ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

السلام في اليمن.. آمال الممكن والمحال

جددت الخطوات السياسية الأخيرة التي شهدها الملف اليمني الأمل لدى ملايين المنهكين والجياع في الخروج من نفق الأزمة الدامية التي دخلت عامها التاسع في البلد المعذب بصراعاته التي لا تنتهي.

ومع تدفق روافد السلام في عروق التقارب الذي تشهده المنطقة تعاظمت آمال اليمنيين ومعهم الإقليم والعالم في التوصل إلى صيغة سلام مستدام بناء على سلسلة من التطورات التي صبت في إطار الجهود الإقليمية والدولية لإنهاء الحرب، والدخول في تسوية سياسية شاملة كانت أبرز معززاتها تنوع قنوات التفاهم ما بين الوساطة كتلك التي تقوم بها عُمان، أو الجهود الأممية بين أطراف الصراع المباشرين، الحوثيون في صنعاء ومجلس القيادة والحكومة الشرعية في عدن، والتي تعززت فاعليتها عقب أيام من عودة العلاقات بين القوتين الاقليميتين السعودية وإيران اللتين كشفتا عن تفاهمات بينهما "لدعم جهود إنهاء الحرب" التي خلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين واللاجئين، ودفعت نحو 18 مليون يمني من أصل 30 مليوناً إلى هاوية الجوع والنزوح والمرض، وصنفت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة.

وعقب ثماني سنوات من الأشلاء والدمار، يشير الأمر الواقع إلى أن جميع الأطراف اقتنعت بخيار السلام ورفعت يدها عن زناد البنادق كخطوة تنطلق من حقيقة جوهرية مفادها أن هذه البنادق لم تنجح في إصابة كل الأهداف المرجوة، وحتى وإن طفت على هامش التقاربات الأخيرة بين المؤثرين في الأزمة لغة المناورة إلا أن الجميع بات يدفع نحو التهدئة لعل أولهم الحوثي الذي هو أحوج إلى السلام وإن أظهر عكس ذلك، فبعد اجتياحه المدن ليحكم كل اليمن انطلاقاً من "حقه الإلهي في الولاية" انتكس في الشمال وخسر نخبته القتالية على تخوم مأرب وشبوة شرقاً، حيث منابع النفط الغزير الذي لطالما تعطش واستمات للوصول إليه من دون جدوى.

في حين أحدثت الخلافات والإخفاقات داخل الشرعية شروخاً عميقة هزت صفوفها وقللت حضورها في الشارع على رغم الفاعلية التي طرأت منذ مجيء مجلس القيادة الرئاسي في أبريل (نيسان) 2022 وتقاربه مع "المجلس الانتقالي الجنوبي"، إلا أن الأولى بالنسبة إليها سلام شامل لا يقود إلى حروب أخرى أو يخفيها تحت رماد تسويات هشة لطالما حذرت من الوقوع في فخاخها، إضافة إلى أن الشرعية والسعودية لم يكن الحرب خيارهما الأرجح استناداً إلى ما قدماه من مبادرات السلام للحوثي.

وعقب ماراثون طويل من محاولات التوصل إلى كلمة سواء مع الجماعة الراديكالية التي كان أبرزها المشاورات اليمنية - اليمنية التي عقدت في الرياض برعاية مجلس التعاون الخليجي مطلع أبريل 2022 وتمخض عنها تشكيل مجلس القيادة الرئاسي ورفضهم الحضور على رغم توجيه الدعوة إليهم، فإن وقائع الأمور تشير أيضاً إلى أن السعودية يهمها استقرار اليمن، وهو ما جسده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بقوله إنه يمثل "عمقنا وجذورنا العربية ونحن معه إلى آخر يوم في حياتنا".

أما إيران فلديها مشكلات مركبة وغليان داخلي ومن مصلحتها التهدئة مما يدفعها إلى التخلي عن طموحاتها في اليمن مقابل استقرار أراضيها.

 

ترحيب حذر

وفي قراءة مراقبين لنيات الطرفين تجاه الحل، فإن الحكومة ترحب دائماً بمبادرات السلام ولكنها تتبعه بالتحذير من "نيات الحوثيين تجاه استحقاقات السلام"، كما هو الحال بتعليقها على المساعي الدبلوماسية الأخيرة.

ويقول وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك إن "موقف الحكومة مرحب وداعم لأية تفاهمات توصل إلى حل سياسي شامل ومستدام يبنى على المرجعيات الثلاث".

ومع ترحيب الشرعية بالزخم الدبلوماسي المتوالي أخيراً أضاف أن "الحوثيين لم يبدوا إزاءه أية رغبة أو توجه حقيقي نحو تحقيق السلام حتى الآن".

وفقاً لابن مبارك فإن التعاطي مع المبادرات الإقليمية للحل السياسي في بلاده "يضع الحوثيين مجدداً أمام اختبار صدق النيات تجاه استحقاقات السلام، وتظهر للشعب اليمني والمجتمع الدولي من هو المعرقل لاستئناف العملية السياسية وإنهاء المعاناة الإنسانية التي تجرعها مواطنونا بسبب الانقلاب الحوثي والحروب والفتن المتتالية التي انتهجتها هذه الحركة".

الحرب اليمنية الدامية مرت بمحطات توقف بين حين وآخر، وأتاحت الفرصة لصوت الحوار أن يأخذ مداه عله يغلب أصوات مدفعية الطرفين التي لم يطلق أي منهما القذيفة الأخيرة بعد، مما أطال أمد الصراع على رغم الدعوات العربية والأممية ورعايتها للحوار.

وعن خطة التوافقات والمقترحات المطروحة لخريطة الطريق هذه المرة نحو إحياء مسار السلام التي ترعاها السعودية ورؤية الحكومة إزاءها يقول ابن مبارك، إنها "محل اعتزاز وتقدير عال من قبل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، وتعبر عن حرص لوضع حد للمأساة الإنسانية التي سببها الانقلاب الحوثي وانعكاساته الكارثية على مناحي الحياة كافة في اليمن"، مشيداً خلال حديثه إلى "اندبندنت عربية" بالجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق تسوية سياسية في بلاده، والمساعي الأممية الهادفة إلى إحلال السلام واستعادة الأمن والاستقرار.

