شرعية عاجزة أم عجز مقصود: قراءة في تراجع القرارات وتداعياتها على الصراع اليمني
في مشهد يعكس تخبطاً سياسياً وارتباكاً في صنع القرار، أقدمت الشرعية اليمنية على خطوة مثيرة للجدل باعتقال الشيخ محمد الزايدي ووزير الخارجية في حكومة الحوثيين هشام شرف، ثم لم تلبث أن تراجعت عنها بعد أيام قليلة بإطلاق سراحهما، في سلوك بات أقرب إلى النمط المتكرر الذي يكرّس صورة العجز لا الحزم، والتردد لا الحسم، وهو ما يصب مباشرة في مصلحة الحوثيين ويعزز من حضورهم الداخلي والإقليمي..
التهويل ثم التراجع: رسائل متناقضة
أثار إعلان الشرعية عن إلقاء القبض على الزايدي وشرف ضجة إعلامية وسياسية، واعتُبر خطوة جريئة يمكن أن يكون لها ما بعدها في مسار المواجهة مع الحوثيين، لكن سرعان ما تراجعت الشرعية، وتم إطلاق سراح الشخصيتين من دون توضيحات مقنعة، الأمر الذي أضعف الرسالة الأصلية، بل وانقلبت إلى رسالة مضادة: أن من يخضع لسلطة الحوثي يمكنه التنقل بكل أريحية، وأن قرارات الشرعية غير مستقرة..
لماذا هذا التردد؟
الإشكال لا يكمن في الاعتقال ولا في الإفراج بحد ذاته، بل في التناقض بين الإثارة الإعلامية التي صاحبت العملية، وبين نتائجها الفعلية التي بدت وكأنها “زوبعة في فنجان”وهنا يُطرح تساؤل جوهري: هل تعاني الشرعية فعلاً من عجز في اتخاذ القرار، أم أن هناك إرادة خفية تُفضّل إبقاء الأمور في حالة “اللا حسم”؟.
التأثير على من هم تحت سلطة الحوثيين
تُعد هذه الحادثة فرصة مهدورة لإرسال رسالة أمل وتشجيع لكل من يعيش تحت هيمنة الحوثي، بأن هناك طريقاً آمناً للانفكاك من سطوته، لكن، حين تعتقل الشرعية شخصيات محسوبة على الحوثيين، ثم تطلق سراحهم سريعاً وبدون إجراءات قانونية واضحة، فإن الرسالة تصل بالعكس: “الشرعية لا تحمي، ولا تستطيع الثبات على موقفها”..
تعزيز موقع الحوثيين
مثل هذه التراجعات تؤكد للحوثي وأنصاره أن خصومهم يفتقرون إلى الثبات، وأنهم – في أسوأ الأحوال – لن يذهبوا أبعد من المناكفات الإعلامية وبالتالي فإن الحوثيين يزدادون جرأة، بينما تفقد الشرعية جزءاً إضافياً من رصيدها الشعبي والسياسي..
خلاصة:
ما حدث في قضية الزايدي وهشام شرف ليس حادثاً معزولاً، بل هو امتداد لسلسلة طويلة من الترددات والقرارات المرتبكة التي تجعل الشرعية تبدو – عن قصد أو عن عجز – غير مؤهلة لإدارة صراع بهذا التعقيد وإذا استمرت على هذا النهج، فإنها لا تعزز سوى قوة خصمها، وتضعف الثقة بها أكثر أمام الداخل والخارج..
الشرعية لا تحتاج إلى قرارات متسرعة بقدر ما تحتاج إلى ثبات في الموقف، ووضوح في الرسائل، وتقدير لعواقب كل خطوة، لأن الحرب لم تعد فقط بالسلاح، بل في تفاصيل السياسة والإعلام والمواقف..
اليمن الكبير || “سقطرى جزيرة الدهشة”
التعليقات