رصد أرقام وفضائع من جرائمهم ..ماذا يريد الحوثيون من المرأة اليمنية؟
صبيحة الأحد (٢4 أبريل ٢٠٢٢)، كانت بعض النساء في صعدة (أقصى شمال اليمن) يتجهّزن للتسوّق لشراء احتياجاتهن وأسرهن الضرورية لمناسبة عيد الفطر الذي يبعد نحو 24 ساعة.
وبينما كن على وشك الانطلاق في رحلة التسوّق، تفاجأن بدوي مكبّرات الصوت في المساجد ومن على المركبات التي جابت الشوارع لتحذير النساء من الخروج إلى السوق من دون محرم.
وبين قرار المنع الذي أطلقته جماعة الحوثي والحاجة الملحّة لشراء مستلزمات العيد، اضطرت بعض النساء للمجازفة بحياتهن ليجدن أنفسهن في مواجهة الزينبيات (عناصر نسائية حوثية مسلّحة) اللاتي نشرتهن الجماعة في أسواق المدينة للقبض على أي امرأة "بلا محرم".
وأكدت ثلاثة مصادر خاصة تعرّض عدد من النساء للاعتقال بحجة خروجهن بلا محرم، قبل أن يفرج عنهن لاحقاً بعد أخذ تعهداتهن بعدم التسوّق مجدداً دون محرم. فيما لم تتمكن من معرفة ما إذا تم الإفراج عن جميع المعتقلات وما إذا تعرّضن لانتهاكات أثناء الاحتجاز.
تجربة صعدة
أعادت هذه الجريمة إلى الأذهان مأساة المرأة في صعدة باعتبارها أولى المحافظات اليمنية التي أخضعتها جماعة الحوثي المسلحة المدعومة من إيران لسلطتها، وأفقدت النساء فيها حقوقهن الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والقانونية.
تقول أم عبدالله، وهي معلمة نازحة من صعدة، إن المرأة الصعدية تعيش في ظل سلطة الحوثيين مسلوبة الحرية والإرادة والحركة. مؤكدة أن الجماعة صادرت كل حقوقها، وحوّلت النساء في المحافظة إلى سجينات لا دور لهن سوى خدمة المقاتلين وإنجابهم، وأجبرت بعضهن على المشاركة في قمع الآخرين من خلال تجنيدها في التشكيلات النسائية المسلحة "الزينبيات".
واستعرضت، في حديث خاص، الأساليب الحوثية لإهانة المرأة، ومنها استخدامهن كوسيلة لإخضاع الأهالي وإجبارهم على القتال معها. مضيفة أنهم انتهكوا حرمات البيوت، وتتعرض المرأة إما للضرب وإما تشاهد قتل زوجها أو قريبها أمام عينيها.
ووفقاً لأم عبدالله، التي تعيش وأسرتها بمنطقة نزوح خارج سلطة الحوثيين، فإن المرأة الصعدية عانت أكثر من غيرها من النساء، ووصل بالحوثيين الحد إلى منعها من الخروج إلى السوق لشراء مستلزمات العيد واحتجازها بحجة "المحرم"، وحرموها من زيارة أهلها بإهانتها واحتجازها في نقاط التفتيش.
معتبرة أن هذا بمثابة إغلاق آخر هامش حرية يمكن أن تتحرك خلاله المرأة الصعدية لمرّة واحدة في السنة خصوصاً اللاتي أصبحن معيلات لأسرهن ممن فقدن أزواجهن وبعضاً من أقاربهن في حروب الحوثيين.
وبحسب أم عبدالله، فإن الحوثيين يسعون لتعميم "تجربة صعدة" فيما يخص المرأة على بقيّة النساء في اليمن منذ تمددهم خارج صعدة وصولاً إلى سيطرتهم على العاصمة صنعاء عام 2014.
