ما انعكاس هجمات الحوثي ضد الإمارات على الأزمة اليمنية؟
حقق الجيش اليمني بالتعاون مع قوات العمالقة انتصارات عسكرية كبيرة جنوب مأرب وتم تحرير مديرية حريب التابعة لمحافظة مأرب. هذه الانجازات العسكرية جاءت بعد تفاهمات بين الحكومة اليمنية والتحالف العربي بعد إجراء بعض الترتيبات في شبوة من خلال تغيير قيادة السلطة المحلية السابقة واستبدالها بشخصية قبلية موالية للإمارات. بالإضافة إلى ذلك، استولت البحرية الأمريكية على سفينة أسلحة نهاية العام الماضي في البحر العربي كانت متجهة إلى الحوثيين.

هذه التحركات الميدانية دفعت الجماعة الحوثية إلى الاستيلاء على سفينة روابي الإماراتية، وشن هجمات بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة في 17 يناير/كانون الثاني الجاري استهدفت أبو ظبي وتسببت الهجمات في انفجار صهاريج لنقل المحروقات وحريق في منطقة الإنشاءات قرب مطار أبو ظبي، ومقتل ثلاثة عمال، حسب وسائل الإعلام الإماراتية.

وأطلق الحوثيون عملية أخرى تحت اسم "عملية إعصار اليمن الثانية"، حيث تم استهداف أبو ظبي بصاروخين بالستيين وتصدت الدفاعات الأمريكية في قاعدة الظفرة لهما.

سياقات التحول العسكري

شكّلت العمليات العسكرية تطوراً ملحوظًا في سياق المعارك العسكرية المستمرة منذ 26 مارس/آذار 2015 بين جماعة الحوثي والتحالف العربي. وتستهدف الجماعة الحوثية السعودية بشكل شبه دائم، ولكن لم توجد ضجة دولية حول ذلك، إلا أن استهداف الإمارات أحدث ضجة غير مسبوقة.

ومن خلال هذا التصعيد العسكري الميداني، يبدو أن الجماعة الحوثية تعيش حالة ارتباك سياسي داخلي خاصة بعد مصرع السفير الإيراني حسن إيرلو نهاية العام الماضي في ظروف غامضة، وهزيمتها عسكرياً في مديريات شبوة وجنوب مأرب، وكذا التحرك الأمريكي من خلال مصادرة بعض السفن التي تُهرّب الأسلحة للحوثيين عبر بحر العرب.

وفتور شبه كلي في العملية السياسية التي تتبناها الأمم المتحدة، ولم يستطع المبعوث الحالي هانس جروندبرج إحراز أي تقدم خصوصاً وأن الجماعة الحوثية رفضت الاعلان المشترك الذي تبناه المبعوث الأممي الأسبق، مارتن غريفيث، وكذلك المبادرة السعودية للتسوية التي تم إطلاقها في مارس/آذار 2021. وامتنع الحوثيون عن استقبال المبعوث الدولي الجديد.

كل هذه العوامل دفعت الجماعة إلى التصعيد العسكري ضد الإمارات للفت نظر المجتمع الدولي إلى أن الجماعة قادرة على تهديد المصالح الدولية والإقليمية في المنطقة ما لم يتم التعامل معها والاعتراف بها.

وأيضاً، أتت هذه الهجمات الحوثية بعد أن فشلت في الاستيلاء على المناطق الاستراتيجية التي يمكن أن تمدها بالغاز والنفط مثل مأرب وشبوة. ولذا، تشعر الجماعة بأنّها معزولة دولياً، وإقليمياً، وداخلياً، فهي معزولة في المناطق الجبلية الشمالية، ويوجد غليان شعبي ضدها خصوصاً وأنّها تدفع بأبناء القبائل إلى المعارك ولم تحقق أي تقدم استراتيجي نحو مناطق النفط والغاز.

أهداف الجماعة الحوثية والتحالف العربي من التصعيد العسكري

يهدف الحوثيون من وراء هذه العمليات إلى الضغط على الإمارات للانسحاب من المناطق الشرقية ووقف دعم قوات العمالقة، لأن بعض المنتسبين لقوات العمالقة كانوا طلاباً في مركز دماج السلفي الذي شردهم منه الحوثي بالقوة في 2013.

وهؤلاء يريدون العودة إلى مركزهم. ولذلك يقاتلون الحوثيين بعقيدة، تخيف الحوثي. وفي هذا الصدد يجب الحفاظ على سير المعارك في إطارها الوطني، قبل أن تنزلق إلى فوضى مذهبية. وتهدف الجماعة الحوثية من وراء هذا التصعيد إلى الضغط على التحالف أيضاً للعودة إلى طاولة المفاوضات والقبول بشروطها من خلال فتح مطار صنعاء والمواني.

