في ظل هدنة عالقة.. نهب الإيرادات يؤجج صراع اليمن
تصاعدت حدة الاتهامات المتبادلة بين أطراف الهدنة في اليمن التي وصلت عملية تجديدها للمرة الرابعة إلى طريق مسدود بعد رفض الحوثيين للمقترح الأممي لتمديد الهدنة لمدة ستة أشهر مع إضافة عناصر أخرى أهمها دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية، وفتح طرق محددة في تعز ومحافظات أخرى، وتسيير وجهات إضافية للرحلات التجارية من والى مطار صنعاء، ودخول سفن الوقود إلى ميناء الحُديدة دون عوائق.
ويعيش اليمن منذ نحو ثمانية أعوام على وقع حرب وصراع طاحن أتاح منافذ واسعة للنهب والتكسب غير المشروع من السوق السوداء للوقود والصرف والمضاربة بالعملة والعائدات المجهولة لما يتم تصديره من النفط والغاز، والإتاوات والجبايات وغيرها.
واستبق الحوثيون المقترح الأممي لتوسيع الهدنة وتمديدها بالإعلان عن عزمهم على مخاطبة الشركات والكيانات الاستثمارية في قطاع النفط والغاز، بأن عليها التوقف بشكل نهائي عما سموه نهب الثروات اليمنية السيادية، وتحميلها المسؤولية الكاملة في حال عدم الالتزام.
وأكدت ما تسمى باللجنة الاقتصادية التابعة لسلطة صنعاء أن مطالباتها ستستند إلى النصوص الدستورية والقوانين اليمنية النافذة، ومواثيق ومعاهدات الأمم المتحدة.
في المقابل، اتهمت الحكومة اليمنية التي منحت مرونة لتسهيل جهود تمديد الهدنة، الحوثيين بنهب مبالغ كبيرة تجاوزت 60 مليار ريال (الدولار = نحو 1130 ريالا) تمثل إيرادات الحديدة وفقا للاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة في 2019، وتخصيصها لتمويل حملاتها الحربية ضد مأرب خلال الفترة الماضية، بدلا من صرفها فيما تم الاتفاق عليه وهو دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية.
واعتبر مصدر حكومي مسؤول، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، تهديد الحوثيين باستهداف المنشآت الاقتصادية النفطية والغازية سابقة خطيرة على المنظمات الأممية والمجتمع الدولي أن يتعامل معها بحزم شديد بعد أن اتضح لهم من هو الطرف المعرقل لجهود تمديد الهدنة وفتح الطرقات ومختلف الملفات الاقتصادية الشائكة والتي تسبب بها الحوثيون بحسب حديثه.
وتعتقد الحكومة اليمنية أن الانقسام المالي الذي تسبب به الحوثيون أدى إلى تعطيل صرف رواتب الموظفين بداية العام 2020، بينما تقوم الجماعة بفرض جبايات مضاعفة على القطاعات التجارية والأوعية الإيرادية في مناطق نفوذهم، وتتنصل من أي مسؤولية تجاه المواطنين في الرواتب والخدمات الأساسية.
ويبرز قطاع النفط والغاز في طليعة الاهتمامات التي تتمحور حولها مناقشات ومباحثات حلحلة الأزمة الاقتصادية والانقسام المؤسسي والنقدي والمالي بما يفضي إلى الاتفاق على تنفيذ خطط متعددة المسارات تبدأ بتمديد الهدنة وما يترتب عليها من التزامات تتعلق باستيراد الوقود ومشكلة الطرقات ورواتب الموظفين المدنيين.
الباحث الاقتصادي مراد منصور يؤكد في هذا الخصوص لـ"العربي الجديد"، أن جميع الأطراف لا يعنيها الشعب اليمني ومسؤولة مسؤولية تامة عن هذا العبث والنهب الحاصل التي ساهم في تهاوي الاقتصاد الوطني والعملة المحلية وتفجير أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، فهناك من ينهب باستخدام القوة والنفوذ، وهناك ويستغل منصبه لشراء العقارات وتأسيس وإدارة شركات أعمال من وراء كل ذلك.