عشرات القيود
وللسنة الثامنة تواليًا، دأب الحوثيون على تقييد حركة المرأة ومصادرة حريّتها وتحجيم حقوقها تدريجياً عبر قرارات وأحكام دينية خاصّة بدلاً عن قوانين الدولة، وشملت كل مناحي حياة النساء المادية والمعنوية.
وإضافة إلى الممارسات القمعية التي تحرم المرأة حقها في الإعتقاد والتعليم والوظيفة والعمل، رصد مُعد التقرير بالأدلة والوثائق أكثر من 20 قرار وتعميم أصدرته الجماعة بين ديسمبر 2017 وأبريل 2022، لتقييد حرّية وحركة النساء وأنشطتهن المجتمعية، وتدخلت حتى في تحديد نوع ملابسهن ومستلزماتهن الشخّصية.
فضلاً عن قرارات تتحكّم بتنظيم النسل، وآخرها مذكّرتين أصدرتهما أواخر يناير 2021، منعت بموجبهما المرافق الطبية من صرف وسائل تنظيم الأسرة المعتمدة لدى منظمة الصحة العالمية إلا بشروط مشددة، وألغت العمل بدليل إرشادات وسائل منع الحمل بحجّة عدم ملائمتها لما أسمته "الهوية الايمانية".
وألحقت مجمل هذه القرارات أضرارًا نفسية ومعنوية جسيمة بالنساء، إضافة إلى أضرار مادية لا حصر لها، ونتج عن بعضها اختطاف وإخفاء وتعذيب كثير منهن وتعريض حياتهن للخطر.
لا اعتقاد
ومثلما هجّرت أتباع الطائفة اليهودية نساءً ورجالاً من منازلهم في صعدة وعمران وصنعاء بدءً من 2007 بسبب معتقدهم الديني، شرعت جماعة الحوثية منذ سيطرتها على صنعاء نهاية 2014، باضطهاد اليمنيين البهائيين واعتقلت العشرات منهم، وعذّبتهم بتهمة الردة عن الإسلام.
وفي 10 أغسطس 2016، داهم مسلّحون حوثيون فعالية ثقافية بصنعاء واختطفوا الناشطات في الطائفة البهائية روحية ثابت (أم لطفلين)، ومواهب يوسف، ونفحة سنائي ومعهن 12 امرأة أخرى و45 رجلاً وطفلاً، واقتادوهم إلى سجن الأمن القومي دون تهمة أو مذكرة قضائية، ومنعوا أهاليهم من التواصل معهم، ولم يُفرج عنهم إلا بعد شهر ونصف، وفقاً لمنظمة رايتس رادار.
وفي السياق ذاته، قال تحالف رصد الحقوقي إنه وثّق اختطاف الحوثيين للعديد من النساء في صنعاء ومناطق أخرى بينهن 10 مختطفات من الطائفة البهائية بين سبتمبر 2014 ومايو 2019.
لا احتجاج
وأمعنت جماعة الحوثي في قمع النساء وإنزال أقسى العقوبات بحق كل من تطالب بحق أو تنتقد فساد أو ترفض الخضوع لسياستها وأفكارها المتشددة. ومطلع ديسمبر 2017 اعتدت على تظاهرة نسائية في ميدان السبعين بصنعاء طالبت بجثمان الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، واعتقلت عدد منهن وأخفتهن قسرياً.
وفي 21 مارس 2018 اقتحمت فعالية ذكرى ميلاد "صالح"، واعتدت على المشاركين فيها بالضرب المبرح واعتقلت 33 امرأة بينهن وفاء الدعيس وشقيقتها إلهام وسلوى العولي، واقتادتهن إلى قسم شرطة النصر وسط صنعاء.
وفي 13 يناير 2018، قمعت تظاهرة نسائية بميدان التحرير وسط صنعاء، كانت تطالب بصرف مرتبات الموظفين والإفراج عن المعتقلين. وممن اختطفتهن "حميدة الخولاني (38 عاماً)، وهيبة حمود الهمداني (41 عاماً)، ونبيلة الهمداني (38 عاماً)، وأروى الأغبري (33 عاماً)، وآمنة البخيتي (34 عاماً)" وفقاً لمنظمة رايتس رادار.