لكن الوزير اليمني لم يخف تذمره مما وصفه بـ "تعاطي الميليشيات مع دعوات السلام بمزيد من التحشيد وتكريس نهجها الطائفي كسلوك يكشف بجلاء مواقفها من فرص التعايش والسلام الممكن"، من دون كشف مزيد من تفاصيل المشاورات الجارية.

 

روافد في حديقة السلام

ومن الواضح أن جملة التغييرات التي تشهدها المنطقة في إطار حال التفاهم التي تسود أخيراً قد رمت حجراً في بركة المشكلة اليمنية الراكدة بعدما كادت تتجمد وتتحول إلى مأساة إنسانية منسية.

وفيما يصافح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود نظيره الإيراني أمير عبداللهيان في الخامس من أبريل (نيسان) الماضي في بكين عقب قطيعة دامت سبع سنوات، كان رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي يناقش مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان الموكل بالملف اليمني جملة الخطوات المتخذة مع الأطراف السياسية كافة للتوصل إلى صيغ تفاهم مشترك تخلص إلى وضع حد للصراع الذي طال أمده، و"استعراض مستجدات الجهود الرامية إلى إحياء مسار السلام في اليمن من خلال عملية سياسية شاملة برعاية الأمم المتحدة تضمن إنهاء المعاناة الإنسانية واستعادة الأمن والاستقرار والتنمية في البلاد"، مما ينبئ عن تقدم في محفزات ومضمون المساعي لإنهاء الأزمة على طريق التوصل إلى تفاهمات تهيئ لحلول واعدة.

ولهذا يمكن "اعتبار حل هذه التطورات التي تشهدها المنطقة مدخلاً مهماً لتهدئة إقليمية وتتويجاً فعلياً لتصفير عداد الخلافات وإثبات حسن النيات سينعكس، وفق الباحث السياسي اليمني علي العبسي، على إحداث تفاهمات بين الأطراف اليمنية شاهدنا بوادرها جلية أخيراً".

مساعي الرياض التي تتزامن مع جهود موازية في الجانب الإنساني والاقتصادي لم تكن هي الأولى من نوعها إزاء اليمن، فقد سبق لها التوسط في مختلف القضايا ورعايتها توقيع المبادرة الخليجية لحل الأزمة في أعقاب الاحتجاجات الشعبية عام 2011، مروراً بمبادرة 2021، فضلاً عن تمويل عدد من القطاعات الحيوية التي عطلتها الحرب ودعم البنك المركزي للحفاظ على قيمة العملة المحلية، وآخرها الوديعة النقدية التي تمت في فبراير (شباط) 2023 بمبلغ مليار دولار.

إلا أن ما يميز الدور السعودي الأخير هو تزامنه مع ظرف إقليمي ودولي يدفع نحو إنهاء الأزمة سعياً منها إلى تهدئة التوترات وإعلاء المصالح المشتركة والتعايش، ونقل العلاقات من متارس التوتر إلى مصاف التعاون والتنسيق، والعمل على إيقاف النزاعات والاقتتال وتلبية تطلعات شعوب المنطقة والتعامل مع الأزمة في اليمن وسوريا ولبنان والسودان، بنظرة إستراتيجية تنسجم و"رؤية 2030".

ومثلما كانت اليمن أبرز نقطة خلاف بين الرياض وطهران فسيدفع التقارب بينهما، وفقاً لمراقبين، نحو حلحلة الملفات الخلافية وتشجيع الشركاء الدوليين للسعودية على بذل جهود إضافية للإسهام في تهيئة عودة المياه لجريانها الطبيعي، وخصوصاً عُمان والصين، إذ ينص الاتفاق بين البلدين على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وتفعيل اتفاق التعاون الأمني الموقع بينهما في أبريل 2001، والاتفاق العام للتعاون في مجالات عدة، وحرصهما على بذل الجهود كافة لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي.

كما أن رفع التأثير الخارجي عن الأزمة سيحد من استمرار اشتعال الصراع بالوكالة لتحقيق أجندات سياسية معينة بخاصة مع إدراك حالات الفشل التي اعترت جولات المحادثات السابقة، وهذا لا يعني أن السلام لم يشهد محاولات سابقة ولكنها ما تلبث أن تبدأ حتى تنتهي، ولعل أبرزها محادثات الكويت في أبريل 2016 التي كانت قريبة من توقيع اتفاق ينهي الحرب، قبل أن تتهم الشرعية الحوثيين بالتنصل في آخر لحظة بإيعاز من طهران.

 

خطوات فاعلة

وعلى مدى الأسابيع الماضية كانت عدن وصنعاء ومسقط والرياض مهبطاً للوسطاء والوفود العربية والدولية التي كرست جهودها لتمديد الهدنة وتقريب وجهات نظر الفرقاء تجاه الملفات العالقة، وترحيل الملفات الخلافية ومن بينها السلاح الذي لدى ميليشيات الحوثيين، وشكل مشروع الشراكة السياسية وبدء تنفيذ ما تم الاتفاق عليه أثناء محادثات الأسابيع الماضية عبر الوساطة العُمانية التي نجحت في إزالة جزء من ركام ثماني سنوات من الحرب بجولات تفاوضية قادتها مع الأطراف كافة، وهو ما عبّر عنه الهدوء الذي يسود جبهات القتال، فعلى رغم انتهاء الهدنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 إلا أن جبهات القتال ظلت في حال هدوء غير معلن، مما يؤكد تحقيق تقدم في المشاورات الجارية بوساطة مسقط التي تحظى بعلاقات جيدة مع الحوثيين، وبروز دورها أكثر عقب التقارب السعودي -الإيراني عندما بعثت وفداً دبلوماسياً إلى صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون في التاسع من أبريل الماضي رفقة كبير المفاوضين الحوثيين وناطقهم محمد عبدالسلام المقيم في مسقط، وعقب يوم واحد فقط التحق بهم وفد سعودي بهدف التوصل إلى إطار اتفاق يغلق ملف الحرب ومأساتها.

