عن مآلات حرب اليمن في ضوء الحرب الروسية على أوكرانيا
تُعيد الحرب الروسية الأوكرانية صياغةَ سردية الحروب الكلاسيكية التي تمضي نحو نتائج نهائية وسريعة بغض النظر عن عدالة تلك النتائج، وهو أمر يتحقق من خلال وجود طرفين في المعركة يمتلكان إرادتهما، وذلك أدعى إلى التوقف أمام تأثير هذه الحرب على معركة السنوات السبع المتواصلة في اليمن التي تتضخم فيها الأدوار الدبلوماسية وكُلفُها الماديةُ إلى حد البذخ، فيما تتضاءل فرص الطرف المعني بحماية الدولة واستعادتها في خوض معركة حاسمة، بل ويُجرد بصورة منهجية من قبل حلفائه؛ من كل أسلحته المادية وتأثيره السياسي وقراره السيادي.
على الرغم من أهمية سلعة القمح التي تمثل المورد الرئيس الثاني للحياة بعد الماء، بالنسبة لليمنيين، فإن الحرب الروسية على أوكرانيا تكاد تخلق أزمة إضافية بالنسبة لليمنيين الذين يستوردون أقل من نصف احتياجاتهم من هذه السلعة من أوكرانيا وروسيا، في وقت تحللت فيه الأطراف الإقليمية من مسؤولياتها الإنسانية تقريباً، عدا القليل من التدخلات الاستعراضية خصوصاً من جانب السعودية التي تواصل التضييق على اليمنين في أراضيها وحملهم على التخلي عن فرصهم الوحيدة في البقاء بكرامة، وتحملهم على العودة إلى اليمن، حيث تخوض الرياض حربها المفتوحة في مواجهة عدوٍ داخلي خطيرٍ لليمنيين هو جماعة الحوثي، دون حسم، فيما تُبقي الحربُ اليمنَ منطقةً خطرةً ومنعدمةَ الفرص وفقيرةً ومقبرةً للأحياء الأبرياء من ذوي البشرة القمحية السمراء والعيون البنية.
لن يتوقف العالم الغربي صاحب الاهتمامات الزائفة بقضايانا العادلة، أمام هذه الحقائق الصادمة فهو لم يعد يهتم بأمر اليمنيين قدر اهتمامه بزبائن شركات تصنيع السلاح الأُثرياء المنخرطين في حرب اليمن، وهي حقيقة أكدتها الوقائع بشأن الغرب الذي عرَّتهُ الحربُ الروسية على أوكرانيا، وكشفت عنصريته البشعة، لكنه ربما قد يتوقف باهتمام أمام انعكاسات تلك الحرب، على أدوار الأطراف الإقليمية في الحرب اليمنية.
فحرب القرم الجديدة تسببت باستقطاب حاد على الصعيد العالمي، ويكفي أن نعرف أن الإمارات امتنعت عن التصويت على قرار يدين الحرب الروسية على أوكرانيا، قبل أن تصبح رئيساً دورياً لمجلس الأمن في شهر سيكون حاسماً فيما يتعلق بهذه الحرب، خصوصاً أن الولايات المتحدة تقف على رأس حرب المواجهة مع روسيا، عبر عقوبات وأعمال دعائية ودعم تسليحي، في وقت لا توجد فيه ضمانات حقيقية لعدم إمكانية أن تتحول المواجهة إلى صدام عسكري مفتوح الخيارات.
عقدت الإمارات صفقة وصفها دبلوماسيون غربيون بـ"القذرة"، وتتلخص بحصول الإمارات على صوت روسيا المؤيد لقرار مجلس الأمن رقم 2624، والذي فُرِضَ بموجبه حظرٌ على تسليح جماعة الحوثي ككيان، ووصفها بالإرهابية، بعد أن امتنعت أبو ظبي عن التصويت مع قرار يدين حرب روسيا على أوكرانيا. وتقديري أن أبو ظبي وموسكو يتخادمان بشكل فعال منذ سنوات في منطقتنا، عسكرياً وأيديولوجياً، وبإيعاز أمريكي، في أكثر من ملف إلى حد يصعب معه إحداث قطيعة مفاجئة بينهما.
إن وصف الصفقة بـ"القذرة"، يؤشر في الواقع إلى قذارة الموقف الغربي نفسه، والذي لا يزال يدعم فكرة أن تستمر الحرب في اليمن تحت مظلة إجماع زائف حول شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته، حتى تتكرس وتترسخ وقائعُ جديدة قائمة على شرعية الحرب التي تجري التغطية عليها بتحركات دبلوماسية عقيمة، وتشديد مبتذل على ضرورة الحل السلمي، فيما تنتج الحرب وحدها سلطات أمر واقع سيكون من الصعب القضاء عليها، خصوصاً بعد الهدم الكامل لقدرات ومقدرات السلطة الشرعية والحكومة وجيشهما واحتواء ظهيرهما الوطني المقاتل والمدني، ومن ثم إنجاز تسوية لا يمتلك فيها صاحب الحق أي قدرة على التأثير أو تغيير المسار.
