اغلب قطع الطائرات أمريكية الصنع.. كيف نجحت إيران في صناعة مُسيّراتها بقطع تكنولوجية غربية؟
اغلب قطع الطائرات أمريكية الصنع.. كيف نجحت إيران في صناعة مُسيّراتها بقطع تكنولوجية غربية؟
أظهرت معلومات استخباراتية أوكرانية أن المسيرات الإيرانية التي تستعملها روسيا ضدها تحتوي على قطع مصنَّعة من طرف شركات بدول غربية. ما يدفع إلى السؤال حول أسباب هذا الاختراق، ومدى نجاعة العقوبات الغربية المطبقة على إيران.
منذ أول رصد لها بالسماء الأوكرانية في سبتمبر/أيلول الماضي، عندما استخدمتها القوات الروسية لضرب القوات الأوكرانية في الشرق، شكلت المسيرات الانتحارية الإيرانية نقطة جدل كبير في مسار الحرب، وعلامات استفهام كثيرة حول الكيفية التي وصلت بها إلى هناك.
من جهة أخرى سعى الأوكران لتحليل بقايا تلك الطائرات الانتحارية التي جرى إسقاطها والاستعانة بمعلومات استخباراتية أجنبية، على رأسها الاستخبارات الإسرائيلية، عن برنامج المسيرات الإيراني.
وفي مفاجأة غير متوقعة وفق ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، كشفت تقارير استخباراتية أوكرانية، بأن غالبية أجزاء المسيرات الإيرانية يجري تصنيعها من قبل شركات في الولايات المتحدة وأوروبا ودول حليفة أخرى. وهو ما أثار قلق المسؤولين الغربيين، ودفع الحكومة الأمريكية إلى فتح تحقيق في الأمر.
قطع أمريكية في مسيرات غربية
وفي تقاريرها قالت المخابرات الأوكرانية إن ثلاثة أرباع مكونات الطائرات الإيرانية المسيرة التي أُسقطت في أوكرانيا هي أمريكية الصنع. ذلك بعد تحليل أجزاء المسيرات التي نجحت في إسقاطها، منها واحدة من طراز "مهاجر-6" جرى اختراق برنامجها أثناء الطيران وإنزالها بشكل سليم كلياً.
وأردفت الصحيفة الأمريكية نقلاً عن تقارير "الهيئة الأوكرانية المستقلة لمحاربة الفساد" التي عاين خبراؤها المسيرات، بأن المسيرة الواحدة تتكون من نحو 200 قطعة، نصفها مصنَّع من قبل شركة أمريكية، وثلثها من قبل شركات يابانية.
هذه الشركات التي حاولت "وول ستريت جورنال" التواصل معها لسؤالها عن الأمر، ردت بأنها "لا يمكنها التأكد من صحة إذا كانت قطع المسيرات الإيرانية". بالمقابل، تلافت البعثة الإيرانية الجواب عن تساؤلات الصحيفة، مكتفية بالقول إن طهران "مستعدة للقاء الخبراء الأوكرانيين، والتحقيق في مزاعم ملكيتها تلك الطائرات بدون طيار أو قطع غيارها".
مخاوف وأسئلة كبيرة
تطرح هذه المعلومات الاستخباراتية الأخيرة تساؤلات عدة حول مدى تأمين الدول الغربية لتكنولوجياتها الدفاعية، وضبط علاقات شركات تصنيعها بأطراف تعتبرهم تلك الدول معادية لها. وهو ما أكده ديفيد أولبرايت، مؤسس معهد العلوم والأمن الدولي ومقره واشنطن، قائلاً إن: "الأولوية هي فهم كيف ينتهي الأمر بالأجزاء الأجنبية في الطائرات الإيرانية بدون طيار".
ومنذ سنوات تفرض الولايات المتحدة وحلفاءها عقوبات اقتصادية صارمة على إيران، تهدف جزئياً إلى قطع البلاد عن الاقتصاد والتجارة الدوليين، اللازمين لتمويل وتطوير صناعاتها الدفاعية، بما في ذلك برنامج الطائرات المسيرة. كما تهدف إلى منع نقل التكنولوجيا الحربية الغربية إلى طهران.
وهذا السياق يطرح تقرير الاستخبارات الأوكرانية مخاوف بشأن نجاعة العقوبة الغربية لطهران في كبح تطوير صناعاتها الدفاعية اعتماداً على تكنولوجيا غربية. وهو ما أثار قلق العديد من المسؤولين الحكوميين الأمريكيين، ودفع الوكالة الفدرالية الأمريكية المسؤولة عن ضبط وتقنين التصدير للقطع الحربية إلى فتح تحقيقات في المعلومات التي كشفت عنها التقارير الأوكرانية.
كيف وصلت المسيرات الإيرانية إلى أوكرانيا؟
هذا ويعود أول رصد لوجود المسيرات الإيرانية في أوكرانيا إلى 13 سبتمبر/أيلول الماضي، حين نشرت القوات الأوكرانية صوراً لحطام مسيرة روسية، قالت إنها أسقطتها في محيط بلدة كوبيانسك، المسترَدَّة مؤخراً من قبضة قوات موسكو. ومثَّل ذلك الحطام بقايا من الجزء الخلفي من مسيرة كانت مجهولة في ذلك الوقت، كُتب عليها باللغة الروسية اسم "جيران-2".
إثرها صرَّح قائد كتيبة المدفعية "92 ميكا" الأوكرانية، الكولونيل روديون كولاجين، بأن "جيران-2" ليست إلا مسيرة "شاهد-136" الإيرانية، بعد تمويهها من قبل موسكو عبر إعادة طلائها بالألوان الروسية وتغيير اسمها. وهو ما نفته بشكل قاطع الخارجية الروسية.
وحسب تقرير لموقع "طوب وور" المختصّ في الشؤون العسكرية، بين تركيبة "جيران-2" و"شاهد-136" الإيرانية تشابه كبير، إذ تشتركان في كونهما انتحاريتين من ذوات الجناح الأحادي بلا ذَنَب، إضافة إلى تشغيلهما بمحرك كهربائي، فيما لا يمكن تحديد وزن المسيرة الروسية ولا نوع أنظمة تشغيلها لتعرُّضها للتدمير.
وقبلها في نهاية أغسطس/آب الماضي كانت "واشنطن بوست" أول مصدر يؤكّد تَسلُّم موسكو شحنة المسيَّرات الإيرانية، بعد شهر من نشر البيت الأبيض صور أقمار صناعية، قال إنها لتردُّد مسؤولين روس على مطار كاشان الإيراني لفحص المسيرات. وذكرت الصحيفة الأمريكية أن طائرة شحن روسية أقلعت "سرّاً" من إيران "محمَّلة بطرازين على الأقلّ من المسيرات الانتحارية"، مرجحة أن هذه الشحنة تحوي مسيرات من سلسلتَي "مهاجر" و"شاهد" إيرانيتَي الصنع.
وفي ذات السياق كانت كييف طلبت من السلطات الإسرائيلية تزويدها بمعلومات استخباراتية حول برنامج المسيرات الإيراني. وكشف موقع "أكسيوس" الأمريكي، عن لقاء المسؤول الأوكراني الخاص بالشرق الأوسط ماكسيم سوبخ بالدبلوماسية الإسرائيلية المسؤولة عن الملف الروسي-الأوكراني شيمونا هاربيل، اتفقا خلاله على "تبادل المعلومات والاستخبارات وتنسيق المواقف".
التعليقات