وفي الجانب الآخر واصل المبعوث الأممي هانس غروندبيرغ مساعيه إلى تقريب وجهات النظر بين الفرقاء في ظل أنباء تتحدث عن خطة مطروحة للحل السياسي لم يعلن عنها، وحققت هذه الجهود نجاحاً تجلى في جانب صفقة تبادل الأسرى بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر عقب مفاوضات جمعت ممثلين عن الحكومة والحوثيين في الـ 11 من مارس (آذار) الماضي بجنيف استمرت 10 أيام، وبانتهاء المفاوضات في الـ 20 من الشهر ذاته وقّع الطرفان اتفاق تبادل 887 أسيراً عقب سنوات من عذابات السجن والإخفاء القسري، إضافة إلى جولات خليجية مستمرة يتشارك فيها المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ حاملاً في حقيبته رؤية واشنطن للحل السياسي.

"اندبندنت عربية" حاولت بدورها تقصى الأثر بالحصول على تعليق من ليندركينغ للتعليق على المحادثات الجارية ومدى انسجام الرؤية الأميركية مع مقترحات الحل المطروحة التي تقودها عُمان والسعودية، ولكن رسائلنا المتكررة لم تجد رداً.

 

نوافذ الضوء

تمكنت هذه المساعي من تحقيق اختراقات جوهرية خلال أيام معدودة بعدما أخفقت أشهراً وسنوات في إحداثها، ولعل أهمها الاتفاق على تمديد الهدنة التي من المتوقع أن يصدر بها إعلان رسمي خلال الأيام المقبلة، بحسب ما أخبرنا مسؤول حكومي رفيع في تصريحات سابقة، يؤكده صمت أفواه المدافع الممتدة على نحو 50 جبهة قتال تمهيداً "لبدء محادثات للدخول في فترة انتقالية لمدة عامين، شملت تشكيل لجان مراقبة في مناطق التماس وإعادة فتح مطار صنعاء وموانئ الحديدة والطرقات، وصرف رواتب الموظفين الحكوميين بحسب قوائم ما قبل سبتمبر (أيلول) 2014، إلى جانب الاستكمال المتبادل لإطلاق الأسرى والمحتجزين، وفق مبدأ الكل مقابل الكل"، بحسب المصدر.

الحكومية الشرعية والتحالف العربي الداعم لها كانا منعا شركات الطيران من التعامل مع مطار صنعاء الدولي في أغسطس (آب) 2016 بعد اتهام ميليشيات الحوثي باستخدامه لأغراض عسكرية، ومنها اتخاذه مقراً لتخزين الأسلحة واستقدام خبراء إيرانيين بعد عام من عقد الحوثي اتفاقاً مع إيران على تسيير رحلات عدة بين طهران وصنعاء من دون تنسيق مع السلطات الحكومية اليمنية.

واتهم التحالف والحكومة اليمنية الحوثيين أيضاً باستخدام ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر لوصول المقاتلين والخبراء الأجانب والصواريخ الباليستية والأسلحة الأخرى، إضافة إلى اتخاذه منطلقاً لتنفيذ هجمات ضد القطع البحرية في المياه الدولية، ومنها هجمات طاولت سفناً تجارية ألحقت بها أضراراً بشرية ومادية، في حين تنفي ميليشيات الحوثي هذه التهم.

أما أبرز تجليات مساعي الاستقرار هذه فتجسدت في استقبال رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين مهدي المشاط للوفدين السعودي والعُماني في صنعاء خلال ليلة رمضانية، بعد أن تبادل المصافحة والعناق مع السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر.

كما مثل إتمام صفقة تبادل الأسرى المتفق عليها بين الحكومة والحوثيين خطوة أخرى نحو السلام المنتظر بإطلاق مئات الأسرى من الطرفين، جرى نقلهم بطائرات تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر على مدى ثلاثة أيام متتالية خلال أبريل الماضي، وكان بينهم عدد من الشخصيات السياسية الرفيعة التي رفض الحوثيون في جولات تفاوض سابقة إطلاق سراحهم، وهم وزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي ورئيس جهاز الأمن السياسي الأسبق اللواء ناصر منصور هادي، شقيق الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي، والصحافيون الأربعة التابعون للشرعية والمعتقلون منذ عام 2015 والمحكوم عليهم بالإعدام من جانب الحوثيين 2020 بتهم التجسس لمصلحة السعودية، إضافة إلى أبناء نائب الرئيس السابق علي محسن الأحمر وشقيق ونجل نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق صالح، وهو نجل شقيق الرئيس الراحل صالح، وعدد من أسرى التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.

وتعطي هذه الخطوات، وفق مراقبين، مؤشراً على الرغبة في طي الماضي المرير وقبول مسألة تأجيل القضايا الحساسة إلى مراحل لاحقة، مثل شكل الحل السياسي وقضية الحراك الجنوبي ومطالبات الأخير باستعادة الأمور جنوب اليمن إلى ما قبل توحيد البلاد عام 1990 بين الشمال والجنوب، وتوجسهم من التسويات التي لا تأخذ مطالبهم بعين الاعتبار.

ومن وجهة نظر الكيان الجنوبي الذي تأسس في مايو (أيار) 2017، ويتبنى خيار "استعادة الدولة"، فهم "متمسكون بأن يكون لقضيتنا إطار خاص بها في مفاوضات التسوية الشاملة، وسنذهب للسلام ونحن أقوياء، وسنتعامل مع ما يطرح انطلاقاً من مصلحة شعبنا، ولن نقبل بفرض أي حلول تنتقص من حقه في استعادة دولته، بل سنقاوم من يعتقد أن بمقدوره فرض أي حل علينا"، بحسب ما أعلن القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح.