وفي 8 مارس 2018، اعتدى مسلّحون حوثيون بالضرب على معلمة أمام مقر رئاسة الوزراء بصنعاء بسبب مطالبتها بدفع رواتبها المتأخرة.
وبداية أبريل 2018 اعتدى قيادي حوثي يعمل موجّهاً بمكتب التربية في منطقة الثورة بصنعاء، على معلمة رفضت إلقاء خطاباً على الطلبة تهاجم فيه التحالف العربي الداعم للحكومة الشرعية في اليمن. وفقاً لمصادر تربوية فإن القيادي اعتدى على المعلمة أثناء حضوره درسًا كانت تلقيه على طلبة الصف الأول، وطردها من الفصل وقذفها بألفاظ نابية وشتائم مقذعة لرفضها أوامره.
وفي 8 أكتوبر 2018 اختطف مسلّحون حوثيون أكثر من 30 امرأة من جامعة صنعاء أثناء خروجهن في تظاهرة للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية.
وفي فبراير 2019 اختطف الحوثيون إيمان البشيري (30 عاماً)، من جوار منزلها بمنطقة معين غرب صنعاء، وأخفوها لمدّة شهر، لاعتراضها على نهب المعونات الإنسانية. والبشيري، أم لثلاثة أطفال، وفقاً لرايتس رادار، فقد أُفرج عنها مقابل فدية دفعتها أسرتها قدرها مليون ريال.
لا عمل
وتشير تقارير حقوقية إلى خسارة آلاف النساء لوظائفهن في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص بعد سيطرة الحوثيين عليها. كما فقدن أعمالهن ومشاريعهن الخاصّة بسبب القرارات الحوثية التعسّفية التي قيّدت حتى نشاطهن في المبادرات التطوعية والأنشطة الخيرية والإجتماعية.
وفي يناير 2021 أصدرت جماعة الحوثي قراراً بمنع النساء من العمل في مطاعم صنعاء، وهددت بإغلاق عدد من المطاعم بسبب توظيفهن نساء رغم أنّ معظمهن يعملن بأقسام العوائل.
وتزامن مع حملة تحريض أطلقتها في المساجد عبر خطب موحّدة هاجمت النساء العاملات، وطالبت بعدم السماح لهنّ بالعمل سوى في مدارس خاصة بالفتيات أو مرافق صحية نسائية.
ونددت منظمة العفو الدولية بهذا القرار، ووصفته بأنه "مخز وتمييزي". معربة في تغريدة بحسابها على تويتر، عن وقوفها مع كل النساء اليمنيات في كفاحهن ونضالهن من أجل حقوقهن.
وقبلها كانت الجماعة قد داهمت معهد اللغات في منطقة حدة وسط صنعاء، واختطفت نساء يعملن فيه. ووفقاً لمصادر إعلامية وحقوقية فقد لفقت لهن تهمًا مخلة بالشرف والأخلاق.
وتكشف إحصائية لمركز العاصمة الإعلامي عن تسريح الحوثيين لـ270 امرأة من العمل في المطاعم والشركات خلال 2020، وفي العام التالي (2021) أغلقت محلات تملكها نساء، واقتحمت 20 محلاً نسائياً.
الوظيفة تبرّج
ويظهر من خلال محاضرات زعماء الجماعة الحوثية أنها لا تؤمن بحق النساء في العمل، وتعتبر وظيفة المرأة منافٍ للأدب والحشمة ومخالف للدين والقيم وما تسمّيه "الهويّة الإيمانية".
يقول مؤسس الجماعة حسين الحوثي، في محاضرة بعنوان "لتحذن حذو بني إسرائيل" بتاريخ 7 فبراير 2002م، إن اليهود والنصارى "يعملون على نشر الفساد الأخلاقي في البلاد العربية، وهم من دفعوا المرأة المسلمة، التي يلزمها دينها وقيمها العربية أن تكون متأدبة ومحتشمة، حتى أصبحت الآن تتبرج، وتكشف شعرها وبدنها، وتزاحم الرجل في جميع مناحي الحياة بحجة مشاركتها في المجال السياسي".