تمثل الإمارات أحد أهم الأطراف الإقليمية المنخرطة في حرب اليمن، وتحت مظلة ما يسمى بـ"تحالف دعم الشرعية"، ومعظم العمليات العسكرية الميدانية الناجحة أُنجزت خلال السنوات الماضية، تحت قيادة الإمارات من عدن إلى الحديدة، وبتأثير موقفها الأخير في مجلس الأمن. فها هو سفيرها في واشنطن يوسف العتيبة الذي يحمل درجة وزير أيضاً، يتحدث في معرض للدفاع بأبو ظبي، عن أن علاقة بلاده بالولايات المتحدة "تمر باختبار تحمّل"، لكنه عبر عن ثقته بأن الطرفين سيجتازان هذا الاختبار ويصلان "إلى وضع أفضل".
قد تسهم الحرب الروسية على أوكرانيا في إبقاء الحرب اليمنية منسية، وهذا أفضل السيناريوهات بالنسبة لكل من الرياض وأبو ظبي، لكن من قال إن روسيا لن تحاول ممارسة الابتزاز وتعزيز تأثيرها، وامتلاك فرص وأوراق جديدة، عبر الاستخدام الأمثل للحرب اليمنية، وتعزيز مكانة إيران وتأثيرها في هذه الحرب، وإطلاق يد المليشيا الموالية لها لكي تحدث المزيد من الضغط الاستراتيجي، عبر التطوع بالتهديدات بشأن ضربات جديدة للعمق السعودي، والصواريخ الإيرانية جاهزةٌ لتنفيذها إذا اقتضى الأمر من أقرب مكان!
هذا يعني أن الحرب اليمنية، في ظل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تنذر -لا شك- بمتاعب مستقبلية كبيرة وتداعيات خطيرة على دولتي التحالف، ومع ذلك نرى الحرب تمضي بالوتيرة الاستنزافية ذاتها، التي تستند إلى مبدأ التضحية بالحليف الداخلي وإنهاكه، عبر الإبقاء على تكافؤ الخسائر مع الجانب الحوثي، وهو نهج يعمق معاناة الشعب اليمني ويشدد الخناق عليه.
وأستغرب من التشعبات الدبلوماسية المثيرة للشفقة التي يتبرع بها المبعوث الأمريكي، تيموثي ليندر كينغ، الذي زار مؤخراً ثلاث محافظات في وسط وجنوب البلاد هي: المهرة، وحضرموت، وشبوة، ويقع معظمها بعيدا عن خطوط المواجهات.
تحرك المبعوث الأمريكي برفقة نائبة السفير الأمريكي لدى اليمن، فقد تحركا بأمان في المحافظات الثلاث الآمنة، وهي مهمة لا يستطيع أي مسؤول في الشرعية لا ترضى عنه دولتا التحالف القيام بها بهذه السهولة، ليتولى المتحدث باسم الخارجية تأطير الزيارة، بالتركيز على الأولويات الأمريكية في مكافحة الإرهاب والتهريب، مع إشارة مثيرة للاستغراب تدعو إلى إدماج ممثلين عن محافظات شبوة وحضرموت والمهرة في العملية السياسية، وكأن السلطة الشرعية لا تمثل سوى نفسها، وربما مأرب التي تبخل عنها بالحد الأدنى من الدم المادي والأخلاقي.
وفي شمال البلاد تكفل السفير الهولندي إلى اليمن، بيتر ديرك هوف، بزيارة صنعاء لتكون أول زيارة لمسؤول غربي إلى العاصمة المحتلة منذ عامين، والأرجح أنها تحاول أن تُبقي على قنوات الاتصال مفتوحة مع جماعة الحوثي بعد أن تعذرت زيارة المبعوث الأممي هانز غروندبرغ لصنعاء. وربما أراد مناقشة موضوع تفريغ حمولة السفينة صافر الذي تتكفل الحكومة الهولندية بدعمه، لكنها في المحصلة تفتح الطريق أمام التعاطي مع سلطة الأمر الواقع والتطبيع الممنهج معها، وتكريس عبثية هذه الحرب وإدامة آثارها المدمرة على الشعب اليمني.
المصدر:عربي21
*جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "يني يمن"
التعليقات