ويرى صالح أن موقف المجلس من جهود السلام معلن وثابت، ويقوم على دعم كل الجهود الدولية والإقليمية لإحلال سلام حقيقي ومستدام، يبدأ بمعالجة جذور الصراع في اليمن وتحديداً قضية شعب الجنوب واستيعابها، وفقاً الواقع على الأرض. وأضاف، "ندعم كل جهود السلام ونعتقد بأن الشرط الأساس لنجاح هذه الجهود هو إيجاد حل عادل ومنصف لقضية شعب الجنوب ويستجيب لتطلعاته، وأية محاولة للقفز على هذه القضية تعني بقاء مسببات الصراع وعدم الاستقرار، ولن نتعاطى ولن نقبل بتقديم قضية شعبنا قرباناً لمعالجة قضايا اليمن الشمالي".

 

نضج المواقف

ومع تواصل المبادرة السعودية لإيجاد صيغة حلول مشتركة، تبرز التساؤلات عن جدواها بعد أن خرجت محادثات صنعاء من دون موقف معلن سوى تأكيد الطرفين مواصلة جهود التباحث لاحقاً.

ويقول الكاتب السعودي عبدالله العساف إن "عودة العلاقات السعودية - الإيرانية دفعت إلى اتخاذ مواقف أكثر نضجاً، وأصبح الجميع مستعداً للصلح وتقبل المبادرات، خصوصاً أن لدى إيران سلطة كبيرة على الحوثيين الذين يتلقون أوامرهم منها، كما لا يخفى على الجميع، وبالتالي أصبحت المبادرات تجد آذاناً صاغية".

ويتوقع العساف أن "تشهد مهمة مفاوضات الحل بعض المماحكات وهذا أمر طبيعي ومتوقع من عقلية التفكير السياسي الحوثي"، ويرى أن "إيران تخلت عن الميليشيات اليوم وأصبح أفرادها وحدهم في العراء، ولهذا عليهم أن يستجيبوا إلى دعوات الصلح من الرياض ومسقط لمصلحة الشعب اليمني"، لأن انعكاسات عودة العلاقات بين الرياض وطهران "ألقت بظلالها الإيجابية على الملف اليمني بشكل كبير نلاحظه في التغيرات الجيوسياسية والإستراتيجية التي أصبح التقارب معها ممكناً، وإذا كان الحوثي يقرأ المشهد السياسي بوعي فعليه أن يستجيب ويلتزم شأنه شأن أي مكون يمني، لأن تعنته المستمر وفرض نفسه استناداً إلى المفهوم العسكري سيلقي به خارج المعادلة السياسية اليمنية".

وفي المجمل يذهب العساف إلى أن المحادثات مع الحوثيين "تسير بشكل جيد وإن كانت وتيرتها بطيئة، فقد شهدنا خلال الأشهر الستة الهدنة الأطول، وهذا يقود إلى إطار سلام يدفع اليمنيين للجلوس إلى مائدة المفاوضات، فلا توجد أزمة معلقة إلى الأبد، وهذه الأزمة باتت بوادر حلولها واضحة أكثر من ذي قبل".

ويشار إلى أن الأزمة اليمنية كانت نقطة الخلاف البارزة التي سببت التوتر الدبلوماسي بين الرياض وطهران، ووفق مراقبين فمن المؤكد أن عودة العلاقات بين البلدين شملت تفاهمات مشتركة وضمانات تجاه الأزمة اليمنية، ولهذا فنجاح اتفاق بكين ربما بات مرتبطاً بنجاح ملف اليمن ومدى التزام الحوثيين بأية تسوية مقبلة يجري النقاش لإنضاجها.

وفي السياق يعتقد العساف وجود ضمانات صينية تلزم إيران بإجبار الحوثي الالتزام ببنود أية تسوية مقبلة، ويشير إلى أن "لدى الصين مصالح مشتركة ولدى إيران مع الصين مثلها، ولهذا فالأخيرة حريصة على عدم الإخلال بهذا الاتفاق وأيضاً الصين حريصة على إنجاح الاتفاق بتشعباته وأبعاده، لأنها تدرك أن نجاح هذا الملف سيقدم مشاركتها السياسية للعالم، وقد أفصحت عن نفسها كقطب سياسي مهم له ثقله الكبير في صناعة المبادرات، وليس كما ينظر إليها كمصنع للعالم فقط، وعليه فالاتفاق يعني كثيراً للسياسة الخارجية الصينية".

ويذهب العساف إلى أن "لروسيا أيضاً دوراً كبيراً بحكم علاقاتها الجيدة مع المملكة والمنطقة بشكل عام، وارتباطها في المقابل بعلاقات خاصة مع إيران، ومن المصلحة العامة في هذه الفترة أن تمارس دورها وحضورها بالضغط على الحوثيين للدفع بعملية السلام المنشود".

وفي حين تتهم الشرعية الحوثيين بتنفيذ أجندة إيرانية، فقد اعترفت طهران بدعم الميليشيات كما جاء على لسان قائد "فيلق القدس" الذراع الدولية للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآني في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2021، الذي وصف الحوثيين بأنهم "أولاد ثقافة المقاومة"، في إشارة إلى الميليشيات التي تدعمها طهران في عدد من البلدان العربية وبينها لبنان والعراق وسوريا.

 

شروط الطرفين للحل

وبالنظر إلى شروط الأطراف فالحكومة الشرعية تطالب إزاء تصورات الحل بالبناء على "المرجعيات الثلاث"، ممثلة في المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية ذات الصلة، وخصوصاً القرار (2216)، وتنص أبرز بنودها على تسليم الحوثيين السلاح والانخراط كمكون سياسي والانسحاب من المدن، وهو ما ترفضه الميليشيات على اعتبار أن "المرحلة تجاوزتها".