وأضاف: "الآن في اليمن يطعِّمون المكاتب بالنساء! هنا مدير وهنا سكرتيرة لتكون أجواء المكتب لطيفة.. كلها أجواء حب..".
وسخر حسين الحوثي، من دعوات مشاركة المرأة إلى جانب الرجل في التنمية والحياة العامة، وقال: "الآن يعملون على أن تشارك المرأة الرجل في المكاتب، في الدوائر الحكومية، ويعتبرون أن هذه هي المشاركة الحقيقية للمرأة في الحياة".
واعتبر مشاركة المرأة للرجل في الحياة العامة سبب في زيادة الجرائم، مستدلاً بإحصائيات قال إنها نشرت بصحف (لم يسمّها) عن حجم الجرائم التي حدثت "بسبب مشاركة المرأة للرجل في الأعمال داخل المكاتب، وفي الدوائر الحكومية، وفي مختلف منشآت القطاع الخاص..".
المشاركة الحقيقية
والمشاركة الحقيقية للمرأة، في اعتقاد حسين الحوثي، هو ما "تقوم به المرأة في الريف, من تربية الأبقار، والأغنام، وتوفر على أسرتها كثيراً من الأشياء التي يحتاج رب الأسرة إلى دفع فلوس كثيرة في توفيرها، هي التي توفر الحطب، والماء، وتعمل جاهدةً في المجال الزراعي..".
وقال إن رسول الله (ص) "قضى على فاطمة الزهراء بأعمال منزلية... وعلى الإمام علي بأعمال خارج المنزل، وهكذا المرأة في اليمن تشارك الرجل في جميع مناحي الحياة... لا أن تزاحم الرجل في المكاتب، وفي محطات التلفزيون، وفي كل مناحي الأعمال الأخرى". معتبراً أن "هذه ليست مشاركة حقيقية".
ولم يمتدح حسين الحوثي، دور المرأة في كل خطاباته سوى فيما يتصل بدعمها حرب جماعته، حيث قال في محاضرة أخرى: "ما أعظم دور الزوجات الصالحات في الدفع بالرجال، ما أعظم إسهام المرأة الصالحة في صنع الأبطال، صنع الرجال، صنع المجاهدين في سبيل الله".
وأضاف أن المرأة تقع عليها "مسئولية كبرى جداً" وهي أن تشجّع الرجل وتدفع به للذهاب إلى الجهاد وتحافظ على ماله حتى يتمكّن من الإنفاق في سبيل الله. مشدداً على اقتدائهن بالإيرانيات في تقديم الشهداء، قائلاً "لقد بلغ الأمر بالنساء الإيرانيات أن تفتخر إحداهن بأنها أَصبحت أم أربعة شهداء، وأُخرى تفتخر بأنها أَصبحت أم ثلاثة شهداء، وهكذا أَصبحن يتفاخرن بأنهن أمهات شهداء، وزوجات شهداء".
المحرم المرافق
وإضافة إلى منع خروج نساء صعدة للتسوّق دون محرم، سبق وأن أصدر الحوثيون فرمانات متعددة تمنع السائقين وشركات النقل من السماح بسفر المرأة داخليًا دون محرم، حتى وإن كانت ضمن مجموعة نساء، ومنها قرار أصدرته في مارس 2019 وآخر في أبريل 2022.
وعملياً، تشير تقارير حقوقية، إلى أن الحوثيين كانوا قد بدأوا بمنع النساء من السفر والتنقّل بعد نحو شهرين من سيطرتهم على صنعاء، إذ منعوا ناشطات حقوقيات وصحفيات من السفر عبر المطار بداية 2015 واختطفوا أخريات أثناء تنقّلهن برًا.