ويبدو أن التحالف العربي وصل إلى طريق مسدود مع جماعة الحوثي في الوصول إلى تسوية سياسية، خصوصاً وأن السعودية خاضت حوارات مع جماعة الحوثي في ظهران الجنوب 2016 وحوارات أخرى غير رسمية كحورات مسقط، ومع ذلك لم يتم التوصل إلى أي حلول عملية تنهي الحرب. ويتضح أن هدف التحالف العربي من هذه العمليات العسكرية الضغط على جماعة الحوثي حتى تقدم تنازلات جوهرية وتقبل بعملية سياسية شاملة.

تداعيات التصعيد العسكري على سير المعارك في اليمن وعلى الأمن الإقليمي

من الواضح أن العمليات العسكرية قد دخلت منعطفاً خطيراً وأصبحت صواريخ الجماعة الحوثية تهدد المصالح الدولية والإقليمية من خلال القرصنة في البحر الأحمر وضرب موارد الطاقة في الخليج.

ولذلك، توجد خيارات صعبة ومعقدة للتحالف العربي وكذلك للجماعة الحوثية. وبالنسبة للجماعة الحوثية، ليس لديها ما تخسره فهي جماعة منتحرة عسكرياً وسياسياً. وفي حال استمرت في شنّ عملياتها العسكرية من هذا النوع فلا يستبعد أن يقوم التحالف بغارات أكثر هجومية على الحوثيين أو قد يلجأ إلى خيارات أخرى من خلال الضغط على الإدارة الأمريكية بضرورة تكثيف عملياتها البحرية للاستيلاء على السفن التي تُهرّب الأسلحة للحوثيين، وتصنيف الجماعة الحوثية كمنظمة إرهابية، وكل هذه الخطوات تبقى واردة.

ولكن يتضح أن خيار الدعم العسكري الميداني لقوات الحكومة اليمنية هو الخيار الأنسب للضغط على الحوثيين حتى يرضخوا للسلام.

بعد الهجمات الحوثية ضد أبو ظبي والسعودية، أدانت الجامعة العربية ومجلس الأمن ودول إقليمية العمليات العسكرية الحوثية. وطالبت الجامعة العربية بتصنيف الجماعة الحوثية منظمة إرهابية.

أمّا وزير خارجية إيران فقد وصف التصعيد بأنه "خلاف داخلي يمني"، وأن المنطقة تواجه العديد من التحديات التي من بينها الأزمة اليمنية. وتأتي هذه الإدانات في ظل الخوف من إنزلاق المنطقة برمتها إلى حرب مفتوحة ومن ثم تتضرر المصالح الدولية. ولا يستبعد أن تتوسع بين دول الإقليم بشكل مباشر في حال لم يتم حل الأزمة اليمنية.

سيناريوهات متوقعة

السيناريو الأول: وقف الإمارات دعمها لقوات العمالقة والدخول في تفاهمات غير مباشرة مع جماعة الحوثي، فتقبل الأخيرة بوقف العمليات العسكرية ضد الإمارات، والعودة إلى التهدئة بين الطرفين، وهذا لن يصب في صالح الحكومة اليمنية ولا السعودية.

السيناريو الثاني: استمرار الضغط العسكري الجوي والبري ضد الحوثيين، وهذا السيناريو سوف يجبر الأخيرين على القبول بالتسوية خصوصاً إذا تقدمت القوات الحكومية باتجاه البيضاء وذمار.

السيناريو الثالث: أن تمارس الأطراف الدولية ضغوطات على إيران وسلطنة عمان لتكثيف الضغط على الحوثيين بضرورة وقف إطلاق النار والدخول في حوار مباشر عبر الأمم المتحدة، إلا أن هذا السيناريو ضعيف على ما يبدو، لعدم وجود أدوات ضغط أكثر صرامة على الحوثيين.

ثمة تطورات في المشهد العسكري من خلال الضغط على جماعة الحوثي ميدانياً، واستمراره بهذا الشكل قد يجبرها في نهاية المطاف على القبول بالتسوية السياسية.

وهذه التسوية سوف تحافظ على أمن اليمن وسلامته ووحدة أراضيه وكذلك على المصالح الدولية وأمن المنطقة برمتها. إن ترك الوضع في اليمن بهذا الشكل دون حسمه يعني دخول المنطقة في نفق مجهول. وكما أن طي صفحة الأزمة اليمنية بأي وسيلة يعني إغلاق الباب أمام الجماعات العقائدية في شبه الجزيرة العربية التي تحاول تفكيك الدول الوطنية. هل يدرك المجتمع الدولي والإقليمي ذلك؟ نترك الإجابة لهم. والأيام القادمة حبلى بالمفآجآت، ونأمل أن تكون في صالح السلام والاستقرار.

أقراء أيضاً

التعليقات

أخبار مميزة

مساحة اعلانية