وفي حين لا تقتصر رؤية السعودية على وقف هجمات الحوثيين أو التهدئة الموقتة الذين كانت تشهد توجيه ضربات مباشرة على أعيانها المدنية أو الاتفاق على ضمانات أمنية على امتداد حدودها مع اليمن، بما في ذلك المنطقة العازلة التي يقع معظمها تحت سيطرة الحوثيين، فإنها تسعى مع الشركاء الدوليين إلى إيجاد تسوية شاملة تنهي حال عدم الاستقرار في البلد الجار كعمق إستراتيجي، والتوافق على حكومة وطنية "تلبي تطلعات الشعب اليمني وتحافظ على أمن المنطقة"، بحسب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان.

أما إيران، فقد جاءت تصريحات مسؤوليها في الشأن إيجابية ومتفائلة بوضع حد للصراع في اليمن، بحسب الباحث اليمني علي العبسي الذي يضيف، "إدراكاً منها لعوامل نجاح اتفاقها مع الرياض وسعياً إلى تخفيف الضغط الداخلي والدولي ضدها وإنهاء عزلتها، وهي عوامل ترتبط وثيقاً بلعب دور إيجابي في الملف اليمني"، إضافة إلى مساعيها لجني ثمار أخرى لها صلة بنظرة المملكة نحوها، والموقف من القضايا الخلافية وأبرزها الضغط السعودي في الملف النووي وسياسة التهدئة والتقارب في ملفات أخرى تشكل أهمية بالغة لطهران، مثل الملف السوري الذي تجلت نتائجه في ’قمة جدة".

وبالنسبة إلى الحوثيين فلعل أبرز شروطهم تتمثل في توقف التحالف العربي عن دعم الحكومة الشرعية، وصياغة عقد جديد من العلاقة مع السعودية، وتجلى ذلك في اشتراطهم خلال المفاوضات الجارية توقيع الرياض على كونها طرفاً في الصراع وليس وسيطاً، وحصولهم على نصيب الأسد في الاتفاق المرتقب من الموارد والثروة النفطية، ودفع رواتب موظفي الدولة بمن فيهم القوات التابعة لهم من عائدات النفط والغاز، وغير ذلك.

وعلى غير عادة خطابات الميليشيات يعبر عضو المكتب السياسي للحوثيين، علي القحوم، عن تفاؤله بجهود الوساطة العُمانية في ما وصفه بـ "تحقيق السلام العادل وحسن الجوار"، وذلك خلال رده على حديث وزير الخارجية في الحكومة الشرعية بالترحيب بالحوار، وفقاً للمرجعيات الثلاث.

ويضيف القحوم في شأن المحادثات الأخيرة مع السفير السعودي، "التمسنا الجدية وكانت الاجواء إيجابية والتقدم ملحوظ، وعن قريب يتحقق السلام المستدام الذي يلبي تطلعات وتضحيات الشعب اليمني ويحافظ على السيادة والوحدة والاستقلال".

وبالإشارة إلى المسائل التي جرت مناقشتها أوضح أنها شملت "الملفات الإنسانية ووقف العدوان ورفع الحصار وخروج القوات الأجنبية والإعمار وجبر الضرر وتهيئة الأجواء للحوار اليمني برعاية أممية من دون وصاية أو تدخلات خارجية، بما يحافظ على سيادة ووحدة واستقلال اليمن".

وتابع، "وكل هذا على أمل أن يشهد مستوى سير المشاورات المستمرة في مقبل الأيام تحقيق التقدم مهما كانت المعوقات، فالمضي في صناعة السلام هو الموقف السليم والصحيح".

وأضاف، "أمن اليمن واستقراره يمثل أمناً للمنطقة ودول الجوار، لا سيما وقد تساقطت كل الذرائع التي رفعوها للعدوان على اليمن".

ويشيد القيادي القحوم بالتقارب السعودي - الإيراني وبالدور الصيني في "صناعة الاتفاقات التي تعيد التهدئة والسلام والعلاقات الدبلوماسية بين دول المنطقة، وما نتج من آثار إيجابية للاتفاق بينهما، الذي له انعكاساته الطيبة بين هذه الدول على المستوى الداخلي والمنطقة".

 

خشية تراكمية

ومن دواعي التفاؤل الذي يراه مراقبون أن التقارب السعودي - الإيراني اليوم يذكر بالتقارب السعودي - المصري في ستينيات القرن الماضي الذي كان له صدى في إنهاء حرب اليمن حينها بين الجمهوريين المدعومين من مصر والملكيين المدعومين من السعودية، مع اختلاف الوقائع والحيثيات، إذ إن القوة اليوم والقرار المركزي الموحد يصب في مصلحة الحوثي، ومع ذلك لا يتوقع آخرون أنه بهدوء الجبهات والتوقيع على أي اتفاق مزمع ستعود البلاد "الأرض السعيدة" لما قبل اشتعال الحرب عام 2015، وستصبح أحوالها "سمناً صنعانياً على عسل حضرمي" وفق المأثور، بل سيكون الأمر سلاماً يظل بمثابة زر التهديد في يد إيران، تناور به المنطقة والعالم عطفاً على "المرجعيات الفكرية التي تقوم عليها الأطماع التوسعية للنظام وأذرعه في المنطقة"، بحسب مراقبين.

وفي السياق يرى السفير اليمني لدى بريطانيا ياسين سعيد نعُمان أنه لا بد من التأكيد على أن أي جهد يبذل من أجل تحقيق السلام يستحق التقدير والاحترام، ولكنه لم يخف خشيته من "العوامل التي تبعد آمال فرص التعايش والكف عن فرض المشاريع السياسية بالعنف"، والسبب أن "المشروع الحوثي ينطلق من فكرة طائفية تقوم على الحق الإلهي في الحكم، وهو الهدف الذي سيبذلون لأجله الأرواح وكل غال، وهذه الفكرة ترسخت لدى أتباعه وشكلت حاجزاً أمام فرص التعايش المنشود لأنها تدفع بوضع فئة فوق كل اعتبار فيما البقية مجرد تابعين، خصوصاً وقد امتلكوا كل أدوات القوة التي كرست لهذه الغاية".