وفي نوفمبر 2018، اختطف الحوثيون ثلاث نساء وثلاثة أطفال (نحتفظ بأسماء الجميع) بإحدى نقاط التفتيش في مدينة ذمار بينما كن عائدات من عدن.
وفي نوفمبر 2019 اختطفوا الإعلامية والناشطة الحقوقية حنان الحيدري مع طفلها الرضيع وشقيقتها في المدينة ذاتها، بينما كانت في طريقها إلى صنعاء قادمة من عدن. ووفقاً لمنظمة رايتس رادار فقد نقلوهما إلى سجن الأمن السياسي بصنعاء، وتعرّضت للتعذيب والاعتداء.
الاختلاط.. زنزانة متنقلة
وتحت ذريعة منع "الإختلاط" أصدرت الجماعة سلسلة قرارات قيّدت نشاط المرأة ووضعتها في أشبه ما يكون بزنزانة ترافقها في كل حركتها اليومية. وبلغ بها الأمر إلى إلزام المطاعم بعدم السماح بدخول قسم العائلات سوى لمن يقدّم إثبات الزواج بعقد قران.
ونهاية ديسمبر 2017، ألزمت المحلات التجارية بـ"فصل الرجال عن النساء بكادر خاص بالنساء". وهددت ملّاكها بعقوبة قد تصل إلى السجن لمدة عامين.
وفي ديسمبر 2019 وجّهت بمنع إقامة الدورات التدريبية وورش العمل للرجال والنساء، ومنعت الأنشطة التي تتطلب فرقًا جماعية، وكل ما له علاقة بالمرح والترفيه وتبادل المعرفة.
ومنذ فبراير 2020 فرضت قيوداً جديداً على طلاب وطالبات الجامعات الحكومية والخاصة، ووجّهت بفصل الطلاب عن الطالبات في مشاريع التخرج العلمية والبحثية. وصولاً إلى أن منعتهم من المشي سوياً في باحة الجامعة وممراتها العامة أو الشراء من الكشك والكافتيريا.
وفي أغسطس 2020 أصدرت قراراً يمنع حفلات التخرج للطلاب والطالبات بجامعة صنعاء.
وفي يوليو من العام ذاته، منعت النساء من دخول المقاهي والحدائق والاستراحات والمتنزهات. ووفقاً لما أكدته مصادر محلية فقد داهم الحوثيون في أوقات متفرّقة نحو 10 استراحات ومقاهٍ بصنعاء واعتدوا على مرتاديها ضربًا بأعقاب البنادق وأغلقوا بعضها بذريعة "منع الاختلاط".
ولاحقاً وجّهت المعاهد المتخصصة بتدريس اللغات والمهارات التعليمية الأخرى بفصل الطلاب عن الطالبات في قاعات الدرس، وفرضت مشرفين لتفتيش على تنفيذها ومعاقبة المخالفين.
لا احتفال
ويظهر من خلال القرارات والتوجيهات الحوثية أنها طالت الإناث بمختلف مراحلهن العمرية وشملت طالبات المدارس الأساسية، وكل الأنشطة التي قد تقتضي وجودهن أو مشاركتهن فيها.
ففي 6 مايو 2018 اقتحم مسلحون حوثيون معززون بأطقم ومدرعات قاعة الشذى بصنعاء أثناء احتفال طلاب مدرسة اليمن الجديد بتخرجهم، واعتدوا على الطلبة المحتفلين، وعلى المشاركين والضيوف ومديرة المدرسة وكسّروا الآلات الموسيقية. وأخرجوهم من القاعة مهددين بسجنهم، وحذروا المديرة من إقامة احتفالات أو فعاليات قادمة للطلاب والطالبات.
ووفقاً لإحصائية مركز العاصمة الإعلامي فقد منع الحوثيون إقامة 63 فعالية وأنشطة مجتمعية واحتفالات جماهيرية خاصة بالنساء خلال 2020، بما فيها احتفالات التخرج بحجة منع "الاختلاط"، كما منعوا إقامة وتنفيذ 133 فعالية واحتفالية خاصة بالمرأة خلال العام 2021.
