قلعة صيرة في عدن.. حين يُنسى حارس المدينة (تقرير خاص)
لطالما كانت "قلعة صيرة" واحدة من الآثار التاريخية التي تتصدر قائمة الآثار اليمنية الأكثر زيارة بالسياحة الداخلية والخارجية على حد سواء، إلا أنها مغلقة الآن ولا يمكن الوصول إليها سوى بالنظر من بعيد.
لقد بنيت "قلعة صيرة" في القرن الحادي عشر لمواجهة التهديدات العسكرية التي كانت تستهدف عدن من جهة البحر، وأغلقت اليوم لتحاشي التهديدات التي أصبحت تستهدف عدن من الداخل، حيث تطل القلعة على قصر معاشيق الذي تستخدمه الحكومة مقرا لها ولا تزال تتلقى التهديدات من أطراف مسلحة في المدينة.
تم تشييد "قلعة صيرة" كموقع عسكري على رأس جبل يقع في أقصى شرق عدن ويبلغ ارتفاعه 430 قدماً فوق مستوى سطح البحر، ويحيط البحر بالجبل من الأربع الجهات، وهو من جهته الغربية على مقربة من المدينة ولا يفصله عنها سوى أمتار، إلا أن هذا الجزء تم ردمه في العقود الأخيرة، وأصبح الجبل جزء من المدينة، كما انتقل ميناء عدن الذي كان بجوار القلعة إلى الجهة الأخرى من المدينة التي تتميز بوجود أكثر من مكان صالح للعمل كميناء، كهدية جغرافية سماوية لهذه المدينة ذات الموقع الاستراتيجي والضاربة في جذور التاريخ.
تشير المعلومات إلى أنها من الآثار التركية، وأنها بنيت سنة 1173 من قبل حاكم عدن العثماني "عثمان الزانغابيلي التكريتي"، واستخدمها الاستعمار البريطاني في فترة احتلاله لعدن بين عامي 1839 و1967.
ويرى أستاذ فلسفة التاريخ والحضارة الدكتور قاسم المحبشي، في إحدى آثاره العلمية عن هذه القلعة، أن اسمها ربما يكون مشتقا من موقعها على قمة الجبل الواقع في منتهى ساحل عدن، مستندا في ذلك إلى معجم "لسان العرب" الذي يقول: "لصِّيرُ: منتهى الأمر وغايته. الصِّيرُ من الشيءِ: ناحيتُه أَو طرفُه".
مكونات قلعة صيرة
تم تشييد القلعة بهندسة فريدة كموقع عسكري، شأنها شأن المعروف عن مختلف القلاع العثمانية التي شيدت لأهداف عسكرية في مختلف المناطق، حيث تتكون القلعة من برجين تم تصميمها بأشكال أسطوانية، وبقدر متساو من الارتفاع، ويقع بينهما مدخل القلعة الرئيسي من جهة الغرب، وفي كل منهما فتحة كبيرة وفتحات أخرى صغيرة تسمى "مزاغل"، تضيق في البداية، وتتسع بالتدريج نحو الداخل، بحيث تسمح بحرية الحركة للجنود والتصويب بدقة في تلك الفترة.
وجرى تصميمها بحيث يتم الصعود إلى مدخل القلعة من خلال سلم يفضي إلى بوابة مستطيلة خشبية تطل على الصالة المركزية الرئيسة التي تتوزع منها ممرات توصل إلى غرف ذات مساحات مختلفة، وتوجد بجدرانها فتحات لرمي السهام، كما يوجد سلم آخر يوصل إلى الطابق العلوي منها، وتوجد بالممرات أقبية أسطوانية الشكل، كما توجد بأسقف الحجرات فتحات لدخول الضوء وتحسين التهوية. وعلى نحو خاص، هناك في الصالة المركزية وفي القلعة بئر للمياه تسمى «الهرامسة»، وفي سطح القلعة قواعد مستديرة الشكل من الحجارة الضخمة، وعليها قواعد حديدية بغرض تركيب المدافع.
أثر سياحي مهمل
رغم كون هذه القلعة من أهم الآثار التاريخية اليمنية، وأنها تختزل تاريخا من الصمود والشموخ الممتد على مدى قرون طويلة، ورغم مكانتها وأهميتها السياحية اليوم، وموقعها الاستراتيجي، إلا أنها تعاني من إهمال كبير، ولا تكاد تجد شيئا من الاهتمام من الجهات المعنية، وفي المقدمة الحكومات اليمنية المتعاقبة منذ عقود.
في هذا الجانب تحدث لـ "يني يمن" الباحث والكاتب في تاريخ عدن المعاصر "بلال غلام حسـين" عن أهمية القلعة بأنها كانت تمثل خط الدفاع الأول لأبناء عدن في الدفاع عن مدينتهم، وهي الرمز التاريخي العريق لهذه المدينة، وهي القلعة التي حطمت جبروت الغزاة في كل مرحلة من مراحل الغزو الأجنبي لهذه المدينة.
تقف شامخة كحارس يحمي المدينة، ويترقب قدوم الغزاة والطامعين لينذر أهل المدينة للقيام والدفاع عنها، وكانت هي البداية التي ارتبطت من خلالها أسوار عدن حول المدينة، وكانت هي حلقة الوصل التي ارتبطت بها السلسلة الجبلية المحاطة بعدن بأسوار تشكل الحزام المنيع لحماية مدينة عدن، ارتبطت معها العديد من الروايات والأساطير التي جعلت منها محور اهتمام العديد من الباحثين والعلماء منذ القدم.
من أبرز القلاع وحصون مدينة عدن القديمة التاريخية وقد لعبت القلعة دوراً دفاعياً في حياة المدينة، حيث ومن خلالها تشكلت التحصينات الدفاعية في الجبل وتم صد الكثير من الهجمات والغزوات التي سعت للسيطرة على المدينة حتى صارت رمزاً للصمود أمام هجمات الغزاة والطامعين والسيطرة على الميناء كان آخرها معركة التصدي التي قام بها سكان عدن بالدفاع عن المدينة.
خالد سيدو مدير مديرية خور مكسر فقد عبر عن أسفه الشداد جراء ما يحدث في القلعة من إهمال قائلاً "تعتبر قلعة صيرة من المواقع الأثرية الهامة جدا بمديرية صيرة وتعتبر رمز لصمود أبناء المنطقة التي طالما صد أجدادهم الغزاة ولطالما صنفت من قبل المؤرخين من أقوى القلاع وأشدها وأشهرها. تعتبر القلعة مزارا للسواح الأجانب والعرب. لكن للأسف تعرضت بعد الحرب لبعض الأضرار، ونسعى جاهدين إلى إصلاحها وتهيئتها حتى تكون مزاراً للجميع. طبعاً كانت هناك إيرادات تأتي من خلال الرسوم الرمزية التي كانت تقطع، لكن منذ انتهاء الحرب الظالمة التي شنها الحوثي على عدن وتأثر القلعة تم إغلاقها".
وأضاف سيدو "نتمنى من وزارة السياحة ومكتبه بالمحافظة الإسراع بتأهيلها استعداداً لفتح أبوابها لجميع زائريها."

التعليقات