وبالسؤال عن لعب إيران دوراً إيجابياً مع حليفها الحوثي في سبيل تقاربها مع السعودية والمجتمع الدولي والتفرغ لمشكلاتها الداخلية، يرى نعُمان أن "إيران قبلت ترميم علاقتها مع السعودية لحاجتها الماسة إلى ذلك، وهي المستفيدة من هذه الخطوة في الوقت الراهن، لكنها لن تذهب بهذه التفاهمات إلى المدى الذي يجعلها تتخلى عن أدواتها".

وفي هذه النقطة يتوقع أن "تناور حتى لا يضطرها مسار هذه التفاهمات إلى ممارسة أي ضغوط على الحوثيين لقبول سلام حقيقي يقوم على أساس الاعتراف بالمرجعيات التي انتظمت في إطارها العملية السياسية".

وجرى الحديث عن وجود نوع من الضمانات الدولية التي انتظمت في مهمة التقريب بين القطبين السعودي والإيراني، وهي خطوة يراها السفير اليمني لدى بريطانيا "مسألة مهمة في إنهاء الصراعات، لكنها لا تكفي وحدها ما لم يمتلك السلام قوة ذاتية تحميه". ويضيف، "لو أن الخلاف مع ميليشيات الحوثي كان سياسياً لتأثر بالتطورات السياسية الإيجابية التي تشهدها المنطقة والمتمثلة في ترميم العلاقات العربية في إيران ومناطق نفوذها"، ولكن الحوثيين "يحملون مشروعاً إرهابياً عنصرياً لا يمكن أن يسمح بقواسم وطنية سياسية مشتركة مع الآخرين، يقوم على إخضاع الآخر من موقعه السلالي، وما لم يكسر هذا الاستعلاء ويعاد بناؤه في إطار سياسي وطني فلا يمكن له أن يقبل السلام، ويصبح من السخرية الحديث عن ضمانات لاحقة من أية جهة كانت".

ويضيف السياسي اليمني أنه "بكل أسف فالواقع اليوم يتشكل بالسياسات والأدوات التي هزمت بثورتي سبتمبر (أيلول) عام 1962 ضد حكم الأئمة الملكية شمالاً، وأكتوبر (تشرين الأول) عام 1963 ضد الاستعمار البريطاني جنوباً، وهي دورة ستأخذ مداها في الوعي الاجتماعي المنقسم على نفسه، ولا يمكن التصدي لها إلا باستعادة قيم الثورتين، ومن دون ذلك علينا أن نبحث عن الأقل خسارة لشعبنا الذي عانى مرارة الصراعات والحروب وجشع الذين سرقوا أحلامه".

السلام في ظل المعادلة التي استقر عندها الوضع في صورتها القائمة "مسألة معقدة وغير ممكنة"، من وجهة نظر السفير نعُمان، لأن "شروطه المتمثلة في كسر ودحر الأسباب التي أشعلت الحرب، وهي الانقلاب على شرعية الدولة، لم تتحقق إلا بالنزر الذي استقرت عنده معادلة لا تسمح مطلقاً بتحقيق مثل هذا السلام المنشود"، ويتساءل "ما الذي يجعل ميليشيات الحوثي تتخلى عن مكاسبها التي حققتها بالانقلاب ودعم إيران لها، وقد غدت في وضع تشعر فيه أنها تمتلك معظم أوراق الحل، وأن هذا الوضع يجعلها تتمسك، وفقاً لهذا الاعتقاد، بطبيعة ومضمون السلام الذي ستقبل به، والذي لا يمكن أن يكون أقل من الاستسلام من قبل خصومها".

وفي إشارة إلى المشاورات يقول إن "الطريقة التي اتبعت في البحث عن مسار السلام عززت وجهة نظر الموقف الاستعلائي المتغطرس لميليشيات الحوثي الإرهابية، وهي طريقة لا تنفع معها ضمانات".

 

أبعاد التأثيرات الإيرانية

"اندبندنت عربية" من جانبها حاولت التواصل مع مسؤولين إيرانيين من دون أن تتلقى رداً، إلا أن الكاتب والخبير اللبناني في الشؤون الإيرانية حسن فحص يرى أنه "من الصعب القول إن إيران ستتخلى عن أذرعها الإقليمية التي استثمرها على مدى أربعة عقود، ومع ذلك فإن انعكاسات هذا الاتفاق تتضمن كلاماً واضحاً عن وقف التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة قد يفتح مساراً ايرانياً جديداً في التعامل مع دول المنطقة والعودة لأسس التعامل الدولية باحترام سيادة الدول، غير أن هذا لا يعني أن تتخلى طهران عن جماعاتها وأذرعها، بل ستبقى تحافظ على دعمها لهم لتحقيق أهدافهم ومصالحهم في الدول التي ينتمون إليها، والتي تصب في المحصلة بالمصلحة الإستراتيجية للمحور الذي تقوده".

ويضيف فحص، "نظراً إلى أن التدخل الإيراني في اليمن يعتبر من مسؤوليات أذرعها الإقليمية في حرس الثورة، فهذا يؤكد أنها متورطة مباشرة في تفاصيل هذه الأزمة وتستخدمها كورقة ضغط إستراتيجية في معركة تكريس نفوذها الإقليمي، وبخاصة على حساب السعودية".

وبناء عليه يرى فحص أن "الممر الحقيقي لأي تقارب وبناء ثقة وعودة العلاقات بين طهران الرياض لا بد من أن يمر من البوابة اليمنية، واختبار جدية طهران لإثبات النيات الحسنة تجاه الرياض على جميع المستويات".