لا خصوصية
ولم تستثن التوجيهات الحوثية حتى خصوصيات النساء والفتيات بمختلف أعمارهن، ومنها قرارات تحدد مظاهر الفتيات، وتتحكّم في أسلوب مشيتهن وحديثهن وتفاعلهن مع الآخرين.
ومطلع نوفمبر 2020، تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي تعميمًا أصدره القيادي الحوثي عادل المتوكّل، الذي عيّنته الجماعة لإدارة جامعة العلوم والتكنولوجيا بعد أن سطت عليها، يلزم طالبات الجامعة بلبس نوعًا معيّناً من الملابس ويحذّرهن من أخرى ومن أدوات التجميل.
ونص القرار على منع الطالبات من "ارتداء العباءة المفتوحة أو الضيقة أو القصيرة أو الشفافة"، وحذّرهن من استخدام أدوات التجميل، وإظهار حتى جزء من شعر الرأس أو رفعه أو إبرازه ولو من تحت الحجاب، وكذا منع استخدام العطور أو البخور.
وفي أغسطس 2021، تداول نشطاء وثيقة أخرى وقّعها نحو 30 شيخاً موالياً للحوثيين في مديرية بني حشيش بصنعاء، تنص على منع إعطاء النساء هواتف ذكية، ومن ثبت بحوزة زوجته أو ابنته أو من له ولاية الأمر عليها إحدى هذه الهواتف فعليه 200 ألف ورأس بقر.
كما أقرّت منع النساء مما أسمته "التبرج في الأعراس والمناسبات واستخدام مساحيق التجميل بكافة أنواعها للعازبات، وكذا قيادة السيارة بدون محرم. وأيضاً منع الفتيات من التقدم للتوظيف في المنظمات الإغاثية، معتبرة أن اختيارهن للعمل فيها يهدف "لابتزازهن جنسيا".
وسبق وأن شن الحوثيون حملات أمنية على محلات بيع الملابس النسائية بصنعاء وصادروا أحزمة البالطوهات وأحرقوها، وحذّروا التجّار من استخدام مجسّمات عرض الأزياء في واجهات المتاجر بذريعة أنها "تساعد على نشر الفاحشة".
وبالعودة إلى محاضرة حسين الحوثي السابقة، فقد أشار فيها إلى أن "هناك من يعمل جاهداً من أولئك الذين يريدون أن تضلوا السبيل، لأن تخرج المرأة اليمنية متبرجة مكشوفة".
وقال مخاطباً أتباعه إن المرأة اليمنية "الآن تحاول أن ترفع ثوبها قليلاً قليلاً، لتبدو أقدامها، ثم ليبدو ساقها، وتعمل على أن تكشف جزءاً من شعرها قليلاً قليلاً، وتكشف يديها قليلا قليلاً.. وكل سنة نلحظ المشهد العام في صنعاء أنها أسوء في هذا المجال من السنة الماضية".
وسيلة إفساد
وعدا دعمها للحرب وتربية المجاهدين الأشدّاء، تعتقد الجماعة أن المرأة نقطة ضعف للأمّة الإسلامية وبوابة الفساد التي ينفذ منها الأعداء "بسهولة".
وحول هذا يقول حسين الحوثي، في المحاضرة ذاتها، إن الأعداء يركزون على "الجانب الأخلاقي الذي وسيلته المرأة". مضيفاً: "المرأة هي وسيلة سهلة، سهل إفسادها، وعظيم جداً إفسادها أيضاً، إنها تفسد بسهولة، وهي من تفسد الرجل بسهولة أيضاً".
وهاجم الحوثي، كل ما له علاقة بتعليم المرأة وتطوير قدراتها، زاعماً أن "كل الأعمال التي فيها إضلال لنساء المسلمين، التي تدفع المرأة إلى السفور والتبرج تمول من الأموال العامة للشعب". متهماً "القطاع الخاص" بتنفيذ تلك الأعمال وكذا "المعاهد التي يتلقى التدريب والتعليم فيها من يتخرجون فيما بعد مخرجين أو ممثلين".
