج الألبان التي تستخدم في صناعة الجبن، كون المواشي لا تحصل على الرعي الكافي، بسبب انعدام الأمطار، أما في فصل الصيف فالأسعار تكون مناسبة لتوفر اللبن بكميات كبيرة، حيث ترعى الأغنام والأبقار كثيراً فتنتج كميات كبيرة من الألبان.
وتتفاوت أسعار الجبن بحسب نوعه وحجمه، وتبدأ من " ألف ريال يمني" إلى 7 آلاف ريال " (15 دولار)، ويبيع الحاج هزاع من 100 الى 200 حبة بشكل يومي، وكان يبيع أكثر من ذلك إلا أن الحرب تسببت بركود السوق، بعد مغادرة الناس للمدينة وعدم دخولها حالياً بسبب الحصار المفروض عليها من قبل الحوثيين.
وعن مراحل تحضير الجبن وصناعته، قال الحاج هزاع إنها تبدأ بإحضار لبن الأغنام أو الأبقار ويوضع في إناء دائري وتضاف إليه كمية قليلة من مادة "اللفح"، وهي المادة المستخرجة من معدة صغير الغنم الذي لا يتجاوز عمره الأسبوعين.
وبعد ذلك يتم تجميده لمدة يوم كامل حتى يبدأ بعدها بالتماسك ويكون صلباً، ويتم نقله إلى وعاء آخر، وفي اليوم التالي تخرج القطعة من الوعاء ويتم تبخيرها بجمر ودخان شجرة تسمى "الكباء"، للمساعدة على تماسك القطعة وتعقيمها وإعطائها رائحة زكية، ويتم توريده للأسواق المخصصة.
وأوضح هزاع أن الجبن الذي يضاف إليه الملح بكثرة ويكون مخصصا لـ" السحاوق" يستمر مدة شهرين دون تأثر، باعتبار الملح والنار مواد معقمة له، أما الجبن المخصص للأكل(دون ملح)، فمدته تتراوح بين يوم ويومين فقط، وإن زادت لم يعد صالحاً للأكل.
ويعد سوق الشنيني في المدينة القديمة بتعز، أحد أشهر وأقدم الأسواق في تعز، المركز الرئيسي لبيع الجبن، كما تتوزع عدد من المحلات المخصصة لبيع الجبن، لاسيما في سوق المركزي وسط المدينة، وبئر باشا، غربها.
فاضل الصبري، قال إن الجبن البلدي وجبته المفضلة منذ سنين. ويتابع" قبل الحرب كان سوق الشنيني قبلة الزائرين لتعز، والسياح الأجانب، باعتباره المركز الرئيس لبيع وشراء " الجبن البلدي" الذي يعد من أجود المأكولات الشعبية القديمة.
ويضيف الصبري في حديث لـ" يني يمن" إن الكثير من الزائرين لتعز من غير سكانها يأخذون كميات كبيرة من الجبن لعائلاتهم بالمحافظات الأخرى، وأيضاً هدايا، كما أن الجبن البلدي يرسل للمغتربين خارج اليمن، ويمكن تناول الجبن منفردا، أو خلطه بالفلفل والطماطم ليشكل وجبة يطلق عليها يمنيا بـ" السحاوق" وتأكل من الطعام.
ويتم تسويق الجبن البلدي بعد صنعته في تعز، إلى الأسواق الشعبية في صنعاء وعدن والحديدة ومعظم المدن اليمنية الأخرى لتصل قدر الإمكان إلى كافة مناطق اليمن، كما يتم تصديره إلى خارج اليمن، إنما بكميات قليلة. وصناعته وتسويقه يوفران للعاملين في مجالاته فرص عمل للتسويق والبيع، حيث تعتاش على عائداتها آلاف الأسر اليمنية.
التعليقات