وفي أبعاد التأثيرات الإيرانية على حل الأزمة اليمنية يقول إن "حاجة طهران إلى إطفاء النيران التي أشعلتها من حولها بات أمراً ضرورياً وملحاً، في ظل الكم الكبير من الأزمات والمشكلات والتحديات التي تتعرض لها من عقوبات اقتصادية إلى أزمة برنامجين نووي وصاروخي ومعضلة نفوذها الإقليمي، لذلك يبدو التوجه لدى النظام أن يقوم على العلاقات الكاملة والجدية مع القيادة السعودية وعلى رأسها وفي مقدمها المسألة اليمنية، مما يعطي جرعة أمل كبيرة في أن تصل جهود السلام في اليمن إلى نتائج إيجابية، وقد لا تكون بالسرعة التي يرغب بها بعضهم، إلا أنها محكومة بالوصول ما لم تنجح مساعي المتضررين في إفشالها وإحباطها".

وحول ما إذا كان ما تم التوصل إليه من محادثات سياسية مع الحوثيين حتى الآن، في ظل الحديث عن وجود ضمانات عُمانية - صينية - روسية تكفل امتثال طهران وذراعها الحوثية لأية اتفاقات مقبلة؟ يرى فحص أن "الاتفاق الثلاثي وضع المحادثات مع ميليشيات الحوثي على طريق الحل الجدي، وبالتالي فلا بد من الانتظار وعدم حرق الأوراق والتسرع في لمس النتائج النهائية"، وبالنسبة إلى الدور الروسي، وفق فحص، "فالأمر ينطبق عليه لسعيه إلى الحفاظ على النافذة الإيرانية للتواصل مع العالم العربي، فأي إساءة في التقديرات الإيرانية قد تنعكس عليه سلباً في ظل العقوبات والحصار الذي يتعرض له بسبب الحرب على أوكرانيا".

ويشار هنا إلى ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" منتصف مارس الماضي عن مسؤولين أميركيين وسعوديين قولهم إن إيران "وافقت على وقف إرسال شحنات الأسلحة السرية إلى حلفائها الحوثيين في اليمن كجزء من الصفقة التي أبرمت بوساطة الصين، لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية".

وبحسب فحص فإن كل هذه العوامل "تشكل ضمانات للالتزام الإيراني، إضافة إلى حاجة طهران إلى إعادة علاقاتها مع جوارها العربي إلى حال طبيعية، وقد لمست إيجابيات هذا التوجه وما شكله الاتفاق من تغيير في الوضع الإيراني وانعكاساته على الوضع الاقتصادي، وباتت إيران تدرك حجم الإجهاد والنزف الذي عانته جراء سياسات العداء التي مارستها تجاه المحيط العربي، وبالتالي فلا بد من أن تستريح بعد أربعة عقود من التوتر والتصعيد والصراع".

وفي المجمل فإن "ما نشهده من انفتاح عربي على سوريا يشكل مؤشراً حقيقياً على وجود رؤية عربية جديدة في التعامل والتعاطي مع أزمات المنطقة وملفاتها، وهذه الرؤية ما كانت لتتعزز لو لم يتم التوقيع على الاتفاق السعودي - الإيراني".

 

ماذا عن الضمانات؟

ولعل من أكثر مشكلات اليمن منذ عقود أن الاتفاقات على كثرتها لا توصل إلى المبتغى الذي أبرمت من أجله بين مختلف القوى السياسية التي تنقلب عليها قبل أن يجف حبرها، غير أن المتفائلين هذه المرة يتحدثون عن ضمانات دولية تلقتها الشرعية التي اشترطت الحصول على ضمانات دولية قبل التوقيع على إطار الاتفاق الذي رعته سلطنة عُمان، بمعنى هل ستسمح مسقط بفشل جهودها التي قطعت فيها شوطاً كبيراً؟

يجيب الأكاديمي العُماني المتخصص في السياسة عبدالله آل غيلان بالنفي، ويرى أن "عُمان هي الأقدر والأكثر قبولاً وقدرة وإقناعاً على إحداث اختراقات في الأزمة وإيجاد ضمانات معينة تلزم الحوثيين بتنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية"، مشيراً إلى أن الحوثيين "يدركون أهمية عُمان بالنسبة إليهم، ولهذا فضمانات مسقط في شأنهم لن تكون كسابقاتها".

 

"لن نمنحهم ما عجزوا عنه"

ولعل من أبرز المعوقات ما حققه الحوثيون من سيطرة شاملة بلغت عمق الدولة ومفاصلها، وساعدهم انكفاء الحكومة وقواها، مما منحهم مساحات لم يكونوا يحلمون بها لعل أبرزها إحكام قبضتهم على العاصمة صنعاء والحديدة وعدد من المحافظات الأخرى، وسيكون من مقتضيات التسوية تقديمهم تنازلات كبرى في تركيبة مؤسسات الدولة، وهو ما يعد بالنسبة إليهم خسارة لمكتسباتهم التي سيعملون على "عدم التفريط بها، خصوصاً تلك القضايا التي تشكل عمق وجوهر المشكلة اليمنية التاريخية ممثلة بالنهج الديمقراطي وتوزيع مراكز السلطة والثروة، وهو ما يدرك الحوثيون أنهم سيصبحون الخاسر الأكبر فيه لمحدودية شعبيتهم وإمكاناتهم الانتخابية، مقارنة بالقوى السياسية الأخرى كون ميليشيات الحوثي بلا سلاح لا شيء يذكر على الأرض"، وفق آل غيلان.

لكن وسط احتمال نجاح الضغوط الدولية عليهم، فلماذا يمنح الحوثي السلام لباقي القوى التي لا تشكل عليه خطراً وجودياً حقيقياً؟

وللإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا فهم معادلة الحرب والسلام بناء على معطياتها السياسية والعسكرية اليوم، فـ "أنصار الله" منذ "اتفاق ستوكهولم" 2018 وهم من يمسك بزمان المبادرة، باتوا الطرف المهاجم في غير جبهة وميدان، في حين اكتفت القوات الحكومية منذ خسارتها لجبهة جبال نهم المطلة على صنعاء عام 2017، بانتظاره على خطوط دفاعات تقليدية دائماً ما تتصدع تحت وقع الضغط المتواصل، عدا عدد من الجبهات التي فشل في اختراقها، كما هو الحال بمأرب، سوى بعض المناطق غير الإستراتيجية وشبوة والضالع جنوباً، وتقهقره في تعز (وسط) وشنه سلسلة هجمات بالمسيرات المفخخة على الداخل اليمني وبعض المدن السعودية.