واعتبر النساء العربيات بأنهن بمثابة سلاح ووسيلة إغواء يستخدمها الصهاينة لتجنيد العملاء، حيث قال إن "فساد المرأة هو مما استخدمه الإسرائيليون وكانوا يغرون ولا يزالون يغرون به العملاء من فلسطين ولبنان".
وفي هذا السياق، قال الحوثي، إن الغربيين يرسلون النساء إلى اليمن "بشكل سائحات". وقال إن "هناك بيوت في صنعاء أصبحت فنادق يتجمع فيها السواح الخليعون من كل منطقة، من بلدان أوربا وغيرها، ثم لا ستائر على الطياق، ولا شيء، سفور، وخلاعة، وتبرج..".
منتقداً "أولئك الذين كانوا يتشدقون بأنهم دعاة إسلاميين" بعدم اهتمامهم بهذا الجانب، وقال إن هؤلاء "أصبح في معاهدهم ومدارسهم مجاميع كبيرة من النساء"، ولم يوجهوهن "بالشكل المطلوب الذي يجعل المرأة اليمنية ترفض هذا الشكل, وهذا التقليد الذي يريد اليهود أن تسير عليه".
التعليم خطر
وحول تعليم المرأة، قال حسين الحوثي في محاضرة أخرى بعنوان "من نحن ومن هم" ألقاها في يناير 2002، إنه "لولا أن اليهود واثقون بأن التعليم الذي تتقبله المرأة من المناهج, ومن وسائل الإعلام, ومن الثقافة العامة, ومن هنا وهناك, بالشكل الذي يجعلها كما يريدون هم لما انطلقوا, ولما بذلوا أموالهم, ولما ألحوا علينا أن نعلمها".
وما يريده اليهود، وفقًا للحوثي، هو "أن تكون المرأة وهي تتعلم ... تتعلم كيف تصبح في الأخير امرأة بعيدة عن أن تنجب عربياً مسلماً, بعيدة عن أن تنجب وتربي أبطالاً مسلمين, بل ستربي جنوداً صهاينة, وتنجب مجتمعاً وأجيالاً يتحولون إلى خدام لهم".
وهاجم حق المرأة في التعليم والتسهيلات الممنوحة لتعليمها، قائلاً: "يقولون: تعلموا, المرأة لها حق أن تتعلم, يجب أن تتعلم, ويبذلون الأموال الكثيرة في بناء المدارس من أجل أن تتعلم المرأة, ومن أجل أن يتعلم الجميع؛ لأنهم قد أصبحوا فعلاً واثقين بأننا سنتعلم رجالاً ونساء ونصبح في الأخير كما يريدون".
واعتبر حسين الحوثي، الدعوات المنادية بتعليم المرأة مساعٍ لإفسادها، قائلاً: "أولئك الذين ينادون بالتعليم: تعلموا, تتعلم المرأة, يريدون للمرأة أن تصبح وسيلة لإفساد الرجل, إضافة إلى كونها وسيلة لإفساد أبنائها".
حقوق المرأة.. بوابة الفساد
ولا يختلف الأمر عند عبدالملك الحوثي، شقيق حسين الحوثي والزعيم الحالي للجماعة الحوثية، ففي اعتقاده أن المرأة بوابة مفتوحة للفساد يستغلّها الأعداء لنشر الفواحش في المجتمع الإسلامي تحت عناوين الحقوق والحريات.
وقال في خطابه بمناسبة "الذكرى السنوية للشهيد" 2022، إن الغرب يسعى لاستعباد الأمة الإسلامية وإفسادها تحت عناوين السلام والحرية والحقوق والحريات". مضيفاً أنهم يروّجون لحقوق الإنسان، وحقوق المرأة ومختلف الحقوق وفي "نهاية المطاف يمتدون بهذه الحقوق إلى الترويج للفساد، للمنكرات، للفواحش، للجرائم".