يضيف: لذا تجد من يماطل ويمارس مختلف الأساليب الابتزازية لكي تفشل كل جهود توسيع الهدنة التي يعتقدون أنها ستقضي على كل هذه الامتيازات والموارد المالية الهائلة التي أتاحتها لهم منافذ الجبايات على الطرقات وموانئ الاستيراد والتصدير.
ورصدت "العربي الجديد" ردود أفعال اليمنيين في عدة مناطق ومدن يمنية، حول عرقلة الهدنة التي يمكن أن تفضي إلى تحسين وضعهم المعيشي وصرف رواتبهم المتوقفة منذ نحو ستة أعوام.
المواطن علي الروحاني، من سكان صنعاء، يتحدث لـ"العربي الجديد"، أن الأطراف مستفيدة من الحرب والصراع يتفاوضون فقط على حصصهم من الموارد والثروات.
ويرى زاهر فؤاد، وهو موظف في إحدى الدوائر الحكومية في العاصمة اليمنية أنهم استبشروا خيراً في بنود الهدنة الجديدة التي تحمل انفراجه في رواتبهم لكن هناك من لا يحبذ انتهاء هذه الأزمة واستمرارها كورقة يبتز بها خصومه والمجتمع الدولي بالرغم من كونه يعبث بأموال طائلة على احتفالاته ومناسباته المتعددة التي تأتي على حساب مضاعفة معاناتهم التي وصلت إلى مستويات لم يعد باستطاعة أحد تحملها.
ومع انتهاء الهدنة الثالثة مساء 2 أكتوبر/ تشرين الثاني تدافع سائقو السيارات والمركبات باتجاه محطات تعبئة الوقود تحسباً لأي أزمة قد تنشب بعد فشل جهود تمديد الهدنة والتي ساهمت في وجود نوع من الاستقرار في المعروض من الوقود بعد سلسلة من الأزمات الخانقة التي كانت متصاعدة منذ مطلع العام الحالي.
وفي العاصمة المؤقتة عدن، يشير بليغ ناصر وهو من سكان منطقة الشيخ عثمان شمال عدن في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن مشكلة الكهرباء التي تستعصي على الحل بالنظر إلى ما تمثله من منفذ وفق قوله للاستغلال والتكسب من قبل نافذين.
وينتظر صابر سعيد، عامل في عدن من محافظة الحديدة، كما يؤكد لـ"العربي الجديد"، تجديد الهدنة بفارغ الصبر لكي يستطيع السفر لزيارة أهله وأقاربه في المحافظة الواقعة شمال غربي اليمن بعد ما منعه انقسام العملة والطرقات المقطوعة من ذلك، في حين يعاني سكان تعز من إغلاق الطرق الرئيسية وحصار الحوثيين منذ خمسة أعوام.
ولا تزال مشكلة الانقسام المالي والنقدي تلقي بتبعاتها على شريحة واسعة من اليمنيين نتيجة لاختلاف العملة النقدية المتداولة بين المناطق اليمنية بحسب الطرف المسيطر عليها.
ويشدد الباحث الاقتصادي جمال راوح، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصراع الذي تركز منذ نحو ثلاثة أعوام على الجانب الاقتصادي هو السبب الرئيسي الذي أدى إلى إطالة أمد الحرب والنزاع وبالتالي بقاء أطول لكل الأطراف والجماعات والكيانات التي تعيش من تجارة وموارد الحرب،
كما وضع هذا الصراع في هذا الجانب بحسب تقارير أممية نحو 20 مليون يمني على خريطة الفقر والجوع والبطالة والمساعدات الإنسانية.
وكان المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن قد عبر عن أسفه لعدم التوصل إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة في اليمن، والتي شأنها توفير فوائد هامة إضافية للسكان الذين يحتاجون إلى إنهاء النزاع من خلال عملية سياسية شاملة وتسوية متفاوض عليها.
التعليقات