وما عزز كل هذا هو زيادة فرص الإخفاقات التي اعترت الصف المناهض لها، والسبب كما هو معلوم حال التباين السياسي الرأسي الذي تعانيه الشرعية الذي ينسحب بدوره على العسكري، إذ على رغم التقائها في جبهة مواجهة الحوثي ومشروعه، فإنها تتباين فيما بينها، فداخلها المجلس الانتقالي الذي يتبنى مشروع "استعادة الدولة" (جمهورية اليمن الديمقراطية قبل الوحدة)، وهناك قوات المقاومة الوطنية التي يقودها طارق صالح وأحزاب يمينية كما هو الحال بالإصلاح الإخواني وغيرها.

 

الضغط على رئة الحوثي

وفي المقابل يأتي التساؤل عن آمال نجاح النقاشات الهادئة، فيما عجزت عنه آلة النار اللاهبة، ويؤكد آل غيلان أن للضغوط السياسية دوراً كبيراً في إنجاح شروط التسوية إضافة إلى عوامل أخرى، في إطار التقارب السعودي معها وعودة العلاقات بين الأخيرة والعراق وسوريا، وهذه مسألة تعيها إيران وتدرك أبعادها ولها دور في دفع حليفهم الحوثي نحو التسوية وكف يده عن انتهاج العنف"، لأن الضغط الايراني "هو الذي يشكل ثقلاً على الجماعة باعتبارها رئتهم الأولى التي يتنفسون بها"، كما أن لعُمان "علاقة لا بأس بها معهم وهي الرئة الثانية للحوثيين من خلال الدعم السياسي والتحرك الدولي، فخسارة عُمان في حال فشلت جهود السلام تعني عزلهم تماماً".

 

على مدى القذيفة تنتصب العراقيل

ومثلما يظل السلام في اليمن التحدي الحقيقي للقوى الضالعة كافة، يتساءل الجميع عن جدوى هذه الجهود من منظور إستراتيجي في حال تم التوصل إلى اتفاق ومدى استدامته، وهنا تبرز حقائق فرضتها معطيات الواقع وفقاً لما خلص إليه مسرح العمليات القتالي حتى ما قبل التهدئة الأخيرة، فالحقيقة الأبرز أنه لا توجد على الأرض اليمنية قوة موازية تهدد سلطة الميليشيات في انتزاع الأراضي التي يسيطرون عليها، وهي معادلة تحيل شروط السلام وفقاً لقاعدة الأقوى من منطلق "لا يمكن أن نعطي لعدونا نصراً لم يحققه بعد"، على حد تعبير القيادي في الميليشيات رئيس اللجنة الثورية محمد علي الحوثي لقناة "المسيرة" الناطقة باسم جماعته عشية عيد الفطر الماضي.

وبما أن المسيطر هو من يملي شروطه فلا بد هنا من الإجابة عن المعادل الموضوعي لدى خصوم الحوثي ليجبرونه على السلام ويدفعونه إلى القبول بتسوية وطنية تشاركه في السلطة أو تنتزعها منه، وهو ما ينفي وجوده المتخصص العسكري عبدالعزيز الهداشي الذي يتساءل، "في مقابل ماذا يمنح الحوثي خصومه السلام وهو الذي لم يتخل عن سلاحه في السابق عندما كان لا يملك سوى بندقية جرمل؟"، أي لم يستسلم على رغم ضعف قدراته، "فكيف به اليوم وبيده ترسانة متطورة ليمنحهم مشاركة في الدولة؟".

ويستشهد الهداشي بالاتفاق الذي جرى نهاية الستينيات عقب الحرب بين القوى الجمهورية بتسوية شارك الملكيون بموجبها في وزارات عدة وسفارات، ولكن الغلبة كانت لشرعية الثورة حينها.

وعلى المدى الطويل من منطلق أيديولوجيا الميليشيات يتوقع أن "يستفرد الحوثي بخصومه في الشمال اليمني واحداً تلو الآخر، ثم سيتجه إلى الشمال بأكمله كما جرت العادة، ومنها إلى الجنوب حيث الثروة الزاخرة تحت أية ذريعة أو لأي سبب كالإرهاب مثلاً، أو لكونهم دواعش أو انفصاليين، في إشارة لحجج مشابهة جرت في جولات صراع سابقة، والخلاصة لن يمنح الحوثي خصومه السلام ولكنه سيمنحهم الهدنة فقط".

"اندبندنت عربية" تواصلت مرات عدة مع مكتب المبعوث الأممي في اليمن هانس غروندبيرغ إلا أن معاونيه رفضوا التعقيب.

 

آخر الاحتمالات

وبالنظر إلى احتمالات الحل يتوقع علي العبسي أن تشمل هدنة طويلة يجري خلالها استكمال الملف الإنساني، ومن ثم النقاش على شكل التسوية والتمثيل السياسي في الحكومة الوطنية، أما في حال فشلت جهود التقارب واستمرار شبح الصراع "فالخشية أن يتحول اليمن إلى أزمة منسية يبسط فيها الحوثيون سيطرتهم العنيفة على صنعاء والشمال، مع سيطرة الحكومة الشرعية على عدن وباقي المحافظات وبقاء مناوشات التدافع بينهما في مناطق التماس"، وهذا الوضع قد يدفع "السعودية نحو الاستمرار في دعم الحكومة الشرعية خشية تمزق البلد وتشرذمه، وهو ما لن تقبل به".

غير أن "المخاوف الكبرى تتمثل في استمرار الصراع والدخول في حرب استنزاف طويلة المدى وتوسع القوى، والميليشيات المسلحة لحظتها ستُدخل البلد في مرحلة صعبة لن يتمكن معها أحد من حسم الصراع لمصلحته".

(اندبندنت عربية)

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.