وفي خطاب آخر بمناسبة يوم القدس العالمي بتاريخ 6 مايو 2021، اتهم عبدالملك الحوثي، اليهود بنشر "الكثير من الثقافات، والمفاهيم الخاطئة، التي تخرج المرأة عن حشمتها". وقال إنهم "يعملون بكل وسيلة وجهد لنشر الرذائل، والفساد الأخلاقي، وجرائم الزنا على نحوٍ واسع".
ولتحقيق أهدافهم قال إنهم "يستغلون التقنيات والإمكانات المعاصرة، والوسائل المعاصرة، على نحوٍ واسع، لنشر الفساد، وما يوصل إلى الفساد، وما يسبب إلى الفساد".
وفي خطاب ثالث ألقاه بمناسبة "الذكرى السنوية للشهيد" في 10 مارس 2021 اتهم الحوثي، الأمريكيين بالسعي إلى فرز المجتمع إلى فئات منعزلة عن بعضها شباب ونساء وأطفال في مسعى لتمثيلهم في العملية السياسية.
وقال: أتى عنوان المرأة، وحقوق المرأة، ونضال المرأة، وكفاح المرأة، وجبهة المرأة، ومعركة المرأة، هناك بمعزل لوحدها". موضحاً أن هذا التقسيم "في البداية فرز اجتماعي وخصام اجتماعي وحقوقي ومن ثم يتطور إلى فرز سياسي، فيقولون: يجب أن يمثَّل الشباب لوحدهم في العملية السياسية والحوارات السياسية، وأن تمثَّل المرأة لوحدها في العملية السياسية والحوار السياسي... وهكذا".
ماذا يريدون؟
تقول المحامية والناشطة الحقوقية اليمنية هدى الصراري، في تصريح خاص، إن المرأة اليمنية لم تتعرض "لاستهداف ممنهج وينتهك حقها في الحياة والسلامة الجسدية وتسلب حريتها وتعتقل في سجون غير رسمية ويمارس ضدها كل أنواع الابتزاز والتضييق في العمل والمساحات التعليمية والسفر إلا في زمن مليشيا الحوثي".
وعن هدف الحوثيين من استهداف النساء بهذا الشكل، توضح الصراري، وهي حاصلة على جائزة مارتن إينالز الدولية لدورها الحقوقي في اليمن، أنه "لإرسال فكرة للشعب اليمني أن لا حدود في الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها المليشيا الحوثية، وكسر الصورة النمطية والمكانة الخاصة التي تتمتع بها النساء في اليمن".
لافته إلى أنه "في تاريخ الصراعات اليمنية لم يحكم على امرأة بالإعدام أو تحاكم بتهم الخيانة ولم تعج السجون والمعتقلات بالنساء كما نراه اليوم ويتم رصدة وتوثيقة". واصفة الوضع الذي تعيشه المرأة بأنه "واقع مأساوي وكارثي". منوّهة إلى "تهجير النساء قسرًا من مناطق عيشهن وافتقدن للحماية والحصول على الحد الأدنى من الخدمات الضرورية المتعلقة بالأمن الانساني".
ووفقاً للناشطة الصراري، فإن مليشيا الحوثي لم تقف عند هذا الحد من الجرائم "وإنما استخدمت النساء كمليشيا مسلحة في مناطق سيطرتها فأنشأت كيان مليشاوي يدعى بالزينبيات". مؤكدة أن "هذا الكيان لا يقل إجرام وانتهاك بحق النساء عما تفعله المليشيا الحوثية".
وذكرت أن "الزينبيات يقتحمن المنازل، ويفرضن رقابة مشددة على النساء في الجامعات وأنشطة منظمات المجتمع المدني والنشاطات الخاصة وحتى الأحياء وقاعات الأفراح، ويحشدن لتجنيد الأطفال من القرى والعزل باستخدام أساليب الترغيب والترهيب ضد الأهالي".
التعليقات